1441760
1441760
المنوعات

من الدورات الأولى وحتى الأخيرة وشغف زيارة معرض مسقط الدولي للكتاب

21 فبراير 2020
21 فبراير 2020

نبش في الذاكرة وحكاية اللهفة -

كتبت - بشاير حبراس -

عن دور النشر والمكتبات وإن كان بعضها قديما، لأن بيتنا كان مملوءا بالطبعات الحجرية كطبعات القاهرة وطبعات زنجبار وغيرها التي لم يعد بعضها موجودا، وبالنسبة لي كان المشهد مثيرا أن أشاهد «دكاكين كتب». لم نكن نعرف مصطلح جناح ومنصة، فكانت «دكاكين» بمفهومنا البسيط. كنا نسمع عن معارض الكتب في الدول الأخرى، لكننا لم نرها في حياتنا، وكان ذلك مثيرا فعلا».

وتابع بابتسامة هادئة: «أذكر أننا مذ أن خرجنا من المدرسة ونحن باتجاه المعرض، كنا متلهفين لدخوله. والأساتذة الذين رافقونا كانوا من خيرة المعلمين. كان من ضمنهم الأستاذ الفلسطيني المثقف محمد سعيد الشتيوي، والأستاذ المغربي محمد البصري الذي كان مهتما باللغة وبالأدب العماني خصوصا. كانوا يوصوننا بأخذ كتب بعينها. لم نكن نرتاد مسقط كثيرا ذلك الوقت فكنا نأخذ جولة كاملة في معرض الكتاب خلال نهار واحد إضافة إلى أن المعرض كان صغيرا جدا وكنا طلابا صغارا، ونخرج منه ونحن محملين بالكتب على الرغم من أننا نبتاع على قدر ما في الجيب، ولكنه كان أمرا رائعا أن نعود لبيوتنا مع الكتب التي ستصبح جزءا من مكتبة البيت».

وواصل وهو يسترجع عناوين كثيرة: «الكثير من الكتب ذاع صيتها وانتشرت في تلك الفترة منها الروايات. وأذكر أن من الروايات التي كنا نبحث عنها روايات نجيب الكيلاني، وكذا كتب سيد قطب ومحمد قطب، وما زلت أحتفظ بالكتب التي أخذتها في تلك الدورة إلى اليوم. وكان من الكتب التي سمعنا لأبي الحسن الندوي «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين»، وهو أحد الكتب التي اقتنيتها وبقي عالقا في ذهني. في ذلك الوقت كانت اهتماماتنا مختلفة عما هي عليه الآن بالطبع، كنا لا نزال نتحسس وجهاتنا واهتماماتنا في محيط القرية والمدرسة. وفي الدورة الثانية كان الأستاذ محمد البصري يوجهنا إلى كتاب «العمدة» لابن رشيق، وكتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري، والعقد الفريد لابن عبد ربه، درسنا كل هؤلاء في منهج تاريخ الأدب العربي لطلبة القسم الأدبي مع أننا كنا نملك بعض هذه الكتب في البيت. وبدا أنه تذكر موقفا ما فضحك وقال: «أذكر أنني قلت للأستاذ إننا نملك كتاب «مفتاح العلوم» للسكاكي في البيت، فاندهش وقال: «مستحيل مش معقول» وفي اليوم الثاني أخذت الكتاب معي للمدرسة وأريته إياه».

وعندما بدأ العيسري يوغل أكثر في الذاكرة كان أن حدثنا عن الدورة الثالثة التي أتت بعد توقف قارب الثلاث سنوات: «كنا طلابا في الجامعة في سنتنا الثانية عندما كانت الدورة الثالثة في 1996 وزرنا المعرض في الصباح. وكان الافتتاح برعاية السيد فيصل بن علي، ودخلنا خلفه. كان حفل الافتتاح عامّا، ويحضره من يرغب بذلك، وأذكر أن الشيخ ناصر الزيدي كان واقفا على البوابة، ولا يزال الزيدي حتى اليوم محافظا على نفس التقاليد. تجده في افتتاح المعرض عند الباب. وعندما يفتح الباب للجمهور كان هو أول من يدخل، وهذا عهدي به حتى قبل سنتين رأيت المشهد نفسه. في هذه الدورة سمح لنا بالدخول خلف السيد فيصل والمدعوين. أخذ السيد جولة في المعرض، وكان يقتني الكتب، ويجر شخصان خلفه عربة كبيرة حجمها كحجم طاولة كبيرة، وكانت تخرج ممتلئة، وكان السيد فيصل يتجول ونحن نسترق النظر حتى نشاهد، وأذكر أنه دخل منصة المكتبة الإسلامية البحرينية وسأل تحديدا عن بعض العناوين».

