youseef
youseef
أعمدة

الموازنة العامة ورؤية عمان 2040

23 فبراير 2020
23 فبراير 2020

يوسف بن حمد البلوشي -

[email protected] -

إن إعلان الموازنة يعد بمثابة إعلان للسياسة المالية للسلطنة وتعتبر موازنة 2020 موازنة العبور لرؤية عمان 2040 التي ستنطلق في عام 2021م. نجاح الرؤية طويلة المدى، مرتبط بشكل مباشر بنجاح الميزانية السنوية التي يدرك الجميع أنها لا تعمل في معزل عن باقي السياسات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والصناعية وغيرها. ومن المهم التأكيد على ضرورة تحقيق تناغم بين هذه السياسات لتحقيق المبتغى للتنمية الاقتصادية في السلطنة.

ولتوضيح المفاهيم فإن الميزانية العامة تحمل في طياتها جملة السياسات والتشريعات والتدابير المتعلقة بتعزيز الدخل القومي وتمويل أنشطة الحكومة. وذلك من خلال إطار مالي يوضح التدابير المتعلقة بتوظيف الإنفاق الحكومي والضرائب لتوجيه الأنشطة الاقتصادية في السلطنة. وتعتبر هذه السياسة مهمة للغاية لإحداث التوازن الداخلي خاصة في الدول النفطية التي تعتمد على الإيرادات النفطية كمصدر أولى للإنفاق العام المحرك الأساسي لمختلف الأنشطة الاقتصادية. وتعرف الاستدامة المالية بأنها قدرة البلد المعني على الوفاء بالالتزامات المالية الحالية والمستقبلية الداخلية والخارجية، وتجنب الاستدامة المالية الدول اللجوء إلى سياسات مالية متشددة أو إجراءات صعبة خلال فترات حرجة للوفاء بالتزاماتها فيما يخص الميزانية العامة وتمويل العمليات الخارجية بما في ذلك خدمة الدين. والاستدامة المالية لها بعد محلي مرتبط بعجز الموازنة وبعد خارجي مرتبط بميزان الحساب الجاري الذي يقيس التدفقات النقدية بالعملات الأجنبية (ميزان السلع والخدمات)، والدول التي تعاني من عجز الموازنة وعجز الحساب الجاري توصف بأنها ذات «العجز المزدوج». ويبدأ الخلل في الموازنة عندما يتم التوسع في الإنفاق العام بحيث تصبح الإيرادات الحكومية لا تغطي النفقات، وهو ما يؤدي إلى عجز في الموازنة يستوجب السداد، وهذا يقتضي إجراءات محددة تتمثل في تخفيض الإنفاق العام، أو تحسين الإيرادات المحلية أو الاقتراض محلياً أو خارجياً. أما عجز الحساب الجاري فيحدث عندما تصبح عوائد الصادرات من السلع والخدمات أقل من قيمة الواردات مما ينجم عنه ضغوطات على رصيد الدولة من الاحتياطيات الأجنبية.

أما رؤية عمان 2040 فهي تحدد الوجهة في الأمد المتوسط والطويل لإحداث تغيرات ملموسة في المسارات التنموية للسلطنة، وتستوجب تغيرات في النموذج التنموي القائم بما يتناسب مع طبيعة المرحلة القادمة وجاهزية البنية الأساسية وتوفر الموارد والمقومات وبما يتماشى مع تطلعات أفراد المجتمع والمستجدات المحلية والإقليمية والعالمية. ولا يخفى أن عمان على أعتاب مرحلة جديدة لتغيير منهج التنمية، مستندة في ذلك على حصيلة التجربة التنموية الثرية التي تخللتها العديد من الإنجازات واكتنفتها العديد من التحديات، والاستفادة من الأحداث ودروس التاريخ التي مرت بها المنطقة والعالم، والجهود المبذلة لاستشراف المستقبل. وتأتي الرؤية ٢٠٤٠ التي تم إعدادها بنهج تشاركي وتوافق مجتمعي وتم صياغتها بكوادر وطنية وجابت مختلف محافظات السلطنة، لتوفر فرصة سانحة لشحذ الهمم وأرضية مناسبة لضبط بوصلة المسار التنموي في الاتجاه المرغوب وإدخال التعديلات الضرورية في النموذج التنموي الحالي القائم نسبيا على الحكومة والموارد النفطية والصبغة الاستهلاكية والاعتماد على القوى العاملة الوافدة والاستيراد لتلبية الطلب المحلي، إلى نموذج وآليات جديدة قوامها الإنتاج والإبداع وإرساء قواعدها على المؤسسات والإنسان العماني. وتحمل الرؤية في طياتها العديد من العناوين من أهمها تحقيق الاستدامة المالية والتعاون الدولي وجذب الاستثمار وتوسيع القاعدة الإنتاجية والتصدير وريادة الأعمال. إلا أن نجاح الرؤية عمان 2040 مرتبط بشكل مباشر بتطبيق توجهاتها الاستراتيجية والتي من بينها تحقيق الاستدامة المالية.

