adil
adil
أعمدة

الدرس الأول

25 فبراير 2020
25 فبراير 2020

عادل محمود -

أردت أن أكتب سيناريو سينما يقوم على فكرة التفوق العلمي في بيئة لا تساعد على تغذية التميز والتفوق والإنجاز.

فوجدت بين يدي أفكاراً نمطية، وقصصاً من خزائن مديح الأنترنت للمتفوقين. ووجدت نفسي في ورطة خلق وتشغيل ورشة إبداع مصطنعة، لإنتاج شخصية سينمائية تصلح لبطولة فيلم التفوق المزعوم.

رتبت لشخصية المتفوق عدداً من المحاضرات العلمية مأخوذة من البرامج المهتمة بهذه المواضيع. ولكنني بعد فترة وبعد عشرات الصحفات، وجدت أن ما ينقصني هو إبداع الفكرة نفسها، وليس خلق شخصية المبدع في فيلم سينمائي. أي أنا من سيجد المفتاحين الحقيقيين الوحيدين ، لمبنى فيه ثروة المبدع، ومخططات نبوغه، ومفردات كنوزه: المفتاح الأول هو «المعرفة»، عالم المعرفة. والمفتاح الثاني هو «الجمال»، عالم الجمال. وفي إبداع خلطة «الجمالية بالفعالية»ن سننجز الإبداع والتفوق والتميز. غيرت البرنامج كله في السيناريو، وبدأت أكتب، بصورة حرة، قصصاً ومرويات ونماذج لا علاقة لها بقصص المبدعين...وإنما بالمدهش، والأخلاقي، والجميل، وبمنتجات ذكاء الفطرة ، وقيم الحياة العليا.

«الأستاذ فارس الخوري». برلماني سوري، وأستاذ جامعي في الحقوق في أربعينات القرن الماضي... استلم وزارة الأوقاف الإسلامية بتصويت البرلمان. فعلق أحد النواب «إننا نأتمنك على أوقافنا أكثر مما نأتمن أنفسنا عليها». «وذات يوم، في إحدى محاضراته، دخل طالب متأخراً عن المحاضرة. فسأله الأستاذ الخوري عن سبب تأخره. فارتبك الطالب، واقترب من طاولة الأستاذ ليقول إنه يعمل طوال الليل فحّاماً (يصنع الفحم) ليحضر المحاضرات في النهار. أمسك الأستاذ يد الطالب، التي بدا عليها آثار مهنة الفحام، وقبّلها». هذا الرجل استدعاه الجنرال الفرنسي «غورو» الذي احتل دمشق عام 1920 وقال له: « لقد أتينا إلى سورية لحماية مسيحيي الشرق». فذهب السيد فارس الخوري، فوراً، إلى الجامع الأموي . صعد إلى المنبر، وسط دهشة المصلين، وقال: «إذا كانت فرنسا تدّعي أنها احتلت سورية لحمايتنا ، نحن المسيحيين، من المسلمين... فأنا كمسيحي أعلن من هذا المنبر «أشهد أن لا إله إلا الله».

حمله المصلون على الأكتاف وطافوا به شوارع الأحياء القديمة في دمشق. وخرج المسيحيون من كنائسهم يسيرون في مظاهرة حاشدة ، وكان هتافهم الموحد : «لا إله إلا الله». قلت للتلميذ في السيناريو: هذا درسنا الأول القصير في مهمة الإبداع الطويلة.