أفكار وآراء

2020 العالم بعيون الإيكونوميست

21 فبراير 2020
21 فبراير 2020

إميل أمين - كاتب مصري -

سريعا ينقضي العام تلو العام ونجد انفسنا أمام قراءة جديد لعالم جديد، مع العدد السنوي المتميز جدا الذي تصدره الايكونوميست الشهيرة، وفيه توقعات وقراءات للعام الجديد، وقد درجنا سنويا على التوقف معه، ومحاولة تبصر المشهد الأممي والى أين يمضي. يضيق المسطح المتاح للكتابة عن تناول كافة القضايا التي طرحها عدد هذا العام، ولهذا سنحاول التركيز على اهم الأحداث السياسية فيه.

البداية من عند الهاجس النووي الذي بات يقض مضاجع العالم شرقا وغربا، فقد بدأت معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في الانهيار رغم صمودها لنصف قرن من الزمان، هذا الطرح جاء تحت عنوان «لحظة حرجة»، وقام بكتابته « شاشانك جوشي»، محرر الدفاع في المجلة الشهيرة، وعنده انه سيوافق الخامس من مارس عام 2020 الذكرى الخمسين لبدء نفاذ معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، والذكرى الخامسة والعشرين لتمديدها إلى اجل غير مسمى.

ويمكن لمؤيديها الاحتفال بان 13 دولة فقط تملك أسلحة نووية وقد تخلت أربعة دول منهم عن هذه الأسلحة وهم جنوب أفريقيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وأوكرانيا، ولكن ستكون هذه الاحتفالات قصيرة حيث انه من يوم 29 أبريل حتى 10 مارس سيجتمع الدبلوماسيون في نيويورك لعقد مؤتمر الاستعراض لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية الذي يعقد مرة كل خمس سنوات، ولم تجد الاجتماعات السابقة حيث قامت الدول وأصحاب الأسلحة النووية بالتصويت ضد من لا يملكون الأسلحة مما جعل التوصل إلى بيان توافقي أمرا مستحيلا في عامي 2005 و 2015، ومن المقرر أن يكون الاجتماع في عام 2020 كارثي.

من جهته يحدثنا «جديون راتشمان» كبير مراسلي الشؤون الخارجية في الفاينانشيال تايمز عما يسميه « طفرة من الحركات الانفصالية على الطريق»، حيث ستتصدر الحركات الانفصالية العناوين الإخبارية في عام 2020 بداية من كتالونيا إلى كشمير ومن هونج كونج وصولا إلى اسكتلندا، واقل ما قد يحدث نتيجة لهذه الاضطرابات اضطرابات في السياسة، وفي أسوأ الحالات قد تفضي إلى العنف.

في العالم الآن حركتان ناشئتان للدفاع عن الهوية في تصادم متزايد ويتغذى كل منهما على الآخر، فهناك من جهة جماعات انفصالية تسعى إلى الانفصال عن دولتهم وتأسيس دولة جديدة، وهناك من جهة أخرى القوميون الغاضبون المتمسكون بهوية دولتهم السائدة حاليا والعازمون على تحطيم نزعة الانفصالية.

ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في أسبانيا حيث الأسبانيين والكتالونيين القوميين الذين يؤججون نار الخصومة بينهم تجدهم حاليا في إطار علاقة تعايشية سامة.

إضافة إلى ذلك ستشهد السنة القادمة عودة ظهور القومية الإسكتلندية ردا على البريكست الذي وصفه الحزب القومي الإسكتلندي بانه مشروع قومي انجليزي فرض على الإسكتلنديين رغما عنهم.

هذه الانشقاقات ستشكل مشكلة عويصة أمام اكبر دولتين من حيث عدد السكان، ألا وهما الصين والهند، ففي الحالتين، السياسات المتشددة التي تصدرها الحكومة المركزية تهدد بنتائج عكسية، كما تتسبب في نشأة النزعة الانفصالية ذاتها التي تهدف إلى قمعها.

قضيتان مهمتان شغلتا العالم في السنوات الأخيرة، الهجرة والمهاجرين لا سيما في ظل حالة الاضطرابات السياسية التي سادت العالم والشرق الأوسط تحديدا، والتغير المناخي وتعديلاته وتبدلاته والى أين يمضي.

