Untitled-2
Untitled-2
المنوعات

السلطان قابوس بن سعيد يطلق حمامة سلام من السلطنة لتجوب العالم بأسره

18 فبراير 2020
18 فبراير 2020

كسب ود الجميع في حياته .. واجتمع الخصوم في عزائه -

زيارات لدول العالم منذ السبعينات تعزز علاقات السلطنة الخارجية -

أولى زيارات السلطان قابوس إلى القاهرة تتوج بـ«قلادة النيل» من الرئيس أنور السادات عام 1972 -

إعداد: عامر بن عبدالله الأنصاري -

عُرف عن السياسة العمانية بأنها سياسة حياد دائمة، ولا يعني الحياد العزلة عن الآخر والخارج والتقوقع بالذات والبلاد، إنما هو حياد وسط ما يعصف بين الدول من حروب ونزاعات ومشاكل تؤرق الشعوب والحكومات على حد سواء، فلا ميول للسلطنة، بين بلدين متخاصمين، لدولة على حساب دولة، بل كلا الدولتين صديقتان للسلطنة، وكل الدول شقيقة للسلطنة وصديقة.

ولم تُعرف السياسة العمانية الخارجية بهذا العُرف، إلا من خلال جهود مباركة، استمرت مباركتها لأكثر من 50 عاما منذ تولي السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- مقاليد الحكم في البلاد عام 1970، فأسس -رحمه الله- لعمان الحديثة داخليا، ولعمان الصديقة والشقيقة خارجيا، فكان صديق الجميع، ووثقت جريدة القبس الكويتية خبر رحيل السلطان قابوس إلى جنة الخلد وملك لا يفنى -بإذن الله- بخبر تصدر صفحتها الأولى بعنوان «رحل صديق الجميع»، وجاء في مطلع الخبر: «رحل حبيب العمانيين وصديق الجميع السلطان قابوس، ثامن سلاطين آل سعيد، بعد أن قاد بلاده من مرحلة اضطرابات إلى دولة هادئة في إقليم ملتهب، فقد حظي السلطان قابوس بمحبة كبيرة لدى شعبه، فهو مؤسس السلطنة الحديثة، وباني الصف الوطني الواحد، وقائد مسيرة النهضة المعاصرة في عمان، حيث أرسى فلسفة لشعبه، خلاصتها أن تظلَّ ودُودا مع الجميع، ما ساعده في تعميق علاقات السلطنة بالدول العربية والأجنبية، وإنهاء عزلتها، وانتهاج نوع من الحياد في القضايا الإقليمية والدولية، إذ مكّن عُمان من البقاء في منأى عن الصراعات والأزمات المحيطة، مع سعيه إلى تهدئة الصراعات الإقليمية والدولية، وقاد وساطة أدَّت في نهاية المطاف إلى صفقة إيران النووية عام 2015، ولغاية اليوم لا تزال تلعب السلطنة دور الإطفائي».

تشبيه «القبس» السلطنة بأنها تلعب دور الإطفائي، بل صديقة الجميع قبل اشتعال النار التي تستدعي الإطفاء، لم يأتِ من فراغ، إنما هناك جهود حديثة بدأت بخطوات ثابتة ومتزنة لتعزيز العلاقات الأخوية مع الدول كافة القريبة منها والبعيدة على حد سواء، العربية والأجنبية كلاهما سيان، فلا استغراب من اجتماع الخصوم في عزائه مؤدين واجب التأبين لصديق لا يختلف عليه اثنان، فقد قام جلالة السلطان الراحل -طيب الله ثراه- بالعديد من الزيارات خلال فترة حكمه، بدأت منذ بدايات الحكم وتواصل برتم متواصل، وذلك تعزيزًا للعلاقات الطيبة التي تجمع السلطنة بدول العالم وتوثيقًا لمزيد من التعاونات في شتى المجالات تفتح آفاق التعاون المثمر بما يعود بالنفع على السلطنة حكومة وشعبًا والدول الأخرى حكومة وشعبًا، وكم من زيارات ووساطات من الحكومة العمانية بقيادة جلالته الراحل لم تهدف إلى نفع مباشر إنما لوأد الفتنة في مكانها.

وفي هذا التقرير، نستعرض بعضًا من زيارات جلالته الخارجية، ونغوص في أرشيف الصور لنعرض ما وثقته العدسة من استقبالات مبهجة تدل على معنى أعمق للود والصداقة بين السلطنة وتلك الدول التي زارها جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه.

