1439328
1439328
العرب والعالم

السلطان قابوس عزّز قيم التسامح وسعى لمبادرات الوساطة بين الدول

18 فبراير 2020
18 فبراير 2020

معرض «رسالة الإسلام من عمان» قدم رؤية بأخلاق وقيم إنسانية مشتركة -

كتب: سالم بن حمدان الحسيني -

تجربة السلطنة في التسامح والتعايش ليست وليدة اليوم، بل ضاربة في أعماق التأريخ، وقد عني جلالة السلطان قابوس - طيب الله ثراه- بالتسامح بشتى فروعه عناية خاصة، وعمل منذ بدايات نهضته المباركة على تعزيز هذه القيم، واستئصال نباتات الفتنة والفرقة من خلال رؤية مدروسة ممنهجة، نابعة من احترام الإنسان، وحب السلام، والعمل من أجل ازدهار البشرية جمعاء..

وقد جاء معرض «رسالة الإسلام من عمان» ليقدم رؤية بأخلاق إنسانية وقيم مشتركة بناء على تجربة السلطنة الطويلة في ذلك، بأسلوب يتحلى بالتوازن ويعمل على إيجاد منصة للقيم الإنسانية المشتركة، وليكون سفير خير يعكس عراقة التاريخ العماني ومنجزات نهضته المباركة وجهود جلالته - طيب الله ثراه - في إقامة دولة عصرية على أساس العدل والشورى والمساواة للمواطنين، ونبذ أسباب التمييز والفرقة والفتنة، كان لها أثرٌ بالغٌ على الوسط الداخلي في السلطنة، إلى جانب مبادرات الوساطة بين الدول لحل النزاعات والخلافات، و«مشروع السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني» الذي تم تدشينه بالتزامن مع اليوم العالمي للتسامح في نوفمبر الماضي في العاصمة الإندونيسية جاكرتا..

في البدء نتعرف على معرض التسامح الذي جاب عددا كبيرا من الدول (غربية وعربية وإسلامية)، ورؤية السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - البعيدة المدى لنتائج وآثار هذه المعارض في نشر القيم الإسلامية وتوطيد التقارب بين الأديان والمذاهب وأفراد الشعوب والعلاقات الدولية، وعمق هذه الرؤية في إظهار العراقة التاريخية للسلطنة وبيان ما وصلت إليه من تقدم وازدهار وما بلغته من مكانة على جميع المستويات وما وصلت إليه من تقدير ومكانة بين دول العالم المتحضر.

إنّ تجربة عمان في التسامح والتعايش ليست وليدة اليوم وحسب، بل إنّها تجربة ضاربة في أعماق التأريخ، شهدت لها بذلك حضارات، وتشهد عليها اليوم الدول والأمم. فكانت رؤية السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - دائما رؤية مدروسة ممنهجة، تتحلّى ببعد المدى، وتتطلع إلى تحقيق التوازن في العالم، وإيجاد حلول مستدامة للإنسانية، حيث قال: «المصالح المشتركة بين البشر خصائص مدنيّة ومن مظاهر الاستخلاف». فقد كانت رؤيته نابعة من احترام الإنسان، وحب السلام، والعمل من أجل ازدهار البشرية جمعاء، فقال جلالته - طيب الله ثراه-: «تهنأ البشرية بإقامة ميزان العدل واحترام حقوق الإنسان» و«إقامة السلام وصيانته في العالم أمران ضروريان لخير البشرية جمعاء»، فكان يؤمن بأهمية التسامح الذي يعزز حريات الأفراد والجماعات، وذلك مما أسس عليه مسار نهضته المباركة؛ حيث جاء النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (96/‏‏‏‏‏101) بتاريخ 6 نوفمبر 1996م مؤكدا على ذلك في مواده، حيث نصت المادة رقم (10) على: توثيق عرى التعاون وتأكيد أواصر الصداقة مع جميع الدول والشعوب على أساس من الاحترام المتبادل، والمصلحة المشتركة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومراعاة المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة وبما يؤدي إلى إشاعة السلام والأمن بين الدول والشعوب. ونصت مادته رقم (28): على حرية القيام بالشعائر الدينية طبقا للعادات المرعية المصونة على ألا يخل ذلك بالنظام العام، أو ينافي الآداب»، مشيرا إلى أن ما يشهده العالم اليوم من اضطرابات ونزاعات، ليست سوى ثمرات الخلافات بين الشعوب والطوائف والديانات، وإن دحض ذلك لا يكون إلا «بالحكمة والموعظة الحسنة»، فعلى ذلك أكد جلالته - طيب الله ثراه - حين قال: «نشر ثقافة التسامح والسلام بين الأمم يقتلع أسباب العنف».

