salim
salim
أعمدة

نوافذ :لصـوص العصـر

10 فبراير 2020
10 فبراير 2020

سالم بن حمد الجهوري -

[email protected] -

بقدر ما يتقدم العلم وتتطور الحياة، وتسهل أمام أنسان هذا العصر العديد من الوسائل التي تضمن له السعادة وتقل المعاناة ويختصر الوقت والجهد وتتعاظم أمامه الشمولية التي تجعله بضغطة زر يستمتع بما سخر له من تقنية متقدمة جدا، تؤمن له العديد من مباهج الحياة وتجعله أقل قلقا من ذي قبل، وتضمن له المزيد من السرية في تعاملاته اليومية وتواصله مع الآخرين، بقدر ما تتطور الإمكانيات لدى لصوص العصر في المسار الآخر، الذين يستطيعون أن يفسدوا عليك مباهج الحياة تلك ويقلبون عليك حياتك من الطمأنينة إلى القلق، ويجعلونك هدفا لمغانمهم.

فهم يغزونك عبر جهاز حاسوبك من خلال البريد الإلكتروني والفيس بوك والتويتر بمغريات ما أنزل الله بها من سلطان لاسيما المالية منها، وعبر هاتفك يتلصصون عليك ويتصلون بك من أصقاع الدنيا لممارسة حيلهم اليومية التي حفظناها عن ظهر قلب، يسطون على خصوصياتك وبياناتك العامة ثم يبدأون في ابتزازك، ويقابلونك في الأماكن العامة والمواقف ومحطات الوقود، ويتلونون في سرد معاناتهم وصعوبات الحياة التي يواجهونها، وتلتقي بوجوه أمام المؤسسات الحكومية التي تشهد ارتياد المراجعين لها خاصة التي تصنع فارقا في حياة المواطنين، لديهم من الوثائق ما لديهم لإقناعك بأنهم يستحقون المساعدة، وكذا عند آلات الصرافة بمقرات البنوك وهنا حدّث ولا حرج.

هناك من يتتبع خطواتك مراقبا هاتفك يعرف أين منزلك؟ ويعرف حساباتك المالية ولمن أرسلت مبلغا لخارج الحدود؟ وكم لديك من العقارات والشركات؟ وإن كنت معدما أو غنيا، وبعضهم يسرق لك جلساتك الخاصة وصور عائلتك وأشرطة فيديو يعرف منها ماذا قلت؟ ومن انتقدت؟ ومع من تحدثت؟! وفي ماذا؟ ويعرف عن ملفاتك الصحية وعلاقاتك الشخصية والبنكية والاجتماعية والمالية والغرامية وكم سيارة عندك؟ ويعرفون أين سافرت؟ ومع من؟ وكم يوما قضيت؟ فأنت في قبضتهم ليل نهار.

أمام كل هذا ماذا علينا أن نفعل؟! وقد حوصرنا في بيوتنا، وارتفع عندنا هاجس الخوف وتعاظم أيضا الشك فينا، وأصبحنا نتلفت يمنة ويسرة في الطرقات، كي لا نترك ثغرة لمن يراقبنا عن بعد، ماذا نفعل ونحن الذين أردنا أن نساير تلك الثورة الصناعية التقنية في كل شيء؟ أردنا أن نسهل على أنفسنا عناء المسافات واختصار الوقت والمال وتجنب ارتياد الطرقات، ماذا نفعل ونحن نجد أنفسنا نغرق يوما بعد آخر في عالم التقنية التي تحكم قبضتها بعد أن تزايدت أعداد الإنسان الآلي في حياتنا وأصبح يقوم بالخدمات مكان البشر، ليعفينا من القيام بأقل الواجبات لتترهل أجسادنا التي لا تجد الطاقة فيها من يحرقها في العمل فيزداد عرض أجسادنا وتتعاظم الشحوم فيها؟ إذا علينا أن نراجع ما يحدث في حياتنا اليومية قبل أن يسرقنا الوقت ومفاتن الحياة، وأن نقيم ما يدور حولنا، وأن نوجد توازنا بين المتطلبات الضرورية التي نريدها وبين الحياة الطبيعية التي نحتاجها، وأن نضع لأنفسنا سلوكا لا يدمرنا وأن نتعامل بالعقل والمنطق مع العديد من المظاهر، وأن نساعد الآخرين في حجم متطلبات ما ينبغي دون تفريط، وأن لا نعلم العامة بما لدينا في العائلة، وأن نحافظ على أسرارنا حتى لا نكون هدفا للصوص العصر.