وقال عن الدورة الرابعة إنها لم تختلف كثيرا عن الأولى والثانية والثالثة إلا بتوسع المعرض بعض الشيء، وأضاف: «وقتها أيضا تغيرت اهتماماتنا، كنا قد التحقنا بالجامعة وتعرفنا على زملاء من مناطق أخرى وبدأت الاهتمامات تتغير وتتطور، حتى كانت هناك بدايات لكتب تطوير الذات مع أنها كانت نادرة وقليلة. وكذلك ظهر الاهتمام في ذلك الوقت عند كثير من طلبة الجامعة بكتب مصطفى محمود وكتب مصطفى صادق الرافعي وكتب المنفلوطي، ومع أن هذه الكتب قديمة لكن الاهتمامات تتجدد نتيجة الاحتكاك بطلبة من كليات أخرى ولهم اهتمامات أخرى. وفي السنة التالية وهي الدورة الخامسة أذكر أن أحد الطلبة -وهو الدكتور سالم البوسعيدي- أذكر أننا دخلنا المعرض وخرجنا وفي يده كتاب واحد فقط، لكن أي كتاب؟ كتاب الأغاني لأبي الفرج، فضحك وهو يكمل: «وخرج من المعرض وقرأه في أسبوعين، معتكفا عليه في الجامعة حتى أنه بقي هناك خلال العطلة الأسبوعية. كان كثير من الكتب التي اقتنيناها هذه الفترة أدبية، وفي المرحلة ما بعد ذلك جاء الاهتمام بالتاريخ والكتب التاريخية، لكنني أعتز بالبدايات لأسباب كثيرة جدا، فهي النبراس الذي استضأنا به حتى وصلنا بعد ذلك لآفاق أخرى، ولكن البدايات هي تأسيس حتى ولو كانت الظروف المحيطة بها تصحب توجه فكري معين، لكن أقلها عرفنا الكتب وثقافة اقتنائها.

ووصل بالحديث إلى الدورات الأخيرة للمعرض والتي قال عنها العيسري: «الدورات الأخيرة للمعرض تذكرنا بالدورات الأولى للمعرض، ونجد أننا نحن لتلك الدورات أكثر، حتى أننا شهدنا إنشاء قاعة العوتبي لأول مرة، وكانت فكرة إنشاء القاعة في حد ذاتها فكرة جميلة، وهي من إبداع وابتكار اللجنة المشتركة بين وزارتي التراث والإعلام وجهات أخرى، وتلك التطورات التي مر فيها معرض الكتاب فيما بعد كانت ظروف المرحلة تقتضي أن تكون هناك قاعات أخرى إضافية ليس لتوسعة رقعة العرض وحسب، وإنما لأن المعرض أصبح له اختصاصاتواهتمامات، فكان من الضرورة أن تكون المؤسسات الرسمية على حدة، وقاعة الأطفال على حدة، وقاعة الفعاليات. وعندما أنشئت قاعة العوتبي كانت فيها منصة وزارة التراث على اليمين مباشرة، والقاعة كانت على يمين قاعة الفراهيدي فكان أول ما يقابلك عند دخول قاعة العوتبي هي كتب وزارة التراث، وكانت كتب العوتبي في طليعة الكتب المعروضة ككتاب الأنساب وكتاب الضياء وكتاب الإبانة. أما المركز القديم فقد كان بسيطا في كل شيء حتى الباعة الذين يبيعون الحلويات والفشار كانوا موجودين، وكان الناس يفترشون الأرض يأكلون ويقرأون».