الاقتصادية

تراجع أسعار النفط.. هل سيعيق التقدم في الدول العربية ؟

21 فبراير 2020
21 فبراير 2020

القاهرة (د ب أ) - حذر تقرير حديث أصدره صندوق النقد الدولي من أن تراجع الطلب على النفط قد يؤدي بحلول عام 2034 إلى تآكل الثروة التي أصبحت لدى الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، والتي تقدر بنحو تريليوني دولار. وإذا لم تتحرك هذه الدول- التي توفر حوالي 20 في المائة من الإنتاج العالمي من النفط الخام- سريعا لإصلاح اقتصاداتها القائمة على الطاقة الهيدروكربونية (النفط والغاز)، فسوف تصبح من الدول المدينة.

وبالطبع، أثار التقرير تكهنات بأن تبخُّر الثروة النفطية العربية من شأنه أن يؤدي إلى عواقب غير محمودة بالنسبة للتنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي في هذه المنطقة، التي تعاني بالفعل من الاضطرابات.

أما خارج مجلس التعاون الخليجي، فإن تراجع أسعار النفط سيعيق التقدم في دول عربية غنية بالخام وذات كثافة سكانية، ولكنها لا تزال نامية، مثل العراق والجزائر، وهي دول سيتعين عليها إعادة ترتيب اقتصاداتها ومجتمعاتها لتتحول إلى قطاعات منتجة، بدون رفاهية الثروة النفطية التي حصلت عليها خلال سنوات الازدهار، وذلك بحسب تحليل للدكتور عمرو عدلي، الأستاذ المساعد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أوردته وكالة أنباء «بلومبرج» الأمريكية.

وقد لا يمثل تراجع أسعار النفط وتضاؤل الاحتياطات النقدية من ورائه أنباء سيئة للاقتصاد السياسي في المنطقة العربية كلها.

وبادئ ذي بدء، يقول عدلي، لا تعيش الأكثرية الساحقة من الشعوب العربية في دول غنية بالنفط. والدول العربية الأكثر كثافة سكانية، هي دول فقيرة نفطيا، والعديد منها مستورد للطاقة، ويمتلك هياكل اقتصادية وقطاعات خارجية متنوعة.

وتضم هذه الدول مصر، والمغرب، وتونس، والأردن، ولبنان، وسوريا التي مزقتها الحرب. وبالنسبة لهذه الدول، فإن انخفاض أسعار النفط، سيؤدي إلى خفض تكاليف الإنتاج، وتحسين أوضاع الميزان التجاري لها.

وأوضح التحليل أن انخفاض الثروة النفطية سيعزز الحافز لمزيد من السعي لأجل تحقيق التنوع الاقتصادي، في دول مثل مصر، والأردن، ولبنان، وهي دول استفادت من إيرادات النفط لدول مجلس التعاون الخليجي بطريقة غير مباشرة، وذلك عبر التحويلات النقدية لعمال الدول الثلاث في الخليج، وكذلك من خلال المساعدات والقروض التي قدمتها هذه الدول الغنية النفطية.

وسيؤدي تراجع أسعار النفط بالفعل إلى تعزيز الآفاق من أجل إعادة تحديد وضع الدول العربية ذات الكثافة السكانية المرتفعة في التقسيم الدولي للعمال على المدى الطويل.

وتمتلك مصر، والمغرب، وتونس، والأردن بالفعل هياكل تصديرية متنوعة، وتشكل السلع غير النفطية، الجزء الأكبر من صادراتها. كما أقامت هذه الدول علاقات تجارية واستثمارية وسياحية متينة مع شركاء أقوياء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وبالنسبة للمغرب وتونس، فإن تراجع أسعار النفط سيعزز من وضع الدولتين في مجال استيراد الطاقة، وأيضا كمُصدرين للسلع المصنعة.

وعلى النقيض من ذلك، فإن التوقعات بالنسبة لمصر أكثر قسوة على نحو ملموس، في ظل علاقات البلاد القوية مع دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن نصيب العائدات المرتبطة بالنفط في إجمالي الناتج المحلي لمصر، متضمنا عائدات المصريين العاملين بالخارج، والمساعدات الأجنبية (التي تأتي بصفة رئيسية من دول المجلس الخليجي)، تشهد تراجعا على نحو متواصل منذ تسعينيات القرن الماضي.

ويتعين عدم إلقاء اللوم على الثروة النفطية بالنسبة لكل الصراعات التي يشهدها العالم العربي، ومع ذلك فإن هذه الثروة لعبت دورا محوريا في تعميق الأعمال العدوانية، وإطالة أمدها. وارتبطت الثروة القادمة من مصادر الطاقة الهيدروكربونية منذ صدمة النفط في عام 1973 بزيادة الصراعات، في منطقة الخليج، وتداعيات ذلك على بقية العالم العربي. و تعد حروب الخليج الثلاث، والتوترات الحالية بين إيران وبين تحالف يضم الولايات المتحدة وعدة دول عربية، شاهدا على ذلك.

وبعيدا عن منطقة الخليج، جرى توظيف عائدات النفط لإذكاء سباقات التسلح والصراعات المدنية عبر دعم ميليشيات محلية على أسس عرقية طائفية. ومن ثم، فإن تراجع أسعار النفط على المدى الطويل، قد يضعف قاعدة الموارد المالية التي تستخدم لتأجيج الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بشكل مباشر أو عبر وكلاء.

ويرى عدلي أنه قد لا يكون من قبيل المصادفة أن تونس كانت صاحبة قصة النجاح الوحيدة للانتقال الديمقراطي في أعقاب الربيع العربي، وهي دولة ليست فقط فقيرة في النفط بل صغيرة لدرجة أنها لم تجذب انتباه الدول الغنية بالنفط.

ومن شأن تراجع فرص الحصول على الأموال بسهولة كبح جماح الصراعات الجارية، أو على الأقل خفض حدتها.

يشار إلى أن نهاية الحرب بين العراق وإيران خلال ثمانينيات القرن الماضي، قد عجلت بها وفرة الإمدادات النفطية التي شهدها العالم في عام 1986 وما نجم عن ذلك من تراجع عائدات النفط بالنسبة للطرفين المتحاربين، والأطراف الراعية لكل منهما في المنطقة. ويرى عدلي أستاذ الاقتصاد السياسي أن الصراعات المدنية أكثر تعقيدا من نظيرتها الدولية، ومن المرجح أن يطول أمدها حتى في ظل تراجع عائدات النفط، كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن، منذ عام 2014

ورغم ذلك، فإن تراجع موارد التمويل قد يعجل بوضع نهاية لهذه الصراعات، أو على الأقل، الحد من نطاقها وضراوتها.

واختتم عدلي تحليله لواقع ومستقبل النفط والسياسة في المنطقة، بالقول إنه بالنسبة لمعظم العالم العربي، وخاصة في الدول التي شكلت فيها عائدات البترول لعنة لفترة طويلة، ربما يكون تراجع الثروة النفطية التي وصفها تقرير صندوق النفط الدولي «ضارة نافعة».