أفكار وآراء

مقامرة ترامب الأفغانية

23 فبراير 2020
23 فبراير 2020

ديفيد إجنيشس- واشنطن بوست - ترجمة قاسم مكي -

خطةُ سلام أفغانستان التي طرحت في ميونيخ نهاية هذا الأسبوع (تاريخ المقال 16 فبراير) مًقامَرةٌ في سنة إنتخابية.

إذا نجحت، يمكن للرئيس ترامب ادعاء فضلَ إنهاء أطول حرب أمريكية. لكن إذا أُعتُبِر أنه يتعجل الخروج (من أفغانستان) قد تشعل حربا أهلية متجددة هناك.

هذه المعضلة السياسية شبيهة بما واجهه المرشحون الرئاسيون في الولايات المتحدة مع الحروب غير المقبولة شعبيا وغير الحاسمة لكل العقود الماضية في كوريا وفيتنام والعراق. فالشعب الأمريكي يريد الخروج من الحرب لكن الخصوم تشجِّعهم وعود الحملات الإنتخابية بالانسحاب (على التشبث بمواقفهم) والحلفاء يشعرون بالخذلان. (أعلن الاتفاق الذي يشكل اختراقا بين الولايات المتحدة ومسلحي طالبان يوم الجمعة ومن المفترض التوقيع عليه في 29 الجاري).

سيبدأ الاتفاق «بخفض العنف» لمدة سبعة أيام. وإذا نجح في ذلك سيدشِّن تقليصا للقوات الأمريكية خلال 135 يوما من حوالى 13000 جندي حاليا إلى 8600 جندي.

لكن ماذا بعد ذلك؟ هل سيستمر ترامب في الدفع باتجاه إنهاء تام للوجود العسكري هناك أم سيختار الإبقاء على قوة مضادة للإرهاب قوامها حوالي 3000 إلى 5000 جندي لفترة طويلة الأمد، حسب توصية الجنرالات الأمريكيين؟

تقرير ذلك سيشكل اختبارا لتفضيلات ترامب السياسية في مقابل مسئولياته كقائد أعلى للقوات المسلحة الأمريكية.

ينبه السناتور الجمهوري من ولاية ساوث كارولاينا لينسي جراهام من أن «الرئيس يبالغ في القلق من مشكلة استمرار بقائنا هناك في نوفمبر القادم».

سبق لجراهام، وهو حليف مقرب لترامب، التحذير عدة مرات من خطر الانسحاب المتعجل. وقال في مقابلة بميونيخ أنه نصح ترامب بمغادرة الجنود الأمريكيين أفغانستان فقط إذا أوفت طالبان بالمطالب الأمريكية حول خفض وتيرة العنف. وهو يرى أنه في حال وصلت إلى طالبان رسالة فحواها أننا سنسحب كل قواتنا دون الوفاء بشروطنا ستعقب (الانسحاب) حربٌ أهلية خلال 6 أشهر أو أقل.

صدر تحذير مشابه من السناتور روبرت مينينديز، كبير الديموقراطيين بلجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ، حين قال «علينا أن نوضح بجلاء أننا لن نغادر بسرعة لأن تلك هي الطريقة الوحيدة للحصول على فرصة للسلام».

شكلت عملية صنع السلام في أفغانستان الحدث الجانبي الرئيسي في مؤتمر الأمن السنوي بميونيخ الذي انعقد في الفترة 14-16 فبراير الجاري.

شارك في المحادثات الدبلوماسية الرئيس الأفغاني أشرف غني ووزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيين مايك بومبيو ومارك إسبير على التوالي. ووضع إطارها زلماي خليل زاده الممثل الخاص للرئيس ترامب.

وكان خليل زادة الذي ظل يتفاوض حول الاتفاق الأفغاني خلال العامين الماضيين، وسيطا في اتفاق يعزز (على الورق) جهودا سابقة انهارت في العام الماضي بعد أن قتلت طالبان جنديا أمريكيا وأحد عشر آخرين. تشمل التحسينات في الاتفاق معايير مفصَّلة للتحقق من تقلص العنف خلال فترة خفض القوات (135 يوما) وموافقة طالبان على بدء مفاوضات أفغانية- أفغانية خلال 15 يوما من توقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة. يتوقع خليل زاده خفضا في العنف بنسبة 70% إلى 80% في مرحلة ال135 يوما. كما أخطر أعضاء مجلس الشيوخ أن انسحاب القوات سيتوقف إذا لم ينحسر العنف. هذا الشرط ، إذا نجح، سيكون أفضل ملمح في الاتفاق.

لمراقبة الخفض المستهدف في مستوى العنف، سَيُدير ممثلو الولايات المتحدة وطالبان مكتبا مشتركا في الدوحة لتقييم البيانات الواردة من ميدان الحرب وحل المشاكل التي تنشأ في الأثناء. يفترض خليل زاده أنه حتى في حال استكمال الأهداف لن تقبل طالبان وقفا تاما لإطلاق النار حتى نهاية العملية اعتقادا منها بأن العنف هو الرافعة الوحيدة للثوار في مواجهة أمريكا وحكومة كابول.

وستتولى الولايات المتحدة تقييم حوادث العنف لتحديد ما إذا كانت من أعمال مسلحي طالبان لتخريب ما تم التوصل إليه. ينطوي هذا الاتفاق على جرعة قوية من «التفكير الرغائبي». فعلى الرغم من انقضاء عقد من التدريب الأمريكي المكثف لا يزال من غير الممكن التعويل على الجيش الأفغاني كقوة لحفظ السلام على مستوى البلد.

وما لم توافق طالبان حقا على التعاون مع الحكومة الأفغانية قد يجلب الشروعُ في سحب القوات الأمريكية الفوضي إلى أفغانستان بانهيار الجيش والتفاف الطاجيك والجماعات الأخرى حول لوردات حرب محليين وإعلان طالبان عن خلافة أمرٍ واقع (فعلية) في المناطق التي تسيطر عليها. يقول السناتور كريس كُونز، وهو ديمقراطي من ولاية دَيلاوَير، «من المحتمل جدا أن تنتهي هذه العملية نهاية سيئة. فإذا كان هدفنا هو حقا انسحاب مُجْدٍ سياسيا سيكون لزاما على ترامب إدراك وجود التزام قوي من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالتمسك بالمسار الحالي وعدم ترك أفغانستان دون سلام حقيقي» الآن، ربما يوجد مفتاح بسط الاستقرار بأفغانستان في الجارة باكستان، كما هي الحال في عام 2001. لذلك على ترامب لتعزيز فرص الوصول إلى اتفاق سلام إيجاد مصلحة لإسلام أباد في نجاح الاتفاق بعرض اتفاقية تجارة حرة لرئيس الوزراء عمران خان مقابل دعم حقيقي يمكن التحقق منه لعملية صنع السلام.

هذه أفضل «وثيقة تأمين» يمكنه شراءها. تعلِّمنا أفغانستان درسا قاسيا وهو أن الأمل في السلام والاستقرار ليس استراتيجية وأن الرؤساء الأمريكيين يندمون على بذل وعود بنجاحٍ أفغاني ليس في مقدورهم الوفاء بها.