1440144
1440144
العرب والعالم

عبدالرحمن السالمي: التسامح والتآلف والسلام.. رسائل إنسانية دعا اليها جلالة السلطان قابوس

18 فبراير 2020
18 فبراير 2020

السلطان قابوس بن سعيد صنع مدرسة لخلق نظريات السلم والتوازن الدولي -

كــــــتب: سالم بن حمدان الحسيني -

لا يذكر التسامح في المنطقة وربما العالم إلا وتذكر عمان باعتبارها واحة أمن وسلام ونموذج فريد في التسامح، ورغم بساطة الفكرة التي يقوم عليها التسامح العماني باعتباره معطى من معطيات الدين الإسلامي إلا أن بناءه وتكريسه على مر السنوات الطويلة كان معقدا جدا، واحتاج إلى الكثير من الصبر والاناة.

وقال د. عبدالرحمن بن سليمان السالمي رئيس تحرير مجلة «التفاهم» أن ترسيخ مفهوم التسامح في الوسط العماني واقع ملموس لا يمكن انكاره، وهذا الامتداد لحب جلالته في ضمائر الناس وقلوبهم وعقولهم ووجدانهم هو نتيجة ذلك التوجه، موضحا أن تلك السياسة التي اتبعتها جلالته - طيب الله ثراه في الداخل والخارج أصبحت مدرسة في خلق نظريات السلم والتوازن الدولي والحكمة والدعوة الى السلام، موضحا أن مشروع إعلان السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني هو عملٌ من أعمال رائد النهضة العمانية ويمثّل جهداً فكرياً كبيراً في نشر قيم السلام والتعقل والتعاون والعدالة في عالم اليوم والغد. ويهدف الى مقاربة الوضع الإنساني المتأزم بمنهج جديد من القيم والأخلاق وثيق الصِلات بين بني البشر بما يبعث على الوعي والاعتزاز والإحساس بالمسؤولية الوطنية والعالمية، لذلك سيظل جلالته حاضراً في الأخلاد والأسماع من خلال جهوده في تحقيق الاستقرار في المنطقة والعالم.

وقال السالمي إن جلالة السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله - حرص أن تكون التنمية على ثلاثة مستويات، أولها المستوى التنموي للبنية الأساسية في السلطنة، وثانيها: على مستوى التنمية البشرية التي تنهض بالإنسان العماني في أفكاره وعقله ورؤاه وأحلامه وطموحاته، وأما المستوى الثالث فهو: النهوض بهذا المستوى الدولي في نشر قيم التسامح والسلام في العالم اجمع، وكانت لمبادرات جلالة السلطان لها الأثر ولا زالت فاعلة في المجتمع الدولي وهي مستمرة حتى الآن، فقد سعى جلالته منذ بدء النهضة المباركة للألفة بين العمانيين، بعد ذلك ما تم تحديده عبر كلمته بمناسبة العيد الوطني عام 1974م حينما قال: ليست النهضة في البناء وتطاول العمران فحسب انما تتمثل في النهضة الحقيقية في بناء الانسان، فكان ذلك الهم هو الذي سعى اليه - رحمه الله تعالى - سعيا منه لايجاد محفزات وبعث رسالة التسامح والسلم والتفاهم، وإعطاء المظلة الواسعة من خلال المواطنة الشاملة.