مصر

قام السلطان قابوس -طيب الله ثراه- بأكثر من زيارة إلى جمهورية مصر العربية، ومن أوائل تلك الزيارات، ما كانت في 27 نوفمبر عام 1972، وكانت تلبية من جلالة الراحل لدعوة أخيه الرئيس محمد أنور السادات، وتضمنت تلك الزيارة مباحثات أخوية بين القائدين -رحمهما الله- تعلقت تلك المباحثات بقضايا الأمة العربية، كما تخللت الزيارة زيارات فرعية منها إلى ضريح الرئيس جمال عبدالناصر، والكلية العسكرية، وأهدى الرئيس أنور السادات صاحب الجلالة في تلك الزيارة «قلادة النيل» والتي تعتبر أعلى وسام مصري حينها. وتعد تلك الزيارة الأولى لمولانا جلالة السلطان الراحل -طيب الله ثراه- لجمهورية مصر العربية.

ليبيا

بعد زيارته الأولى لجمهورية مصر العربية، توجه جلالة السلطان الراحل والوفد المرافق له لزيارة الجمهورية العربية الليبية، وكانت الزيارة ممتدة من 2 إلى 5 ديسمبر من عام 1972، واجتمع جلالة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- بالعقيد القائد معمر القذافي رئيس الجمهورية العربية الليبية، وتباحث الطرفان بأمور ذات الاهتمام المشترك، واختتمت الزيارة بصدور بيان مشترك، من أهم ما جاء به: «..أجريت مباحثات رسمية مع العقيد معمر القذافي في جو يسوده الود والإخاء واستعرض الوفدان علاقات الشعبين الشقيقين.. وكافة الوسائل الكفيلة بتطوير العلاقات بين البلدين الشقيقين، وقد أطلع جلالة السلطان الوفد العربي الليبي على حقيقة الأوضاع الراهنة في عمان.. وأكد الطرفان اتفاقهما على تأييد قضايا الحرية والعدل في العالم، وبشكل خاص قضايا الشعوب التي تكافح من أجل التحرير من نير الاستعمار والتمييز العنصري في إفريقيا..».

دول مجلس التعاون

مع بدايات حكم جلالة السلطان الراحل، وضع في حسبانه توحيد الصفوف العربية كافة، والخليجية بشكل خاص، فقام بزيارات عديدة التقى خلالها بحكام دول المجلس قبل تأسيس دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتوثق الصحف زيارة جلالته -طيب الله ثراه- لكل الدول الخليجية وكادت أن تكون بشكل سنوي، منها زيارة أبوظبي والدوحة خلال فترة واحدة كانت في مارس من عام 1973، ونشرت «جريدة عمان» في عددها الصادر يوم السبت 31 مارس 1973 في صدارتها عنوانا حمل «عاد جلالة السلطان إلى أرض الوطن.. مباحثات ناجحة لجلالته بالدوحة وأبوظبي».

ومما وثقته الصحف والقنوات زيارة جلالة السلطان قابوس لمملكة البحرين عام 1985 واحتفاء أخيه الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بالزيارة وما أقيم من أوبريت احتفاء باستقبال جلالته، كما زار جلالته دولة الكويت في عام 1989 حيث زار أخاه الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، وإضافة إلى زيارة جلالته للمملكة العربية السعودية بشكل متواصل، وما كانت من تلك الزيارات إلا أن عززت من روابط الأخوة بين دول المنطقة حكومة وشعبًا.

بريطانيا

وتأكيدًا على عمق العلاقة التاريخية بين السلطنة وبريطانيا، ففي شهر يوليو من عام 1973 غادر جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- السلطنة متوجها إلى بريطانيا في زيارة خاصة استغرقت عدة أسابيع، وتأكيدًا للعلاقات الأخوية والتاريخية بين السلطنة وبريطانيا تم إنشاء الجمعية العمانية-البريطانية تحت الرعاية السامية من لدن صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- في يناير عام 1976 بهدف تعزيز العلاقات الثنائية بين السلطنة والمملكة المتحدة، في خطوة لتوثيق تلك العلاقة والتأكيد بأن السلطنة وبريطانيا حليفتان قويتان منذ القدم وإلى العهد الحالي.

تونس

وصفت «جريدة عمان» بعددها الصادر بتاريخ 1 سبتمبر 1973 زيارة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- إلى تونس بأنها «زيارة تاريخية»، وجاء في العنوان الذي تصدر الصفحة الأولى: «لقاء تاريخي تشهده تونس بين قابوس وبورقيبة..».