من هنا جاء معرض (رسالة الإسلام من عمان) ليكون معززا للرؤية السامية لجلالة السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - لنشر قيم التسامح والتفاهم والوئام وغرس مبادئ المعرفة والتعارف والاعتراف، ونبذ الفرقة وخطاب الكراهية، بأسلوب يتحلى بالتوازن ومنهج يتسم بالاستدامة، يقوم على تقريب وجهات النظر، ويعمل على إيجاد منصة للقيم الإنسانية المشتركة، ليكون بذلك - ومن خلال محطاته الدولية - مساهما في صنع علاقات دولية قائمة على الاحترام المتبادل وتقدير الإنسان وحرياته، وسفير خير يعكس عراقة التأريخ العماني، ومنجزات نهضته المباركة، وإقامة المعرض في مقر الأمم المتحدة في الولايات المتحدة الأمريكية لخير شاهد على المكانة العريقة التي وصلت إليها عمان في المجتمع الدولي وعلى عظيم التقدير والاحترام اللذين تحظيان به عالميا.

ترسيخ التسامح الديني

لقد كانت للسلطان الراحل جهود الملموسة في ترسيخ التسامح الديني في الوسط العالمي بشكل عام والوسط العماني بشكل خاص، فقد عني جلالة السلطان قابوس - طيب الله ثراه- بالتسامح بشتى فروعه عناية خاصة، وعمل على استئصال نباتات الفتنة والفرقة منذ أيام نهضته المباركة الأولى، وكانت رؤيته في ذلك قوله: «العنف الداخلي يدمِّر نسيج المجتمع في أماكن كثيرة من العالم»، ولئن كان نهج جلالته - طيب الله ثراه - قائماً منذ البداية على تعزيز هذه القيم، فقد أكّد عليها قانوناً في النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (96/‏‏‏‏‏101) بتاريخ 6 نوفمبر 1996م مبينا ذلك ومؤكدا عليه، فقد نصت المادة رقم (9): يقوم الحكم في السلطنة على أساس العدل والشورى والمساواة. وللمواطنين - وفقا لهذا النظام الأساسي والشروط والأوضاع التي يبينها القانـون - حق المشاركة في الشؤون العامة. ونصت المادة رقم (12): المبادئ الاجتماعية - العدل والمساواة وتكافـؤ الفرص بين العمانيين دعامات للمجتمع تكـفلها الدولة. التعاضد والتراحم صلـة وثقى بين المواطنين، وتعزيـز الوحدة الوطنيـة واجب. وتمنع الـدولة كل ما يـؤدي للفرقة أو الفتنة أو المساس بالوحدة الوطنية. كما أن المادة (17) نصت على أن: المواطنين جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تميـيـز بينهـم في ذلك بسبـب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الـدين أو المذهب أوالموطن أو المركز الاجتماعي. كما نصت المادة (28): على حرية القيام بالشعائر الدينية طبقا للعادات المرعية المصونة على ألا يخل ذلك بالنظام العام، أو ينافي الآداب.

إن جهود جلالته - طيب الله ثراه - في إقامة دولة عصرية على أساس العدل والشورى والمساواة للمواطنين، ونبذ أسباب التمييز والفرقة والفتنة، كان لها أثرٌ بالغٌ على الوسط الداخلي في عُمان، فأسس بذلك نهجا فريدا من التسامح بين فئات المجتمع العماني بمختلف مذاهبهم ودياناتهم. وأما على الصعيد العالمي، فقد قام جلالته - طيب الله ثراه - وبجانب مبادرات الوساطة بين الدول لحل النزاعات والخلافات، بتخصيص «كراسي السلطان قابوس العلمية»، وأمثلة على ذلك: كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية والإسلامية في جامعة جورج تاون الأمريكية 1993م، ومن أهدافه التعريف بسلطنة عمان، الإنسان والحضارة والتاريخ والفكر والمذهب والإنجاز. وكرسي السلطان قابوس في العلاقات الدولية في جامعة هارفارد الأمريكية 1999م، ومن أهدافه تعزيز الدبلوماسية والتفاوض وحل النزاعات بالطرق السلمية، وتنمية دور المرأة في المجتمع. وكرسي السلطان قابوس للدراسات العربية والإسلامية في جامعة ملبورن الأسترالية 2003م، ومن أهدافه تشجيع الدراسات العربية والإسلامية والتقريب بين الثقافتين العربية والغربية. وأيضا: زمالة سلطان عمان الدولية في مجال الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد ببريطانيا 2005م، ويهدف إلى تعزيز فهم أعمق للعالم الإسلامي. ومن تلكم الجهود، إعلان (مشروع السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني) والذي تم تدشينه بالتزامن مع اليوم العالمي للتسامح في نوفمبر الماضي في العاصمة الإندونيسية جاكرتا.