عند «نعومي كوهين» مساعد المحرر لنسخة الايكونوميسست لهذا العام، فان المهاجرين سينتهى بهم الأمر في أماكن اكثر فقرا في 2020، ويضيف انه في عام 2015 شهدت أوروبا اكبر عدد من المهاجرين غير الشرعيين الهاربين من العنف والفقر، والآن وبعد خمسة أعوام هذه الصورة ستختلف، نعم فمن المستحيل توقع عدد المهاجرين في عام 2020، ولكن من السهل توقع إلى أين سينتهي بهم الأمر.

الدول الفقيرة ستقبل المال والناس أيضا من اجل بقاء البشر بها، ولكن الشعور بعدم الارتياح سيظل في ازدياد لان الناس تجاهد ضد الثورات نفسها التي زعزعت استقرار الدول الغنية، وبالتالي سيتحول الشعور بالسخط إلى المهاجرين بدلا من الوظائف والتغير الاجتماعي، وسيتحدث السياسيون في بعض الدول عن رميهم خارج البلاد.

ماذا عن المناخ وإشكاليته التي هي اكثر هولا ورعبا من الحرب العالمية حال وقوعها؟

تجيبنا «كاترين براهيك»، محرر البيئة في الايكونوميست بان الأمر «وعود واهية»، وتقصد بذلك توجهات الذين وقعوا على اتفاق باريس بنية تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، فقد اعلن لوران فابيوس في صباح 12 ديسمبر عام 2015 «انه بداية صغيرة لكنني اعتقد أنها يمكن أن تحقق أشياء عظيمة»، كان الرجل يقصد الاتفاق المشار إليه، لكن من نواح أخرى كان إلى حد ما خيبة أمل، بالرغم من أن نص الاتفاق تضمن تعهدا جماعيا بتقليل درجة الاحتباس الحراري وإبقائها دون درجة ونصف مئوية إلى درجتين مئويتين فوق درجات الحرارة قبل الثورة الصناعية، إلا أن هذه الآمال لم يقابلها وعود بعض الدول بخفضهم للانبعاثات الحرارية، وقد تعهد العالم بأجمعه على التصدي لتغير المناخ ولكن عمليا لم تكن أي من هذه الحكومات مستعدة للقيام بما يلزم لجعل هذه الوعود حقيقة.

قبل نحو عام كثرت توقعات المحللين الاقتصاديين تجاه عام 2020 وهل سيضحى عام الكارثة الاقتصادية المتوقعة أم سيقدر للعالم الفكاك من هذا المتوقع.

في كل الأحوال يبقى حديث المناخ مرتبطا بحديث النمو الاقتصادي، والأخير وثيق ولصيق الصلة بإشكالية الأوضاع الاقتصادية القائمة والقادمة.

يتساءل «سيمون كوكس» محرر الأسواق الناشئة في الايكونوميست: هل ما تزال أهداف التنمية المستدامة هدفا إذا لم يتم تحقيقها؟

قبل خمس سنوات وعد قادة العالم بوقف كل ما قد يقلل من خسارة تلك الأرواح بحلول عام 2030 إن امكن، وكان ذلك مطمحا من إجمالي 169 تم تجميعهم في 17 فئة عريضة معروفة تأتي تحت ما يعرف بأهداف التنمية المستدامة، وكان من ضمن هذه الأهداف الأخرى مكافحة عدم المساواة والتلوث والعنف وشح المانحين، وسيجتمع الوزراء في نيويورك لمراجعة التقدم المحرز في يوليو 2020.

غير انه من الواضح فعلا انه سيتم تحقيق عدد قليل من الأهداف، إن وجدت، على المستوى العالمي، وذلك لا ينبغي أن يفاجئ احد لأنه تم اختيار أهداف التنمية المستدامة مع الأخذ في الاعتبار الرغبة في تحقيقها وليس لسهولة تحقيقها، ومن الأفضل أن ينظر إليها إلى أنها مجموعة من صيحات احتجاج وليست خطة معركة مدروسة بعناية.

مسألة الاقتصاد العالمي وتباطؤ النمو تكاد تكون مرتبطة في أذهان الكثيرين حول العالم بما يجري في الداخل الأمريكي 2020 حيث سيكون عام الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم.

تتناول «زاني مينتون بيدوس»، رئيسة تحرير نسخة الايكونوميست السنوية هذه الإشكالية تحت عنوان «سياسات محمومة واقتصاد غير مستقر»، وترى أن الانتخابات الرئاسية في أمريكا والتباطؤ العالمي سيكونان حديث عام 2020.