وأضاف السالمي في حديثه إن مجلة التسامح صدر العدد الأول لها عام 2002م وكان بتوجيهات سامية لجلالته - غفر الله له - وقد شرفت هذه المجلة بهذا المسمى من قبل جلالته - طيب الله ثراه - وبعد 30 عددا من إصداراتها، شرفت أيضا من قبل جلالته بتغيير هذا المسمى الى مسمى «التفاهم» وكانت رؤيته هي نشر هذه القيمة، باعتبارها أساس القيم الإنسانية الواجب نشرها بين افراد البشرية، وقد لاقت تجاوبا واسعا من كثير من دول العالم، وأنا أذكر عند بدايات إصدار المجلة عندما كنت متواصلا مع الكتاب والمثقفين للاستكتاب في هذه المجلة كانوا معجبين بالمفهوم نفسه، الذي يحمله اسم المجلة من قيم أخلاقية سامية. فمنذ إصدارها الأول وحتى الآن هناك تجاوب وصدى ملموس لهذه المجلة لأنها انتزعت ثلاثة أمور أساسية: فهي أولا: لم تكن تدعو إلى أيديولوجية او الى مذهبية معينة، وانما أوضحت أن القيم الإسلامية وقيم المعرفة لها أن تشمل كل هذه الأوجه، ولذلك فهي المجلة الوحيدة طوال العشرين عاما حصلت على امتداح من تقرير الحريات الصادر من وزارة الخارجية الأمريكية وهذه شهادة من الغير، مشيرا الى ان المجلة كانت تختار المفردات بعناية تامة، وتتجنب استعمال الكلمات البغيضة او المنفرة او الكاذبة او التهم في الاسقاطات على الغير، ولذلك فقد أعطى هذا الخط رؤية جديدة للمجلة للكتاب والمثقفين الذين كانوا يكتبون فيها، وقد أبرزت المجلة الرؤية التي تعكس سعي صاحب الجلالة - طيب الله ثراه - نحو نشر هذه القيم من التسامح والعدل والسلام.

وحول جهود السلطان، طيب الله ثراه، حول ترسيخ التسامح الديني في الوسط العالمي بشكل عام والوسط العماني بشكل خاص قال السالمي: ترسيخ ذلك المفهوم من قبل جلالته - غفر الله له - في الوسط العماني واقع ملموس لا يمكن انكاره، فكل فرد في السلطنة صغيرا كان أم كبيرا لديه خصوصية ومكنون ذاتي لشخص صاحب الجلالة ولذلك هذا الامتداد لحب جلالته في ضمائر الناس وفي قلوبهم وفي عقولهم وفي وجدانهم هو نتيجة لذلك، اما بالنسبة للوسط الدولي فهو مشهود له بين الأمم في خلق سياسية متوازنة ومستقلة، وقد أصبحت هذه السياسة مدرسة في الحيز السياسي المعاصر في خلق نظريات السلم والتوازن الدولي والحكمة والدعوة الى السلام والدعوة إلى المبادرات الخيرية نحو الصلح، وسعيه كذلك الى هذا الامر الى ما هو أوسع كإنشاء الكراسي العلمية في كثير من الجامعات الدولية والتي أصبحت منارات معروفة ككرسي القيم الابراهيمية المشتركة في جامعة كيمبرج، وكذلك إبراز المثل العليا للإسلام وإبراز هذه الأوجه من الحضارة العمانية والقيم الدينية الإسلامية الخالدة، وهذه المبادرات الخيرة نحو السلم امتدت الى نواح شتى، وقد تعدى ذلك الى مفهوم أوسع فهناك مبادراته لخلق صلح مع البيئة، ومفهومه نحو نظريات المواطنة الشاملة التي شملت جميع المواطنين بغض النظر عن اجناسهم وأديانهم وعن ألوانهم، كلهم تحت هذه المظلة التي استوعبت الجميع، وقد دعا جلالته في احداث 2011 الى الاحتكام لهذه القيم، فهذه هي أسس السلام والوفاق، كذلك دعوته لإقامة مؤتمر القيم العمانية ودور المواطن في التنمية الذي أقيم بجامعة السلطان قابوس، لترسيخ ذلك المفهوم نحو هذه القيم أيضا عام 2011، وهو ما دعا الناس الى الرجوع الى هذه المفاهيم الأساسية، لذلك اصبح التسامح رسالة انسانية دعا اليها جلالته - غفر الله - له، ومن ذلك أيضا إقامة ندوة تطور العلوم الفقهية التي تقيمها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بتوجيه مباشر منه - طيب الله ثراه - والتي دعت الى العيش المشترك وقد أصبح هذا المفهوم الفقهي وقيم الحضارة وكل الاطروحات التي انجزت في تلك المؤتمرات الفقهية أصبحت نماذج تمثل رؤية جديدة في التجديد الفقهي ورؤية أوسع لمنظور يتحتم على العلماء المسلمين للنظر في افق أوسع في هذا العالم وقضاياه المعاصرة، مشيرا الى ان جلالته - غفر الله له - تلمح موضوع التسامح في خطاباته وفي أقواله وفي افعاله، وفي رؤاه وفي دعوته للناس، ولو لم تكن هذه الدعوة صادقة، لما كان لهذه الدعوة الاستجابة والتي اصبح لها امتداد في كل نواحي العالم، حيث عرف كرجل السلام، فرسالة السلام ورسالة التسامح والتعاون والتعارف هي قيم انسانية عظمى فجلالته - غفر الله له قد اوتي الحكمة، (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) وذلك من فضل الله والله ذو الفضل العظيم.

