إشراقات

النظافة :معانٍ ودلالات

20 فبراير 2020
20 فبراير 2020

علي بن سعيد العلياني -

النظافة سلوك حضاري يمارسه الشخص المثقف الواعي بتلقائية ودون تردد من أجل حماية نفسه ومجتمعه من كل الأخطار الناجمة عن إهمال أو إغفال هذا المطلب الحيوي الهام. وتعني الحس المرهف والذوق العالي في فن التعامل مع البيئة التي نعيش فيها، بحيث يكون الهدف موحداً في القيام بتنقية الشوائب الظاهرة، وإزالة أسباب الآفات التي تنتجها المخلفات والنفايات مما يخلق بيئة صحية وجوا مشبعا بالنقاء والجمال والأناقة.

النظافة هي الركن الأهم في حياة الشعوب، إذا أرادت رفعة وتقدما وصحة وسعادة. فالنظافة مصدر مهم من مصادر القوة الناتجة عن التمتع بالصحة، كما أنها مصدر استقرار نفسي وبدني. وبالتالي التفرغ التام للعمل والإنتاج والعلم والتعلم بعد أن يكون الذهن صافياً غير مشوش جراء التفكير في مضاعفات الأمراض أو شدة الآلام والهموم.

النظافة وسيلة فعالة وناجحة لمعالجة كل ما ينتج من اختلالات بيئية أوجدها عدم التفاعل الفوري والسريع لإزالة كل الممارسات غير الصحية التي يخلقها الإهمال أو التراخي أو الاستهانة بما تنتجه المخلفات في البيئة. وذلك باستخدام أساليب وتقنيات وبذل جهود مالية وبدنية؛ لأجل أن يعيش الجميع في جو صحي مفعم بالأمل.

النظافة عنوان جميل جذاب، يقرأه بطريقة صحيحة كل شخص همه الوصول إلى نتائج إيجابية فعالة، تزيل كل ما من شأنه الإضرار بالإنسان أو الحيوان أو النبات أو أي من مكونات البيئة. في الحقيقة يجب أن يكون كل واحد منا حارساً أميناً على دوره في هذا الجانب، لكي تتكامل الجهود وتتظافر المساعي من أجل خلق بيئة صحية متكاملة، وتكوين دائرة مغلقة في وجه كل الآفات والعلل والأمراض والجراثيم والحشرات الضارة؛ لكي لا تتسلل إلى الماء الذي نشربه، أو الطعام الذي نأكله، ولا إلى الهواء الذي نتنفسه، ولا إلى المسكن الذي نأوي إليه، وهلم جرا. فالشارع والسوق والنادي والمتنزه وكل الأماكن العامة يجب أن تكون في منأى عن تراكم المخلفات أو تكدس الأوساخ.

النظافة هي من التنظيف أي الإزالة، وبالتالي فالإزالة هنا تعني التخلص من الضار ليحل محله النافع، الذي يساهم في سعادة الإنسان وتهيئة الظروف الملائمة، ليعيش حياة كريمة بعيدة عن كل المنغصات التي يخلقها التفاعل السلبي مع البيئة. من هنا لابد أن نسعى إلى تسجيل المواقف الإيجابية في هذا الجانب التي تعنى بتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، من خلال مراعاة جميع الجوانب عند التعامل مع البيئة المحيطة.

النظافة هي أن نعمل بجد وإخلاص وتفان؛ لأجل أن ينعم الجميع بالهواء النقي المشبع بالروائح الزكية، والماء العذب الزلال، والطعام النظيف اللذيذ، والمسكن الهادئ المريح الذي لا تتسلل إلى جوانبه وأركانه أي حشرات ضارة أو جراثيم فتاكة. وعلينا أن نتأكد تمام التأكد أن ما نبذله من جهد سيرجع ثماراً يانعة وصحة دائمة لا تقدر بثمن، يعيش المرء في فيافيها منعماً بعيداً عن كل الأوجاع والآلام.

النظافة جمال وبهاء وطلة مشرقة، وإطلال على ساحات ومرافق تبهج النفس بخلوها من كل الملوثات والأوساخ والمخلفات. وهي تعني الانتقال من التفكير والمعاناة من الآثار السلبية إلى مرحلة التفكير في الأشياء الجميلة النافعة، التي تحسس الشخص بنشوة الإنجاز وتقديم كل ما يثري الحياة في كل جوانبها.

النظافة انعكاس لنفوس لا تقبل بأنصاف الحلول، بل تريد أن تصل إلى أهدافها، من خلال إزالة جميع العثرات، وتجاوز كل العقبات مهما كلف من جهود وتضحيات، فالصحة لا تحتمل التهاون في أهم الجوانب التي ترتكز عليها، فهي ترتكز على النظافة بنسبة تتجاوز التسعين بالمائة.