ليس سرا أن الرئيس ترامب لا يزال يسكن البيت الأبيض بعقلية رجل الأعمال، بأكثر منه المنظر السياسي القادر على طرح رؤى عولمية مغايرة لما هو حادث على وجه الأرض، وإنما جل همه أن تضحى بلاده رقم واحد اقتصاديا وبالتالي عسكريا، أي انه يود لو استطاع إلى ذلك سبيلا بسط الامتداد الامبراطوري الأمريكي على بقية قارات الأرض، ومن هنا يأتي الحديث عن التعريفات الجمركية والعقوبات الاقتصادية والقرارات الفوقية التي يوقعها ترامب تجاه الصين وأوروبا وغيرها من دول العالم.

السؤال الآن هل يمكن أن يقوم العالم بدوره لا سيما الصين بإجراءات مقابلة ضد أمريكا؟

المؤكد أن تذبذب اقتصاد اكبر دولة اقتصادية في العالم سيزيد الأمر سوءا في مناطق أخرى، وسيتباطأ الاقتصاد الصيني من جراء ذلك أيضا اكثر، وان كان تدريجيا، حيث تجتهد الحكومة لتوفير ما يكفي من الحوافز لتظل أهداف النمو نصب أعينهم، ولكن على الحكومة أثناء القيام بذلك أن توازن بين رغبتها في تعويض خسارتها في التجارة وخوفها من حدوث ارتفاع مفاجئ في الفائض من الأرصدة.

وفي نفس الوقت سيكون عاما عصيبا على أوروبا على وجه الخصوص بسبب اعتمادها على الطلب الأجنبي خاصة من الصين، وستقترب ألمانيا مع بداية العام الجديد من الركود الاقتصادي.

هنا فان دوامة السياسة ستزيد الطين بلة، وكالعادة سيبحث السيد ترامب عن كبش فداء، وسيكثف هجماته على البنك الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه «جيروم باول»، وسيشوه سمعة أي شركة تفصل عمالها وسيطالب بتخفيضات ضريبية اكثر، ثم سيدين الكونجرس الذي فشل في فرضها.

ويبقى السؤال المهم الذي سيحدد الكثير من ملامح ومعالم العام الجديد: هل سيتوصل الرئيس ترامب إلى اتفاق نهائي مع الصين يرفع عن العالم مخاوف اضطرابات اقتصادية يمكن أن تلحق أذى بالقاصي والداني من أقصى الأرض إلى أدناها ومن الشمال إلى الجنوب؟

من بين القضايا التي تتوقف معها الايكونوميست بقوة تأتي مسألة الطاقة الخضراء أو الطاقة النظيفة، وغير خاف على القارئ انه عاما تلو الآخر يزداد الحديث عن موضوع بدائل الطاقة، ولهذا يتناول «هايدن وود» المدير التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة « بلب» أن ثورة الطاقة المتجددة باتت قاب قوسين أو أدنى.

هذا الحديث يهمنا في الشرق الأوسط بنوع خاص، لا سيما في منطقة الخليج العربي التي عاشت عقودا طويلة على الريع النفطي، وان كانت غالبيتها -إن لم تكن كلها- قد سعت الآن للسير في طريق مغاير، أي البحث في بدائل مداخيل رأسمالية بجوار ريع النفط إلى أن يتم استبداله.

يقول «هايدن وود» يضمن الجيل الجديد من مقدمي خدمات الطاقة أن الأشخاص لا يتعين عليهم القيام بتنازلات من اجل اتخاذ خيار مستدام، حيث تتيح الشفافية المزايدة التي توفرها التكنولوجيا والمقاييس الذكية وتطبيقات الطاقة للمستهلكين أن يروا بالضبط كيف سيؤثر سلوكهم بشكل مباشر على كل من تكاليف الطاقة وانبعاثات الكربون، لاسيما وانه قد بدأت أخيرا عقود طويلة من الدعوة والإقناع لاستخدام الطاقة الخضراء تؤتي ثمارها.

سيكون العام 2020 هو عام الاحتفال الماسي بتأسيس الأمم المتحدة، وعليه يتساءل العالم هل حان وقت تخليق مؤسسة أممية جديدة تواكب العصر؟

إنه عام مثير ملئ بالمفاجآت في غالب الأمر.