1444323
1444323
المنوعات

«السلطان الراحل» تجربة ناجحة لحاكم أرسى قواعد عمان بالحكمة والثقافة

24 فبراير 2020
24 فبراير 2020

ضمن سلسلة «أصلها ثابت» لفعاليات بيت الزبير الثقافية -

تغطية- شذى البلوشية:-

أقيمت مساء أمس الأول ضمن الفعاليات الثقافية لمعرض مسقط الدولي للكتاب، جلسة حوارية بعنوان «السمات الشخصية والبعد الثقافي في مسيرة السلطان قابوس - رحمه الله-»، بتنظيم من مؤسسة بيت الزبير، ومشاركة الدكتور أحمد درويش أستاذ بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، والمكرم الدكتور عصام الرواس عضو مجلس الدكتور، أدارتها الكاتبة منى حبراس.

وتحدث الدكتور أحمد درويش في بداية الجلسة الحوارية عن البعد الثقافي للسلطان الراحل، ورغم تأكيده على أن «أهل مكة أعلم بشعابها، ولكن مشاركته كغيره من أبناء الوطن العربي دليل محبة»، متنقلا بحديثه من الشخصية العظيمة للسلطان الراحل والتي استطاع أن يصنع منها تجربة متمكنة أرسى قواعدها بأسس ثقافية، وقال درويش: «إن المتأمل في التجربة الإنسانية للسلطان الراحل والتي وجب علينا تأملها -رغم ضخامة الحزن-، يمكن أن يستخلص منها تجربة ناجحة صالحة لكل زمان ومكان»، مؤكدا على أن السلطان الراحل اتصف ببعد النظر ودقة التخطيط والحكمة، وهي مقومات نجاح تجربته في بناء عمان لخمسين عام.

المنجزات أجابت على التساؤلات ..

وسرد المكرم الدكتور عصام الرواس القدرة الثقافية التي امتلكها السلطان الراحل والتي شكلت لديه وعيا سابقا لزمانه، فقد قال أن ما ساعد المغفور له على صقل شخصيته وبناء قدراته الثقافية كان أحد أسبابها أنه كثير الأسئلة، وأضاف الرواس: «كان جلالته رحمه الله يدرس ويقرأ ويخطط، ويركز كثيرا على الأخبار، ويضع الخطط لعمان التي يريدها، ويسعى من خلال فكره لمساعدة والده للخروج من الظروف التي تعيشها البلاد، وبعد أن أصبح سلطانا لعمان استطاع أن يجيب على تساؤلاته من خلال المنجزات التي قدمها لعمان ولعلّ الموسوعات هي أبرز المنجزات الثقافية التي أجابت على تلك الأسئلة».

ورغم أن الحزن كان مخيما على الجلسة الحوارية التي تخللتها مقاطع مصورة للسلطان الراحل في أكثر من موضع، متحدثا في لقاء مصور باللغة الإنجليزية، وملتقيا بالباحثين المعدين لموسوعة السلطان قابوس للأسماء العربية، ولقاءه الأبوي مع طلبة وطالبات جامعة السلطان قابوس، إلا أن المنجزات المتحققة في عهده الزاهر كانت السلوان واستطاعت أن تغالب الحزن، وتجعل الحديث عنه -رحمه الله- محضر خير، وتسليط الضوء على فكره ومنجزاته الثقافية والعلمية ما هي إلا تجربة يمكن الحذو بها.

مواجهة الأعداء بروح الإنسانية

ولعلّ استناد الدكتور أحمد درويش في حديثه عن السلطان الراحل على النظريات التي اتبعها جلالته منذ توليه الحكم، ساعدت على الكشف عن بعض الجوانب والسمات للشخصية الثقافية للسلطان الراحل، حيث قال درويش: «كانت عمان ممزقة حين أمسك جلالته بزمام الحكم، وكانت الحروب مندلعة في كل حدب وصوب، ولابد من إخمادها والإمساك بزمام الأمور من قبل السلطان الذي يحكمها، آخذا بقاعدة «فتح مكة» التي حقق بها الانتصار، وساد بعدها النهج القرآني، حيث واجه -رحمه الله- الأعداء بروح الإنسانية والأبوية، وطبق العدالة في لحظة حاسمة».

