أفكار وآراء

كورونا بين المخاوف الصحية والمشكلات الاقتصادية

10 فبراير 2020
10 فبراير 2020

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

استيقظ العالم على فيروس كورونا المستجد في أحد مقاطعات الصين وهي ووهان مسببا هلعا كبيرا في الأوساط العالمية خاصة من قبل منظمة الصحة العالمية والسلطات الصينية في ظل تزايد حالات الوفاة للمصابين والذي تجاوزت 700 حالة وفاة وأيضا آلاف المصابين داخل الصين وهي النسبة الأكبر وعدد من دول العالم بنسب محدودة.

وفي ظل انتشار الفيروس بدأت التحليلات تدور حول الاثر المباشر لهذا الفيروس ليس فقط من الناحية الصحية واحتمالية وصوله الى وباء ولكن من الناحية الاقتصادية من خلال وقف نشاط العشرات من الشركات الدولية في الصين والاثر المباشر على المنتجات الصينية وتوقف رحلات الطيران المدنية المتجهة الى الصين، ومن هنا دخلت الصين وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم في معركة حقيقية مع الفيروس القاتل ومن هنا فإن تأثير فيروس كورونا يتعدى الجانب الصحي الى الجانب الاقتصادي والسياحي.

التأثير الصحي

ظهرت في السنوات الاخيرة عدد من الفيروسات الغامضة ومنها فيروس كورونا وفيروس ابيولا في افريقيا وفيروس سارس وفيروس الطيور والخنازير وقد استطاع العالم من خلال الجهات الصحية الدولية والمحلية السيطرة على تلك الفيروسات من خلال اللقاحات، ومن هنا بدأت بعض التحليلات تتحدث عن الحرب البيولوجية بين القوى العظمى من خلال إنتاج تلك الفيروسات في معامل خاصة ويبدو لي ان تلك التحليلات تفتقر الى الموضوعية.

فاذا كان الهدف هو الإضرار باقتصاد دولة ما فان تأثير ذلك سوف يضر الاقتصاد العالمي كما هو الحال حاليا فالإنتاج الصيني في مجال الواردات من الولايات المتحدة يقدر بمئات من مليارات الدولارات كما ان الاقتصاد العالمي وليس الصيني سوف يعاني من جراء توقف النشاط التجاري والاستثماري وقطاع التكنولوجيا.

ومن هنا فإن التأثير الصحي لفيروس كورونا المستجد له آثار مباشره على الناس في الصين وخارجها حيث ان الجهود الطبية في الصين ومنظمة الصحة العالمية وايضا جهود الدول المتقدمة في الغرب تنصب على ضرورة احتواء الفيروس بأسرع وقت ممكن لأن التأثير الصحي على الأفراد والمجتمعات سوف يؤدي الى مشكلات اقتصادية كبيرة، كما ان تفشي الفيروس في أنحاء العالم سوف يخلق أولا المزيد من الخوف والهلع وثانيا سوف يكون هناك خسارة مالية للصين أولا وللدول التي سوف تعاني من انتشار فيروس كورونا المستجد.

الصين تدخل حاليا في حرب حقيقية من خلال انتشار الفيروس والذي بلغ عدد الإصابات المسجلة تقترب من أربعين ألف إصابة والوفيات تتعدى 700 حالة وفاة خاصة في المقاطعات التي انتشر فيها المرض ورغم ذلك فإن هناك تأكيدات صينية بأن بكين قادرة على احتواء الفيروس من خلال إمكانات كبيرة وأيضا قدرة مالية هائلة بصرف النظر عن الخسائر المقدرة بـ 160 مليار دولار.

الجهود متواصلة من الجهات الطبية الصينية وهناك غرف عمليات من خلال بث المعلومات بشكل شفاف وتزويد وسائل الإعلام بآخر التطورات الخاصة بالفيروس وهذا شيء ايجابي خاصة وأن فيروس كورونا أثر على دول العالم اجتماعيا وسياحيا واقتصاديا.

احتواء الفيروس سوف يأخذ بعض الوقت حيث أن كورونا السابق قد أخذ أكثر من عام ويبدو أن التركيز الآن على الوقاية وعدم الاختلاط بين المصابين والحجر عليهم وبين الناس غير المصابين علاوة على الكشف على القادمين من الصين والدول التي تم الكشف عن الإصابة بالفيروس وهذه إجراءات مهمة لاقت ترحيبا من منظمة الصحة العالمية وحتى من السلطات الصينية لان تلك الإجراءات تساعد على محاصرة الفيروس وعدم انتشاره بشكل اكبر، وهناك تقارير تتحدث عن تراجع الإصابات وخروج الكثير من المصابين من المستشفيات خاصة من الذين لديهم مناعة جيدة حيث إن الأطفال وكبار السن ليس لديهم المناعة الكافية وتلعب المستشفيات الميدانية والتي أنشأتها الصين في أوقات قياسية دورا في علاج المصابين كما أن هناك جهودا دولية لإيجاد أمصال محددة تعالج أعراض الفيروس.