مواقف مشرفة

لقد سجّل معرض (رسالة الإسلام من عمان) مواقف مشرفة كثيرة، ولقد أثمرت جهوده ثمارا طيبة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: اعتمدت وزارة الهجرة واللاجئين الألمانية (BAMF) محتويات المعرض كمادة استرشادية لمنتسبيها في مجال التعرف على الإسلام. كما تم إيداع (شعار المعرض) في القاعة الرئيسية لمنظمة (اليونيسكو) كشعار للتسامح. ومن ذلك أيضا قيام البحرية الألمانية بتوزيع محتويات المعرض والفيلم الوثائقي على جنودها في السفن المتجهة إلى الصومال للتدريب على مواجهة القرصنة. كما أطلقت الحكومة البرازيلية اسم «ساحة عمان» على أهم ساحة في مدينة (فوز دي إيجوازو). ومن المواقف الجديرة بالذكر قيام منظمة (اليونيسكو) باستضافة المعرض 3 مرات خلال عامين في المقر الرئيسي للمنظمة. كما قام القس (ليونارد دوجلاس) في 2015م بتقديم عرض حول تجربة التسامح الديني في عمان أمام مسؤولين عاليي المستوى في البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرا إلى أن من ثمار ذلك أيضا تم ترشيح المعرض لجائزة السلام الممنوحة من قبل منظمة اليونيسكو عام 2016م، وعام 2018م. وتم تسجيل ٥ رسائل ماجستير ودكتوراه في جامعات وطنية وعالمية لبحث تجربة السلطنة في التسامح الديني. كما قامت 3 مدارس ألمانية في مقاطعة بافاريا باعتماد تدريس محتويات المعرض كمادة للتعرف على التسامح في الإسلام.

في السياق ذاته سجل ما يزيد عن 65 شخصية عالمية أكاديمية ودبلوماسية وإعلامية ومن مختلف الديانات والجنسيات إعجابهم وشراكتهم لمعرض (رسالة الإسلام من عمان)، ومن ذلك ما أكدته سعادة السفيرة حنينة بنت سلطان المغيرية - سفيرة السلطنة المعتمدة لدى الولايات المتحدة الأمريكية على أهمية معرض (رسالة الإسلام من عمان) في التعريف بالسلطنة ضمن جهودها الرامية إلى تعزيز قيم التعارف، وبث رسائل الحوار بين أتباع الأديان. حيث إن القوانين العمانية تؤكد على حماية الحريات الدينية وانتشار دور العبادة لمختلف الديانات في السلطنة. إن هذا المعرض يحظى بالتقدير والثناء، وسيسهم في تعريف المجتمع الأمريكي بالقيم الإنسانية المشتركة، وتعزيز قيم التعايش السلمي والاحترام المتبادل». وما صرح به سعادة الشيخ خليفة الحارثي - المندوب الدائم للسلطنة لدى الأمم المتحدة (سابقا): «محتويات المعرض العماني تصب في نفس المسار العالمي النبيل لنشر قيم التعايش والسلم». وما جاء على لسان معالي البروفيسور علوي عبد الرحمن شهاب - المبعوث الخاص لرئيس جمهورية إندونيسيا لشؤون الشرق الأوسط ومنظمة التعاون الإسلامي قوله: «أشيد بالجهود التي تبذلها السلطنة في تعزيز قيم التفاهم والوئام والحوار بين مختلف شعوب العالم، من خلال هذا المعرض سعيًا منها إلى تقديم صورة لجوهر الدين الإسلامي وقيمه ومبادئه السمحة علما بأن السلطنة سباقة لإقامة مثل هذه المُبادرات الطيبة. إن جمهورية إندونيسيا وما تضمه من أديان وأعراق متنوعة هي بحاجة ملحة إلى إقامة مثل هذه المعارض والمبادرات التي من شأنها أن تسهم في إيجاد روح التعايش والوئام الإنساني، مؤكدًا أن التسامح جزء لا يتجزأ من روحانية وثقافة الشعب الإندونيسي». وقالت سعادة ماريا لويزا ريبيرو- وكيلة الأمين العام ورئيس مكتب الأمين العام: «إنه معرض عظيم، ويعبر عن جذور التسامح الديني والحوار في عمان». وقال عنه سعادة السفير سيد أكبر الدين - المندوب الدائم لجمهورية الهند في الأمم المتحدة: « نحن في الهند ندرك تماما تقاليد سلطنة عمان الخاصة في التسامح وكونها جسرا للتفاهم بين الثقافات»، وأيضا رئيس جامعة فرايبورغ الألمانية حينما قال: «تنامي الاهتمام بالمعرض يعكس الرغبة في التعرف على الإسلام».

