أفكار وآراء

الميزانية العامة والتوعية المجتمعية

16 فبراير 2020
16 فبراير 2020

يوسف بن حمد البلوشي -

[email protected] -

حتى الان مازال قطاع النفط والغاز يحتل أهمية كبيرة بالنسبة للسلطنة فهو مصدر معظم إيرادات وعائدات الميزانية العامة، وفي ظل محدودية الإيرادات غير النفطية، نشد على ايدي القائمين على إدارة الميزانية العامة وهم من يحاول أن ينفق هذا الدخل في بناء بنية أساسية وتحسين تقديم الخدمات لتحقيق توازنات مجتمعية، ومع التحديات الكبيرة المرتبطة بأسعار النفط، وسعر التعادل المطلوب لتغطية النفقات خاصة الجارية، وتداعيات ذلك على الميزانية العامة هناك حاجة ملحة لزيادة الجرعة التوعوية والتواصل مع أفراد المجتمع ومؤسسات الأعمال في القطاع الخاص ومع موظفي الحكومة للتعريف بجوانب التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية وإعدادهم لتغيير بعض أنماط الاستهلاك والقناعات حول الأدوار المطلوبة من الجميع في المستقبل بما يضمن تحقيق مستقبل أفضل للجميع.

خلال السنوات الأخيرة تضمنت التحديات المالية ارتفاع الدين العام والعجز المالي وعجز الحساب الجاري واصبح التصنيف الائتماني في وضع غير مناسب، وعند استعراض بعض أرقام الميزانية العامة للدولة نجد أن المالية العامة تعتمد بشكل مباشر ومطلق على إيرادات النفط (في المتوسط 80% من إجمالي الإيرادات) وهذه الإيرادات ترتبط بجانبي العرض والطلب وتتسم بالضبابية وعدم اليقين وتعتمد على عناصر خارجية. أيضا نجد أن حجم الإيرادات غير النفطية يعتمد بدرجة كبيرة على أداء القطاع النفطي، وحجم الإنفاق العام إلى الناتج المحلي في المتوسط يمثل 45% ومعظم هذا الإنفاق هو مصروفات جارية وأكثر من 70% من مصروفاتنا الجارية تتركز في بند الرواتب والمخصصات.

مع ضعف القاعدة الإنتاجية المحلية نجد أن أي إنفاق حكومي يتحول إلى خارج الدورة الاقتصادية في شكل استيراد سلع وخدمات وعمالة، لذلك نقول أن توازن الميزانية مرتبط بشكل كبير بنهوض القطاعات الإنتاجية لتعميق دورة الأنشطة التجارية المحلية، ولمواجهة هذه التحديات هناك عديد من الجوانب منها الضرائب والتي ينبغي التعامل معها على أنها ليست شر مطلق ولا خير مطلق فعدم وجود ضرائب هو تشوه اقتصادي وكذلك وجود ضرائب كثيرة هو تشوه اقتصادي أيضا، وبينما بدأت الحكومة في ترشيد الإنفاق فهناك المزيد الذي ينبغي القيام به في هذا الجانب، وخلاصة ذلك أن الموازنة العامة تواجه تحديات وتوازنات صعبة من حيث ضرورة التوسع في الإنفاق العام لدعم النمو وتحفيز الاقتصاد وبين المحافظة على الاستدامة المالية، ومن الصعب الاستمرار على نفس نمط الإنفاق العام للعديد من الاعتبارات المرتبطة بتطورات قطاع الطاقة وأنماط الاستهلاك ومرحلة النمو التي نمر بها.

وعليه؛ فهناك ضرورة ملحة لتسريع الخطى في مختلف مسارات التحول للعديد من الاعتبارات تفرضها طبيعة مرحلة النمو والتي وصلت إلى جاهزية عالية في البنى الأساسية والتشريعية تحتم التحول إلى نموذج جديد قادر على جني ثمار الاستثمارات الضخمة ويعظم الاستفادة من الجاهزية والمكانة الرفيعة للسلطنة بين الأمم وتوافر الموارد الطبيعية. وهناك عدد من المتغيرات التي تفرض مقاربة تنموية جديدة تستهدف توسيع القاعدة الإنتاجية والتي من بينها: التغييرات الديمغرافية وتزايد عدد الباحثين عن عمل والمتغيرات في قطاع الطاقة وأهمية النفط الاستراتيجية وتزايد أهمية الطاقة المتجددة. والثورة الصناعية الرابعة ومتغيراتها وتغير الأدوات والآليات التقليدية. بالإضافة إلى التغيرات الجيوسياسية في المنطقة. وتعتبر السلطنة جاهزة للتكيف مع المتغيرات خلال فترة وجيزة حيث أنها تمتلك كل المقومات والموارد والجاهزية للتغيير والانتقال إلى وضع مستدام يعمل وينتج وينعم فيه الجميع بالرفاه والسعادة.

ولنشر الرسالة التوعوية يجب على الإعلام أن يتبنى خطابا يبعث الأمل ويستنهض طاقات الشباب ويرفع المعنويات وان يطرح أفكارا ونماذج جديدة للتنمية. وباعتبارنا الجيل الجديد، يجب أن نكون أكثر قدرة على الابتكار وأن نفكر خارج الصندوق. نحتاج إلى أن نتحلى بالشجاعة وأن نتخذ قرارات حاسمة، وأن نحدد الفرص، ونقوم بإعداد دراسات عميقة، لتشغيل محركات النمو والاستفادة مما تم القيام به، والتحرك لجذب المستثمرين والشركاء، والعمل مع الجهات المعنية. هذا، ولقد حان الوقت لتمهيد الأرضية المناسبة للاقتصاد المأمول بحيث يمكن لعمان أن تتمتع بحصتها من الحصاد العالمي للتنمية.

يجب أن نعمل جميعا وفق حملة تواصل لتبني نموذج للانفتاح على العالم الخارجي بدرجة أكبر وبناء شراكات مع الاستثمار الأجنبي لجذب رؤوس الأموال وزيادة الصادرات. نموذج يعطي أولوية للإنفاق الإنتاجي مقابل أوجه الإنفاق الأخرى. نموذج يدرك أن التنمية ليست معادلة خطية أو عملية آلية أو جزئية ولا تحدث تلقائيا ولكنها شاملة وتعتمد على رغبة وإرادة أفراد المجتمع.

شمس عمان مشرقة والأرضية جاهزة للانطلاق. والجميع يستشعر القفزات التنموية الكبيرة في كل القطاعات وعلى مختلف الأصعدة. وأنا على يقين واعتقد أن الجميع يتفق معي بان عمان لديها رصيد زاخر من الإنجازات وقاعدة صلبة للانطلاق إلى افاق ارحب من التنمية تفرضها العديد من المتغيرات.