6544489
6544489
المنوعات

« طفيلي» هل يستحق الفوز بالأوسكار؟

12 فبراير 2020
12 فبراير 2020

قلب الطاولة وتغلّب على الأفلام الهوليودية -

تفاجأت شخصيا لترشيحه ضمن قائمة الترشيحات الرئيسية، وتفاجأت بفوزه بجائزة أفضل فيلم، وتوقعت فوزه بجائزة أفضل فيلم أجنبي، لاسيما نجاحه في أشهر وأقوى الجوائز والمهرجانات السينمائية العالمية مثل حصوله على السعفة الذهبية لمهرجان كان2019 وجائزة البافتا البريطانية.

ليس تفاجئي انتقاصا من الفيلم، بل لأنها المرة الأولى في تاريخ الأوسكار -والتي تعتبر الأهم- يفوز بجائزة أفضل فيلم، فيلم غير ناطق بالإنجليزية، وهو ليس فيلما أمريكيا إن لم يكن إنتاجا هوليوديا، رغم وجود أفلام قوية لها توقعات عالية بحصولها على الأوسكار مثل فيلم الجوكر، وفيلم 1917.

parasite تعني ذلك الكائن الطفيلي الذي يغزو الأجسام دون أن تشعر بها ثم يستحوذ على كل شيء، عنوان الفيلم دقيق للغاية ويوضح معناه حرفيا في أحداث الفيلم، بل عنوان الفيلم فعلياً انتهج نهج الكائنات الطفيلية حيث يغزو الجوائز والمهرجانات ويحصد الألقاب حتى الأوسكار لم يسلم منه.

الفيلم وضع النقاد والجمهور بين محكين، فريق يراها فيلماً يستحق كل جائزة رشُح لها وفريق يراه فيلماً عادياً للغاية مندهشاً من حصوله على أية جائزة، وبطبيعة الحال، أي فيلم يحصل على جائزة يكون محط اهتمام، ناهيك عن ان تكون الجائزة هي السعفة الذهبية حيث شاءت الصدفة بأن يعرض الفيلم ضمن مهرجان السليمانية الدولي السينمائي في دورته الرابعة الذي حضرته العام الماضي ضمن عروض الأفلام الرئيسية، لذل كان الكل ينتظر مشاهدته ليحكم بنفسه، وبالفعل كان الحال المتوقع الانقسام من أعجب بالفيلم ومن لم ير شيئاً مميزاً تجعله يفوز بالسعف الذهبية.

هل يستحق parasite الفوز بالاوسكار؟.... سؤال يسأل كل من شاهد الفيلم، رغم منافسة تلك الأفلام القوية التي تغلب عليها ببساطة، ولا ننسى بأنه حقق نقدا فنيا رائعا وإيجابيا من النقاد، وكل المواقع المعروفة سينمائية أعطته تقييمات عالية جداً.

الفيلم رغم كونه كوميديا سوداء، فهو إنساني بحت يلامس الشعور والوجدان، وحينما نراه من تلك الزاوية سوف ندرك حقا لماذا يستحق الجوائز التي حققها، حيث يبرز الفارق بين الطبقتين الغنية والفقيرة، وهو قصة في كل مجتمع، وكل أمة، معاناة الطبقة الفقيرة، ورفاهية الطبقة الغنية.

قصة العائلة الفقيرة المكونة من أربعة أفراد الأب والأم والابن والابنة، التي تبحث عن مصدر رزقها بالاحتيال، ثم تأتي الفرصة للعمل في بيت لعائلة غنية طيبة، وربما أحد الجمل الجميلة التي قيلت ( إنها غنية لتكون طيبة) وأيضا ( طيبة لأنها غنية)، بداية من دخول الابن كمعلم لغة إنجليزية لبنت العائلة الغنية، ثم دخول الابنة كمعلمة فنية للابن الصغير للعائلة الغنية ثم الأب سائقاً للعائلة بعدما استطاعت العائلة الفقيرة إزاحة السائق السابق، ثم خطة إبعاد مدبرة المنزل التي سكنت في البيت منذ مستخدمها الأول، واستبدالها بالأم، وبذلك تجتمع العائلة الفقيرة كلها في بيت العائلة الغنية وكأن لا ترتبط بينهم علاقة قرابة.