هل تساوم صحتك؟ أو تفكر أن تتهاون في الطرق المؤدية إلى المرض؟ هل أنت مستعد لتحمل الآلام والأوجاع والمضاعفات؟ وهل الأوجاع والآلام والأمراض لا تسرق منا جهوداً وأموالاً وأوقاتاً ؟ وهل الصبر على التعب والإرهاق والتضحية لأجل النظافة يساوي شيئاً أمام جبل عظيم من المعاناة المستمرة والشغل الشاغل الذي تسببه الآفات والأمراض الناتجة عن إهمال النظافة؟

النظافة ممارسة يومية مستمرة ليلاً ونهاراً في كل الأماكن التي يرتادها الناس؛ لأجل تنظيم سير الحياة وضبط إيقاعها، لئلا تنحرف إلى ناحية خاطئة تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. ومعالجة هذا الانحراف عملية سهلة ميسرة، فهي تتطلب الوعي والإدراك والمبادرة إلى القيام بما يلزم في هذا الجانب، من خلال اعتبار القيام بهذا العمل أمراً ضرورياً لا يقبل المساومة ولا التأخير؛ لأن التسويف هنا يخلق مشاكل، ويحتاج إلى مضاعفة الجهود ولكن بعد أن يكون قد فات الأوان، ويا حسرتنا على ما فرطنا فيه.

النظافة هي اكسير الحياة المتجدد، وشبابها النضر، وعنفوان الروعة والجمال، وبستان جميل، وحدائق ذات بهجة لا تمل العين من رؤيتها ولا تتعب النفس من الوقوف في ساحاتها. والنظافة عملة نادرة عندما تصبح مجهولة الهوية أو غير مهمة لدى البعض، فهي توصلنا إلى قمة السعادة، عن طريق إزالة كل ما يؤدي إلى تغيير نمط الحياة السعيدة، أو يحرفها عن مسارها إلى وجهة مجهولة تكثر فيها المنحنيات الخطرة والحفر والمطبات التي تكدر العيش، وتنغص الحياة، وتسلبها جمالها وروعتها وبهجتها، وبالتالي تنقلب إلى بؤس وتخلف وأمراض وشقاء وآلام.

النظافة نور يضيء الوجوه، وبها تشع، فتنعكس سعادة ورفاهية وراحة. هناك من يتصور أن النظافة مرتبطة بالغنى والثراء الفاحش، فهي ملازمة له، وإذا كان العكس فلا نظافة، فالفقر علامة دالة على البؤس والشقاء والأوساخ. وهذا لعمري فهم خاطئ، وتفكير سقيم، ويساهم في زيادة البؤس والشقاء والحرمان ومساحة الآلام والضيق والاكتئاب، فالنظافة ليس لها مقياس مالي ولا وجاهة ولا شكل معين، بل هي ممارسة يؤديها كل شخص أياً كانت حالته المادية، بل أن الفقر ادعى للحرص على النظافة؛ لأنه سيجتمع في نهاية المطاف الفقر والمرض والعجز عن سداد تكاليف العلاج، وأيضاً وهن البدن وضعف الجسم.

النظافة وقاية وحماية، وهي الدواء الشافي والبلسم الذي يعالج كل العلل والأمراض. فالنظافة تمنع نشوء وتكون وانتشار الأمراض الجسدية والنفسية، وهذا في حد ذاته يعتبر إنجازا ضخما، فإنها تبعد الأمراض من الأساس وتساهم في إزالة كل أسبابها، فهذه معجزة من المعجزات الصحية، فالوقاية خير من العلاج؛ لأنها تحافظ على الصحة وديمومتها ونضارتها، بدل البدء من الصفر كمحاولة فقط، ربما تصيب وربما تخيب.

النظافة كلمة بسيطة تعني الكثير والكثير في عالم يريد أن يكون جزءا من التقدم الحضاري، والتنافس والتسابق في حياة تتسم بالإيقاع السريع والتطور الهائل والتقدم المذهل، فهي تعني أنك إنسان صحيح البدن والعقل والفكر. إذا أنت مؤهل للدخول في عالم العطاء والإنتاج والابتكار والمبادرة، تعني أن البيئة التي تعيش فيها مؤهلة لأن تكون بيئة خصبة ومهيأة لاحتضان العقول النيرة وأصحاب الهمم العالية.