وكانت زيارة جلالته حينها إلى تونس تلبية لدعوة تلقاها من أخيه الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، ولدى استقبال بورقيبة لجلالة السلطان -طيب الله ثراه- ألقى بورقيبة كلمة قال فيها: «إن من دواعي الغبطة والاعتزاز أن نرحب بجلالتكم أحر ترحيب، في هذه الزيارة الأولى للجمهورية التونسية، إن ما تشهدونه من الحفاوة والتكريم ليعبر عن المشاعر التلقائية والأخوية التي نكنها لشخصكم الكريم ولشعبكم الشقيق الذي تربطه بالشعب التونسي أمتن الروابط وأعرقها، كما تعبر عن التعاون والتضامن التام بين الشعبين الشقيقين في السراء والضراء.. إننا نتابع بكل اهتمام وتقدير الخطوات المباركة التي يتقدم بها الشعب العماني الشقيق بقيادتكم الحكيمة في معركة القضاء على التخلف، في كنف الأمن والاستقرار نحو تحقيق التقدم والرخاء والمنعة.. إن هذه الزيارة سوف تزيد من توثيق العلاقات القائمة بين بلدينا الشقيقين وسوف تعمل على فتح صفحة جديدة في ميادين التعاون..».

إيران

وللسلطان الراحل محطات عديدة في رحلة العلاقات الصديقة بين السلطنة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، فبين زيارات إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبين استقبال لوفود منها في السلطنة، تمخضت علاقة ود وصداقة على مر التاريخ، ومع مرور الزمن وكثرة تلك المحطات تتوثق تلك العلاقة بشكل أكبر وانعكس ذلك على شعبي البلدين بشكل واسع ومن بين تلك الأشكال تسهيل زيارات الأفراد لكلا البلدين.

ومن أوائل الزيارات للجانبين، زيارة صاحب الجلالة -طيب الله ثراه- إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مارس عام 1974، حيث قام السلطان قابوس بزيارة رسمية لإيران استغرقت 6 أيام، وكان في استقبال جلالته حين وصوله مطار «مهرآباد» بالعاصمة الإيرانية جلالة الإمبراطور محمد رضا بهلوي - شاهنشاه إيران.

وأعقب الزيارة الرسمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بيان مشترك بين الجانبين، يؤكد على العلاقات الأخوية والاتفاق في وجهات النظر بين البلدين والاتفاق على ضرورة تبادل المشورة ووجهات النظر بالنسبة لما يستجد في المنطقة من أحداث في حالة نشوء أي صعوبات تؤثر في أمن المنطقة.

إيطاليا

ولم يمض شهر من عودة جلالة السلطان الراحل من إيران، حتى سافر إلى أوروبا في رحلة استجمام، ولم تمنعه الإجازة من عقد لقاءات مع مسؤولين على مستوى رفيع من دول أوروبا، إذ في رحلة استجمامه سعى لكسب ود الجميع وتهيئة الظروف لكسب مزيد من الصداقات، ما يعود بالنفع على السلطنة حكومة وشعبًا، فخلال زيارته لأوروبا أجرى محادثات بينه وبين الرئيس الإيطالي وعلى هامش المباحثات أقام فخامة الرئيس الإيطالي مأدبة غداء على شرف صاحب الجلالة السلطان قابوس، تقديرًا منه لجلالة السلطان واحترامًا لما يبديه من مشاعر طيبة وأهداف نبيلة تربط البلدين برابط الصداقة والألفة والمحبة، وقد حضر المأدبة حينها رئيس وزراء إيطاليا وكبار رجال المال والاقتصاد والصناعة.

الأردن

ومن المحطات المهمة التي استوقفت سيرة زيارات جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- زيارة إلى المملكة الأردنية الهاشمية، وذلك في نهايات شهر مارس عام 1983، حيث اختتم جلالته الزيارة في الأول من أبريل من العام ذاته، واشتملت الزيارة على تبادل وجهات النظر بين جلالته وجلالة الملك حسين حول الأوضاع على الساحتين العربية والدولية، كما تضمنت الزيارة كلمة لجلالة السلطان قابوس موجهة للطلبة العمانيين الدارسين في الجامعات والمعاهد الأردنية، حيث أوصاهم بالمثابرة لنيل التفوق وطالبهم بأن يكونوا خير سفراء لبلدهم، كما تضمنت الزيارة افتتاح كلا الحاكمين مركز الملكة علياء لأمراض وجراحة القلب الذي ساهم جلالة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- بكامل تكاليف إنشائه والبالغة 7 ملايين دينار أردني، وخلال الزيارة حضر كلا الحاكمين عرضا عسكريا.

