Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ :متى ندرك الأشياء

21 فبراير 2020
21 فبراير 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يندر؛ وبصورة مطلقة؛ أن تعلن عن وظائف في مجالات مختلفة من مجالات الحياة، ولا يذكر من ضمن شروط الوظيفة الحصول على خبرة ما، في ذات المجال، طبعا هذا الشرط يكون في أغلب الأحيان عائقا لأناس كثيرين، وربما يوقف الآمال والطموحات للحصول على وظيفة ما، بسبب هذا الشرط، وهو شرط جوهري إلى حد كبير، ومن يرفضه في حينه، أو يراه عائقا، فإنه بعد سنين من التجربة، سيقتنع أنه ضروري، وضروري جدا، فليس هناك من يولد عالما منذ لحظته الأولى، فالعلوم المكتسبة لأي مجال من مجالات العلوم؛ على سبيل المثال؛ تحتاج إلى عمر زمني طويل، حتى تترسخ الفكرة العامة لذات المجال، ومن ثم يبدأ الدخول التدريجي لحقيقة الشيء موضع الدراسة، وتقاس بقية الأشياء بذات التصور.

ولذلك تجد أن الموظف الجديد، وحتى ولو كان يحمل أعلى المستويات العلمية فإنه لن يكون بارعا منذ لحظته الأولى، حيث يحتاج إلى عمر وظيفي ممتد حتى يبدأ خطواته الأولى نحو الفهم العميق للمجال الذي يعمل فيه، ومن ثم يبدأ في العطاء، ومع تراكم الخبرة، يمكن أن يضيف، وأن يحذف ليصل مع تقادم الخبرة والتجربة إلى صياغات جديدة، يمكن أن تثري الجانب الذي يعمل فيه، لأن كل المجالات تشهد تحولات فنية مستمرة، وكلما تم قطع مسافة من الإنجاز في ذات المجال، حلت أفكار أخرى أكثر تقدما، وتحتاج إلى معرفة متجددة تتوافق ومستوى التطور الحاصل في ذات المجال، ولذلك تحل الخبرة كأحد المراحل المهمة في تصويب المسارات، وهذه الخبرة لن تأتي هكذا ساقطة من السماء، حيث تحتاج إلى تجارب كثيرة؛ تتضمنها حالات من الخطأ والصواب، وهذه الحالات تحتاج إلى أزمان مقتطعة من العمر، ومن المشاعر، ومن الصحة، ومن قطع فصول كثيرة من المعرفة.

يقول الروائي المعروف نجيب محفوظ: «الحياة لا تعطي دروسا مجانية لأحد، فحين أقول الحياة علمتني، تأكد أنني دفعت الثمن» - انتهى النص - والثمن هنا ما تم ذكره أعلاه، ولذلك نحن فعلا نحتاج إلى عمر منجز نضحي به على امتداد حيواتنا الممتدة حتى تستقيم بعض الجزئيات من هذه الحياة التي تعنينا، وهنا لا تنحصر الفكرة؛ فقط؛ على مجالات الوظيفة، وإنما في كل شؤون حيواتنا اليومية، بدءا منذ التفكير في إنشاء حياة خاصة خارج الأسرة الممتدة؛ والمكونة من الآباء والأمهات والأخوة والأخوات، ففي حضن هذه الأسرة الممتدة لن ندرك كثيرا من الأشياء، ولن نفكر فيها أصلا؛ حتى نصطدم بالواقع الذي يعري كل البستنا المقنعة لمختلف ممارساتنا الصائبة منها والخاطئة، حيث ندرك مجمل الصواب والخطأ بعد أن نواجه الحياة الحقيقية التي نعيشها بطريقتنا الفردية الخالصة.

من الأقوال التي قرأتها، واستصوبها كأمثلة في هذا السياق؛ قول القائل: «احذر قبل إقراضك المال لصديق، فقد تخسر كليهما» وكذلك قول القائل: «لا تثق بذاكرتك، اكتب كل شيء على الورق» والقولان واضحان، ولا يحتاجان إلى كثير من الشرح، وأغلبنا إن لم يكن جميعنا وقع في مطب أحدهما، وأدركنا ذلك بعد المرور بذات التجربة، أما قبل ذلك فتأخذنا الحمية، والنزق الطفولي أو الشبابي، أو الفزعة، ولكن بعد أن يخذلنا الصديق، كما في المثال الأول، وتخذلنا الذاكرة؛ كما في المثال الثاني؛ عندها ندرك وقع الخطأ الذي أوقعنا فيه أنفسنا بإرادتنا الحرة الكاملة، وهذه في مجملها إشكاليات حياتية قائمة في كل وقت، وفي كل مراحل أعمارنا الممتدة، ولا يختلف عليها اثنان.

تكمن المشكلة أكثر، في حالة تكرار نفس الخطأ في كل مرة، وكأن تجربة الحياة ليس لها دورا في قيادة تصرفاتنا نحو الصح، تجنبا للخطأ، وبالتالي فعندما يتكرر نفس الخطأ بذات الممارسات، هناك نحتاج إلى معالج نفسي حقا، حيث يبدو أن المشكلة مزمنة.