النظافة أسلوب راق وتفكير ناضج وحب للحياة الجميلة التي تبهج النفوس، وتساهم في إشاعة جو الجمال والبهاء والانتعاش، وتقضي على كل أسباب الرتابة والسآمة والملل الذي يفضي إلى اليأس والقنوط والإحباط؛ لأن الجانب النفسي مهم جداً، فهو الذي يرفع المعنويات، وبالتالي ترتفع نسب التفاؤل والبهجة التي تعطي حافزاً مهماً للانطلاق نحو آفاق رحبة. وهو في الوقت نفسه ممكن أن يكون عامل ضيق وإحباط، يؤدي إلى سوداوية مظلمة تحجب الأفق، ويغيب معها كل أمل في أن يعيش الشخص حياة سوية، حاله حال غيره ممن يعيشون حوله.

النظافة جانب من جوانب الحياة الضرورية تحتاج فقط إلى قناعات راسخة تقدر معنى أن يعيش الإنسان في وسط جميل ومرتب، وتعي جيداً أن التواني في هذا الجانب تعني السقوط في هاوية سحيقة من البؤس والشقاء والحرمان. إذاً نقول النظافة أساس الحياة وعنوانها الواضح البارز الذي يقرأ بطريقة صحيحة في كل الأوقات ويترجم بكل لغات العالم بنفس الصفة والمعنى والطريقة.

النظافة طريق واضحة المعالم محددة الاتجاهات معروفة النتائج لا لبس فيها ولا غموض ولا تخفي بل هي واضحة من كل الجوانب السلبية والإيجابية. فالسلبية القائمة بالتعاطي الخاطئ والاعتقادات غير الصحيحة تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. والإيجابية القائمة على الوصول إلى الهدف المنشود عن طريق الأخذ بالأسباب الصحيحة تؤدي إلى نتائج جميلة ومرضية وتساهم في الاستقرار النفسي وحفظ الأرواح والنفوس بعيداً عن كل ما يعرضها للخطر جراء الأمراض والأوبئة والآفات.

النظافة تتوالى حلقاتها جيل بعد جيل عن طريق القدوة الحسنة في هذا الجانب فالأب والأم قدوة لأبنائهم في البيت، والمعلم قدوة لطلابه في المدرسة، والقائمون على المؤسسات الصحية والعلاجية والنوادي قدوة لمرتادي هذه المرافق والمؤسسات، والفرد يجب أن يكون قدوة لغيره في الشارع والمسجد والمتنزه والسوق فلا رمي للمخلفات إلا في مكانها الصحيح ولا ممارسة خاطئة أياً كانت تؤدي إلى نتائج سلبية والقدوة في هذا الجانب يجب أن تنبع من حس المسؤولية الملقاة على عاتق كل منا. فهذا الوطن الذي يحتضن أبناءه ويفيض عليهم من خيراته يجب أن يكونوا أبناء بررة بالمحافظة على نظافته لأنها انعكاس لجمال قلوبهم وصفاء نفوسهم ومدى إخلاصهم لمجتمعهم وأهلهم.

النظافة مع أنها لا تعطي إنتاجاً ملموساً أو بناء شاهقاً لكنها في النهاية هي الأساس الذي تقوم عليه الأمم والحضارات فلولاها لما كان هناك مبدع ينتج ولا عالم يوجه ولا بناء لمصانع ولا ناطحات سحاب فالنظافة هي من يحمي الأجسام والعقول ويبعد النفوس عن الأمراض والكآبة والقلق والضيق والندم، فهي تساهم في بناء النفوس والعقول والأجسام لتشرع في البناء والعطاء والتقدم والرقي.

النظافة لها دلالات عميقة ومعان سامية رفيعة، فهي الأساس الذي تبني عليه الأمم حضارتها بحيث إنه إذا اختلت جوانبها اختل كل شيء. من هنا نجد أن نشر الوعي بأهمية النظافة في حياتنا يجب أن يكون أولوية حتى نغير القناعات التي تعتبر النظافة أنها لا تشكل أهمية بالغة أو أن ليس لها أهمية من الأساس، فالقناعات التي تستقي هذه الأفكار من وحي أن يعيش المجتمع مثخناً ومثقلاً بالأمراض وعلى أن هذا الواقع هو قدر محتوم لا بد أن تغير إذا أردنا أن نعيش عيشاً كريماً. والقناعات التي تعتبر النظافة شيئا زائدا عن الحاجة بناء على أن أصحابها ألفوا العيش وسط أجواء غير نظيفة لا بد أن توجه وترشد نحو الالتفات إلى الوجهة الصحية التي تساهم في التخلص من هذا الإرث البغيض. وهكذا نجد أن بداية تمهيد الطريق نحو الوصول إلى القمة في هذا المجال يحتاج إلى عمل ومثابرة وصبر وبذل جهود مضاعفة لأن النظافة تستحق كل عناء وبذل وعطاء ما دمنا نريد أن نرتقي ونتقدم، كما ترتقي وتتقدم الشعوب المتحضرة ومن حقنا أن نعيش بعيداً عن جو الأمراض والآفات والكآبة.