الجدير بالذكر أن اللقاء في تلك الزيارة لم يكن الأول الذي جمع الحاكمين، فمن الزيارات التي قام بها جلالة الملك حسين إلى السلطنة ما كانت في صلالة عام 1974.

أمريكا

ومن الزيارات التاريخية لجلالة السلطان قابوس -رحمه الله- كانت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد غادر السلطان السلطنة متوجها إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 11 أبريل 1983 في زيارة تستغرق 5 أيام، وقد استقبل جلالته حين وصوله إلى حديقة البيت الأبيض فخامة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، وقد ألقى جلالته خلال هذه الزيارة كلمة تاريخية، وذلك بعد الاستقبال الحافل لجلالة السلطان قابوس، ذلك الاستقبال الذي نقله التلفزيون الأمريكي على الهواء مباشرة، وتضمن حفل الاستقبال عزف السلام السلطاني العماني والسلام الجمهوري الأمريكي، وأطلقت المدفعية 21 طلقة.

وقال جلالته في كلمته، التي نشرتها «جريدة عمان» في عددها الصادر في 13 أبريل 1983 ما يلي: «إنني أقدر تمام التقدير الاستقبال الحار الذي لقيته اليوم في بلادكم العظيمة، وإنني لأشعر بسعادة خاصة أثناء زيارتي الرسمية الأولى لبلادكم التي تصادف الذكرى المائة والخمسين لتوطيد علاقات الصداقة بين بلدينا والتي ما زالت راسخة حتى اليوم الآن، إن علاقتنا هذه أثبتت عبر الأيام لشعبينا أسس التقاليد القومية المتشابهة الثابتة، إنه من البديهي أن سبب ذلك هو أن كلانا مؤمن ويعمل من أجل الحرية والحقوق الإنسانية التي جلبت الناس من مختلف أنحاء العالم منذ أكثر من 200 عام إلى هذه البلاد الجملية التي حققت لهم حياة جديدة وبنت مجتمعا مؤمنا بهذه المبادئ إلى الأبد، السيد الرئيس إن الولايات المتحدة الأمريكية عكفت خلال السنين العابرة على أن تهيئ للعالم حياة كريمة لم تكن موضع استغراب لأي كان بسبب جهودكم إزاء تلك المبادئ البطولية التي كثيرا ما ضحيتم في تذليل العقبات التي تقف في طريقها، إنني وشعبي الذين ناضلنا خلال سنوات مريرة من أجل الحفاظ على حرية بلادنا مستعدون كامل الاستعداد وبإيمان عميق لمتابعة الكفاح إذا ما دعت الضرورة لذلك، وإننا نعرف من خبرتنا أن السلام يسير جنبًا إلى جنب مع الكرامة والحرية، هذه هي الحياة إذا ما كانت الحياة جديرة بالعيش التي تسودها العدالة والاحترام الإنساني الذي يصعب الحفاظ عليه، إنني اعتقد أن العالم لم يكن قط بحاجة ماسة لمثل هذه القيم من قبل كما يحتاجها في هذه الأيام إن القوى العدوانية تخطت في السنوات الأخيرة كل القوانين لتفرض سيطرتها على الإنسانية، وإن العالم لم يعد مطمئنا من استمرار التهديد بعد الاستقرار، وإننا لنشعر أكثر بهذا الإحساس في منطقتنا في الشرق الأوسط حيث نعمل سويا مع أشقائنا في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على الحفاظ بكل جهد على شعوبنا وثقافتنا العريقة، السيد الرئيس إنني أرحب بتفهمكم البناء للمشاكل التي تواجه منطقتنا وإنني مقتنع من أن الإجراءات التي تتخذونها سوف تساهم كثيرا في الحفاظ على السلام والأمن هناك، كما أنني أيضا أبارك مساعيكم لتحقيق حل مشرف لمأساة الوضع في الشرق الأوسط التي تعلمون -أن سلطنة عمان- تؤيدها وإنه لمن المؤسف أن الجهود المستمرة التي تبذل للوصول إلى هذا الحل ليس لأجل الناحية الإنسانية فقط، وإنما استمرار الوضع على ما هو عليه الآن سيشكل تهديدًا مستمرًا للسلام العالمي، ويتيح لهذه القوى أن تستغل الحالة البائسة وتنتهز الفرصة لتحقيق المزيد من طموحاتها، السيد الرئيس إنني على ثقة من أن زيارتي الحالية لن تعزز من العلاقات المشتركة القائمة بيننا من أمد طويل فحسب، وإنما سوف تزيد من الثقة المشتركة والتفاهم المشترك الذي ترتكز عليه علاقاتنا».