وأضاف قائلا: كانت هناك إشكالية يعاني منها العالم العربي، وهي ازدواجية المصطلح بين الدولة والوطن فجلالته - غفر الله له - هو اول من وضع امتدادا لسعة الدولة على هذا الوطن فأصبحت هذه الدولة حاضنة لجميع المواطنين، فهذه السكينة التي يجدها المواطنون وجدت من هذه السياسة، وهذا الاستقرار وجد من هذا النموذج فلم يكن هنالك اضطراب في المفاهيم، مشيرا الى ان الصدامات والصراعات الموجودة في العالم وكذلك الأنانية التي وجدت في بعض الافراد، وأوجدت انقسامات ولا تزال كثير من الدول تعاني منها في محيطها العام هي نتيجة ازدواجية في هذه المفاهيم.

وحول مشروع إعلان السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني.. ما هي أبرز ملامحه وأهدافه وأبعاده الإنسانية ومرتكزاته الحضارية قال: المغزى أو الهدف من الإعلان مقاربة الوضع الإنساني المتأزم بمنهج جديد هو المنهج القيمي والأخلاقي الذي يتلاقى حوله الناس. ولذلك كان المصطلح الجديد: المؤتلف الإنساني القائم على فهمٍ قيمي وأخلاقي عميق ورسالة الإعلان الدعوة إلى مقتضيات «المؤتلف الإنساني» في السلام والعدالة والتضامن والتعاون الإنساني، وتوثيق الصِلات بين بني البشر. وبالطبع ليست هذه الدعوة فريدةً من نوعها، فهناك دعواتٌ أُخرى تريد وتعمل لتحقيق السلام بين الأديان أو بين الدول. أما رسالة الإعلان فهي شاملة وموجهة لبني البشر، وهي توضّح السبل الكفيلة بأن يحصل التلاقي على هدف السلام من خلال الحوار والتداول وروح المصالحة. فالإعلان جديدٌ بالفعل في المصطلح والمفهوم والمنطلق والرسالة. وهو شاملٌ ويستند إلى قيم ومقتضيات المؤتلف الإنساني، وهو يخاطب البشر جميعاً مباشرةً، ومن خلال الجهات والمؤسسات المحلية والوطنية والائتلاف، يمكن أن يوجد بعضها في المبادرات الأُخرى؛ لأنّ الدوافع واحدة أو متشابهة مثل الافتقار للسلام، والافتقار إلى العدالة، والافتقار إلى الحرية، والافتقار إلى السكينة الإنسانية. لكنه يبقى جديداً في فكرته وفي تركيبه وفي أهدافه إصغاء الجمهور العماني للإعلان وشارحيه والمحاضرين فيه بما يبعث على الوعي والاعتزاز والإحساس بالمسؤولية الوطنية والعالمية. الإعلان عملٌ من أعمال رائد النهضة العمانية وداخلٌ في قلبها ورسالتها للشعب العماني وللعالم. وكما سيظل جلالة السلطان قابوس حاضراً في الأخلاد والأسماع من خلال النهضة، ومن خلال جهوده في تحقيق الاستقرار في المنطقة والعالم؛ فإنّ الإعلان يمثّل جهداً فكرياً كبيراً في نشر قيم السلام والتعقل والتعاون والعدالة في عالم اليوم والغد.