140 محطة إن (معرض رسالة الإسلام من عمان) عبر أكثر من 14 محطة قدم رؤية بأخلاق إنسانية، وقيم مشتركة، بناء على تجربتنا الطويلة في سلطنة عمان، منذ العمق التاريخي الأول وصولا إلى عهدنا الزاهر هذا. وإن ما يشهده العالم اليوم من اضطراب ومشكلات تتمثل في الفقر وحقوق الإنسان وتنامي ضحايا الصراعات والحروب وتدهور الاقتصاد العام، لهو نتاج اضطراب المفاهيم القيمية والأخلاقية بفعل الانفتاح على الفضاء التكنولوجي، مما يدفعنا إلى التفكر العميق في مآلات الإنسانية وعلاقاتها ببعضها البعض حاضرا ومستقبلا. وهذا كله يضعنا وجها لوجه أمام مسؤولية جسيمة، إنسانية أولا وأخلاقية ثانيا، لنكون جزءا من الحل الذي يضع نهجا يعيد للعالم توازنه، ويقترح منهجا يعمل عليه هذا العالم المضرب، لينهض من جديد مستشرفا حياة متزنة، تتسم بالكرامة والحقوق والأمان، وإن معرض (رسالة الإسلام من عمان) يعد جزءا حيويا في مسار بناء هذا العالم المنشود، فهو يتيح للعالم الاستفادة من التجربة العمانية الفريدة، حيث يتحدث المعرض بــ 28 لغة تغطي 75% من سكان العالم، وخير دليل على ذلك استقبالها في السلطنة لعشرات الوفود الدولية الهادفة إلى التعرف على تجربة السلطنة في مجال التسامح الديني.

انطباعات الزائرين

شهد معرض (رسالة الإسلام من عمان) إقبالا واسعا من مختلف المستويات في محطاته المختلفة، من سياسيين ودبلوماسيين، وأكاديميين وباحثين، وطلبة وطالبات، ومن العامة، يعرب فيها الزوار عن سرورهم البالغ لوجود هكذا معرض يخاطبهم بلغاتهم، حيث إنه يتحدث بــ 28 لغة، وينشر ثقافة التسامح والوئام، والمحبة والسلام، ويعرفهم بالثقافة العربية عامة وبعمان خاصة. كما تشهد منصاته الإلكترونية حركة نشطة مستمرة لمتابعة أحدث أخباره ومواده المقروءة والمسموعة والمرئية. وخلال مسيرته تم توزيع ما يقارب من 10 ملايين نسخة مطبوعة من الجرائد والمجلات بمختلف دول العالم، تم توزيعها على شكل محتوى إخباري ومقالات عن المعرض. كما اطلع أكثر من 10 ملايين مشاهد على التقارير الإخبارية بمختلف دول العالم حول المعرض واللقاءات والزيارات المصاحبة له، ومن ذلك تزايد التغطيات الإعلامية حول التسامح الديني في عمان من قبل محطات إخبارية عالمية مثل (CNN) و(BBC) و(FORBES) و(REUTERS) و(الجزيرة) وغيرها.

يشار إلى أن معرض «رسالة الإسلام من عمان» هو مشروع عماني تنظمه وتشرف على تنفيذه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ويهدف إلى التعريف بتجربة التسامح الديني والتعايش السلمي والتفاهم المشترك التي تعيشها السلطنة منذ قدم التاريخ وحتى العهد الزاهر لجلالة السلطان قابوس - طيب الله ثراه - الذي جعل عمان دولة السلام والتواصل الحضاري والإخاء الإنساني.