زيارات متعددة

لم تكن الزيارات التي ذكرت فيما سبق كل الزيارات التي قام بها جلالة السلطان الراحل -طيب الله ثراه- وإنما هو جزء يسير من جملة الزيارات التي قام بها، وما تلك الزيارات إلا حاملة لحمامة سلام وصناعة أرضية مشتركة من الصداقة والتعاون المشترك بين السلطنة ودول العالم، بل إنها تجاوزت ذلك لتكون الحكمة العمانية التي أنشأها جلالة السلطان قابوس -رحمه الله- سبيلا لحل الخلافات بين الدول والشعوب، وبارقة أمل كانت أمنية جلالة السلطان الراحل أن يكون العالم واحة سلام، وجاء في كتاب «عمان.. بناء الدولة الحديثة» لمؤلفة الدكتور عبدالحميد الموافي: «بالنسبة لقضية السلام فإنه من الطبيعي أنها تمثل الوجه الآخر لقضية الأمن بمفهومه الوطني والإقليمي، ومع ذلك فإنها لم تقتصر لدى القيادة العمانية على مفهوم انعدام الحرب ولكنها امتدت على نطاق أوسع من ذلك بكثير لتصل إلى حد العمل ليس فقط من أجل منع الحرب ووضع حد لما قد ينشأ من صراعات في المنطقة ولكن أيضا من أجل تهيئة مناخ أفضل وأكثر ملاءمة لعلاقات أفضل بين دول المنطقة وذلك عبر الدعوة إلى تبني الحوار والوسائل السلمية لحل الخلافات والمنازعات وعبر المرونة السياسية في التوصل إلى حلول والتركيز على كل ما من شأنه أن يحد من الصراعات من ناحية ويسهم من ناحية أخرى في إيجاد مناخ ملائم لعلاقات أفضل بين دول المنطقة .. سواء على مستوى الخليج أو على المستويين الإقليمي والدولي كذلك، ومن هنا برز ما عرف بنهج السلام لدى السلطان قابوس باعتباره غاية ووسيلة كذلك، وليس مصادفة أن يتبلور ذلك مع تخلص عمان من كل مشكلاتها الإقليمية المباشرة ونعني بذلك مشكلات الحدود التي كانت بمثابة ممارسة رفيعة المستوى لمفاهيم السلطان قابوس في العمل من أجل السلام وإقامة وترسيخ علاقات أفضل مع كل جيران السلطنة وتركيز الجهود بالتالي لخدمة التنمية والتحديث للمجتمع العماني..».

واستند الدكتور الموافي على بعض الشواهد من كلام جلالة السلطان الراحل -طيب الله ثراه-، فقد قال السلطان قابوس أمام وزراء خارجية دول الخليج في نوفمبر 1979 «نحب أن نؤكد أن سلطنة عمان ليست ضد أي دولة كانت بصرف النظر عن النظام السياسي القائم فيه ما دام هذا النظام يتلاءم ورغبة الشعب في كل دولة بل تؤمن بالتعايش السلمي مع كل الدول بشرط عدم تدخلها في شؤوننا الداخلية».

كما نقل الدكتور الموافي ما قاله جلالة السلطان الراحل في حديثه مع صحيفة الجمهورية المصرية عام 1977، حيث قال جلالته: «إن أمن المنطقة جزء لا يتجزأ، كما نؤمن بأن تبتعد منطقتنا عن صراع القوى الكبرى.. ومهما كانت أطماع الدول الكبرى في المنطقة فإن تأمين استقرارها يكمن أساسًا في عدم إعطاء فرصة لهذه القوى للتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في سياسة المنطقة بمعنى أن حفاظ قادة المنطقة على الاستقلالية في القرار وعدم الانحياز يجنب المنطقة كثيرا من مخاطر المحاور والصراعات الدولية».

من أقوال الراحل -

«نحب أن نؤكد أن سلطنة عمان ليست ضد أي دولة .. ما دام هذا النظام يتلاءم ورغبة الشعب في كل دولة بل تؤمن بالتعايش السلمي مع كل الدول بشرط عدم تدخلها في شؤوننا الداخلية».