هنا نعيش الساعة الأولى من الفيلم قصة عادية للغاية وبسيطة وظريفة لتلك الكائنات الطفيلية التي تدخل في حياة العائلة الغنية من مختلف الأبواب، ثم يرن هاتف البيت الذي يغير مجرى مسار الفيلم البسيط، وبرأيي الهاتف كان الفاصل في تغيير مجريات الفيلم، وهو ذلك الفاصل الذي كان طفيليا أدهش النقاد وأثار إعجابهم، ذلك الفاصل الذي جعلنا نعيش مجرى فيلم إنساني بسيط، الخط الفاصل الذي قلب عقول النقاد ولجان التحكيم حينما نكتشف بأن ثمة حياة سرية، حتى مدبرة المنزل التي تبدو راقية بتصرفاتها وسلوكها أيضا تظهر من فئة الكائنات الطفيلية، ليحدث الصراع بينهم ويؤكد بأن الطفيليات تتعارك فيما بينها، ولا تتعايش مع بعضها بالرغم بالإمكان العيش معا.

بشكل عام، يجب الاعتراف بأن الفيلم مستواه الفني عال جداً في كل شي، قصة الفيلم رائعة للغاية ومبدعة، وغير تقليدية، ومتماسكة وبسيطة وواضحة ليس بها أي تعقيد، وأداء الممثلين متقن وتشعر بدور كل فرد منهم، وربما الأفضل أداءً الأب بالعائلة الفقيرة الذي تقمص شخصية أب مكافح مترابط مع عائلته رغم فقرهم، وأيضا شخصية المرأة الغنية التي تبدو طيبة لحد السذاجة مع الشخصية الأرستقراطية.

برأيي، الإخراج بسيط وهادئ وثمة تكوين فني جميل لبعض اللقطات، وليس به ذلك التعقيد بل ابتعد المخرج عن اللقطات المعقدة مع قلة اللقطات الإبداعية المبهرة، شخصيا لم يبهرني كمخرج بخلاف مخرجي الجوكر و1917 تشعر ببصمة المخرج فيهما. لكن لا يعني لا نقف احتراما ونرفع القبعة ل بونج جون هو، بل نصفق له بحرارة حيث كان مخرجاً ذكياً، استطاع مسك زمام الأمور، لا تجد فترة مملة في الفيلم، واستطاع ربط كل الأمور ببعضها، ربما أحلى اللقطات حينما جعل الأب والابن والابنة يمشون تحت المطر بعد هروبهم من بيت العائلة الغنية إلى بيتهم، كأنها لوحة فنية جميلة، ووظف فكرة نزولهم من درجات السلم كأنها تشير إلى نزولهم من العلو إلى الحضيض، كما يظهر ذكاء المخرج في توظيف حالة الأمطار بأنها كارثة للفقراء التي أدت إلى إغراق بيوتهم وخسارة ممتلكاتهم وتشريدهم بينما كانت الأمطار هي فرصة للاستمتاع للطبقة الغنية التي رأت الأمطار فرصة للاستمتاع وإقامة الحفلة.

الفيلم مملوء بالتفاصيل الدقيقة المخفية بين السطور، وهذا حال الكائنات الطفيلية بطبيعتها، ولعل تلك التفاصيل انتبه لها النقاد ولجان التحكيم وتطفلت بوجدانهم، رائحة العرق والعفن المتعلقة بأجساد الفقراء، تلك الرائحة العالقة في الأب، تلك الرائحة التي حطمت العلاقة بين الأب الغني والأب الفقير، تلك الرائحة التي كادت تكشف سر العائلة الفقيرة، أنها رائحة الطفيليات.

ومن أجمل التفاصيل الجميلة، لقطات النزول من الدرجات، ثمة مشاهد تظهر العائلة الفقيرة تنزل الدرج في المقابل العائلة الغنية تطلع الدرج وكأن الفيلم يشير إلى أن الفقير يزداد فقراً والغني يزداد غنى، ومن اللقطات التي وظفها المخرج بذكاء حينما جعل الطفل الغني ينام في خيمة تحت المطر باختياره كإشارة إلى أن الفقراء الذين لا يملكون مأوى يعيشون تحت أقسى الظروف دون اختيارهم، وثمة حوار بين العائلة الفقيرة تتحدث بأن الفقر يجعل من الإنسان انتهازي، لذا لا يجب التفكير في الآخرين ما دام وضعهم أسوأ منهم.

بشكل عام، الفيلم يستحق المشاهدة من كل الزوايا، ذكي للغاية وطفيلي حقاً، يشعرك بسحره، بروعته، بجماليته، وتكتشف تفاصيله المخفية، وبعد مشاهدتي الفيلم للمرة الثانية، أقول... نعم، فيلم طفيلي ( parasite) يستحق الأوسكار، لأنه فيلم واقعي، يمثل السينما الحقيقية التي تنقل واقع الإنسان كما يعيشه، وليست تلك السينما الزائفة التي تصنع عالماً غير موجود، وسعدت حقا بأن فيلما غير أمريكي وليس ناطق بالإنجليزية يقلب الطاولة ويتغلب على الأفلام الهوليودية في عقر دارها.