وفي هذا الإطار تستهدف الرؤية تخفيض حجم الحكومة في الاقتصاد وبما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، حيث يقاس بحجم الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي والبالغ حاليا في حدود 45% لينخفض ليصل إلى 25% في عام 2040 وهذا يتطلب تخفيض تدريجي يبدأ من الآن. وكذلك زيادة مساهمة الإيرادات غير النفطية من أجمالي الناتج المحلي والتي تقدر حاليا بـ 9.5% لتصل إلى 18% في عام 2040. وأن لا تتجاوز نسبة إجمالي الدين العام البالغة حاليا حدود 50% من الناتج المحلي الإجمالي نسبة 60% في عام 2040. ولتحقيق تلك المؤشرات تستهدف الرؤية تحقيق التوازن والاستدامة المالية من خلال الإدارة الذكية لبنود الموازنة تضمن المزيد من ترشيد الإنفاق وتطبيق مبادرات لزيادة الإيرادات غير النفطية بما يعزز من ثقة المستثمرين ويحسن من التصنيف الائتماني ويعمل على توازن ميزان المدفوعات وتنمية الاستثمار والإنتاج والتصدير، مثل زيادة إنفاق القطاعين العام والخاص على البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وتعزيز ورفع كفاءة التحصيل الضريبي، ووضع الأساس لفرض ضرائب ودراسة أثر ضرائب الدخل والإنتاج والقيمة المضافة على الشركات والمجتمع. ولتحقيق ذلك يتعين على الحكومة توضيح أنواع وأبعاد التحديات المالية والاقتصادية الماثلة والمتوقعة بشكل علمي أكثر شفافية، والإدراك بأن إعادة توزيع الأدوار لا يمثل انسحابًا أو تنصلًا من الحكومة من أداء واجباتها، وإنما توضيح بأن إعادة توزيع الأدوار تعتبر ضرورية لضمان استقرار المجتمع في الوضع الحالي والمستقبلي. ويجب أن يترافق ذلك مع إعادة صياغة بعض المفاهيم والأدوار مثل الاستدامة المالية وتغيير دور الموازنة العامة من إلى أداة لتعزيز القيم الإنتاجية.

ولا شك أن السلطنة مهيأة لتحقيق رؤية عمان 2040 والانتقال بسلاسة والاستفادة من الفرص التي تتيحها المتغيرات الإقليمية والدولية وذلك بالنظر إلى جاهزية الإنسان العماني هوية وتعليما وكفاءة وإدراكا لضرورة التغيير، والاستثمارات المتحققة في البنية الأساسية واللوجستية والموقع الجغرافي والموارد الطبيعية المتاحة التي يمكن تعظيم الاستفادة منها والإطار التشريعي في السلطنة وأسس الحوكمة التي يتم تطويرها.

إن الاقتصاد العماني يقف على مفترق طرق مهم، وبظروف استثنائية تحمل تحديات كبيرة وكذلك الكثير من بذور النجاح والتي تستلزم وجود حزمة من السياسات والتدخلات المدروسة. إننا ننظر بإيجابية مطلقة لرؤية جديدة تبعث الأمل وتستنهض طاقات الشباب وترفع المعنويات وتعتمد على أفكار ونماذج جديدة للتنمية أكثر جرأة وواقعية وبعيدة عن التقليد غير المتبصر.