المساواة والعدل أساس الحكم.

وأشار درويش إلى السر العظيم في نجاح تجربة السلطان الراحل كان وضعه -رحمه الله- للمساواة والعدل والأمان في واجهة أسس الحكم، وبها استطاع أن يعيد المخالفين إلى الصف، والمهاجرين إلى أرض الوطن، ولا يمكن إغفال عمق فلسفة السلطان الراحل، حيث أنه يخطط للغايات من النظرة البعيدة، فالسلطان قابوس ركز على الجوهر على سبيل المثال: ركز على التعليم حتى ولو تحت ظل شجرة، وهو الجوهر وبعدها بدأ بالتفكير ببناء المدارس، وقال درويش: «تأتي الثمار بعدها حتى تصل إلى الغايات».

السياسة الخارجية

وحول السياسة الخارجية لعمان قال المكرم الدكتور عصام الرواس: «كان لعمان امتداد وتاريخ في التراب الوطني وخارجه، أدى إلى أن تشتبك مع دول أخرى، ولكن عمان من أوائل الدول العربية التي لها علاقة مبكرة مع الدول الأوروبية، فنحن أول إقليم سيطر عليه البرتغاليين وهذا الاحتلال كان مأساة على المجتمع العماني ولكنه بعد ذلك كان له دور في تحسين التعامل مع الغرب»، وأشار الرواس إلى أنه ومن خلال زيارته للمتاحف الأوروبية وقراءته للوثائق اكتشف أنه لا يمكن إغفال ما كتب عن عمان، وهذا جزء أساس في التعاملات العمانية الخارجية، وقال: «إن ما جعل عمان تتبع سياسة الحيادية في التعاملات الخارجية هو أن التصادم غالبا ما يؤدي إلى التنازل، وهذا ما كان ليبني عمان كما هي الآن».

التعامل الإنساني الأبوي

وتتبع الرواس في حديثه الأسر الخمس التي حكمت عمان، مقدما أبعادا تاريخية في الحكم السابق لهذا البلد، وقال إن هدوء جلالته وثقافته -التي انعكست على شعبه وخططه وحكمته- كان يؤثر بها على كل من يلتقي به، كما أن العلاقات والانفتاح هي التي أضافت المزيد إلى خبرته، كما لا يخفى ما لنظرته السلمية من دور كبير في سياسته الخارجية، مشيرا إلى أن السلطان الراحل لم يكن يتعامل مع شعبه ومواطنيه بردة الفعل بل بالفكر والعقل والتعامل الأبوي كما لا تجده في حاكم غيره، وكان مثال ذلك التعامل هو اللقاءات بينه وشعبه من خلال الجولات السامية، إضافة إلى لقائه بطلبة جامعة السلطان قابوس، والذي لا يمكن إغفال الحديث عن اهتمامه الكبير بهذه المؤسسة التعليمية التي كان حريص على أن تكون متقدمة.

وحول الاهتمامات الثقافية التي ركز عليها السلطان الراحل تحدث الدكتور أحمد درويش عن موسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب، حيث قال درويش: «لم يكن الانبهار بالفكرة وإنما بموسوعية حاكم عربي يفكر بكل تلك الأشياء»، حيث أنشأ جلالة السلطان الراحل فريقا قام بإحصاء جميع أسماء العرب وتحليلها وفحصها وبيان تدرجاتها، وصدر المشروع في 7 أجزاء، وقال درويش: «انبهاري الأكبر كان من لقائي الشخصي بالسلطان الراحل، ولم أتصور أن يكون حاكم عربي بهذه البساطة، كان يصغي للمتحدث ويعطيه عينيه عندما يتحدث، وأذنيه عندما يفكر، وأيقنت من لقائي به أن هذه الشخصية لا يمكن أن تتكرر».

وفي الجانب التاريخي أشار الرواس إلى أن جلالته اهتم بالتاريخ بطريقة غير عادية، وكان مهتما بالمؤرخين، كما أنه -رحمه الله- كان يسعى لأن تكون الهوية واضحة حتى في اللباس ويعطي أوامره في هذا الشأن.