البعد الاقتصادي

أثار الفيروس ذات أبعاد عديدة ومنها البعد الاقتصادي وحتى البعد السياسي فهناك آثار مباشرة سلبية على قطاع الطاقة خاصة الدول النفطية حيث شهدت أسعار النفط انخفاضا متواصلا من 65 دولارا للبرميل إلى حدود 55 دولارا أي بانخفاض قدره عشرة دولارات وهو انخفاض كبير قياسا بموازنات الدول المصدرة للنفط، كما أن القطاع السياحي مع الصين تأثر بشكل كبير من خلال توقف شركات الطيران الى الصين وحتى السياحة الصينية الداخلية تأثرت بشكل كبير وذلك امتثالا للإجراءات الصحية.

فيروس كورونا المستجد أحدث خوفا كبيرا بين المجتمعات خاصة وأن المزيد من الإصابات تتواصل كما أن الخوف أن تستمر الحالة لشهور وربما أكثر وبالتالي فإن الاقتصاد العالمي سوف يتأثر بشكل كبير خاصة في قطاع السفر والسياحة وفي قطاع الأعمال والاستثمار.

صادرات النفط كما تمت الإشارة أصبحت تعاني من الانخفاض المتواصل للنفط وهناك حوارات الآن بين روسيا والسعودية حول إمكانية خفض الإنتاج بين دول الاوبك وعلى رأسها السعودية وبين الدول المنتجة والمصدرة من خارج الاوبك وفي مقدمتها روسيا الاتحادية علاوة على تأثير النفط الصخري الأمريكي ومنصات الحفر الامريكية على أسعار النفط في الأسواق الدولية. ويتابع الجميع تطورات فيروس كورونا المستجد وتأثيراته المباشرة والجهود المتواصلة للسيطرة عليه بشكل كامل أو جزئي، ومن هنا فإن التطورات الصحية للفيروس سوف تفرز المزيد من التطورات الاقتصادية وأيضا مستقبل النمو خاصة اذا استمرت الحالة لعدة أشهر أو أكثر وهناك الآن حالة من الترقب والإجراءات الحاسمة بهدف أحداث تغيير جذري في تحرك الفيروس وانتقاله بين الناس من خلال الحماية الذاتية وعدم السفر واتباع الإرشادات الصحية والبعد عن الازدحام في الأماكن المفتوحة وكلها إجراءات تعلنها الجهات الصحية المحلية والدولية ويبدو أن العالم سوف يحتاج إلى بعض الوقت للحديث عن مسار الفيروس في المرحلة القادمة ومدى خطورته وكيف يمكن احتواءه من خلال تصنيع الأدوية أو الامصال كما حدث مع الفيروسات التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة.

مسار الفيروس

إن إعلان حالة الطوارئ في الصين والدول الأخرى من قبل منظمة الصحة العالمية هو إجراء احترازي صحيح بهدف الحد من انتشار الفيروس ومحاولة الوصول إلى آليات تحد من انتشاره والسيطرة عليه في نهاية المطاف، فلقد خلق الفيروس ارتباكا كبيرا في المنظومة الصحية في دول العالم المختلفة من خلال ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة والأرقام حول الوفيات وارتفاعها وكذالك المصابين خاصة في بعض المدن الصينية علاوة على التخوف الذي جاء بعد الإعلان عن إصابات في بعض الدول ومنها دول عربية وهذا آمر يبعث على القلق ويحفز على بذل المزيد من الجهود لاحتواء آثار الفيروس صحيا اولا وبعد ذلك آثاره الاقتصادية وخاصة على الصين.

إن مسار الفيروس سوف تحدده منظمة الصحة العالمية والتي تستعد بعثة طبية منها للذهاب للصين لتقييم الوضع وهل هناك تخوف من وصول الفيروس إلى مرحلة الوباء أم انه لم يصل إلى هذه المرحلة وكل تلك المؤشرات سوف تتضح من خلال الأرقام التي تتحدث عنها غرفة العمليات الصينية حول مسار الفيروس وهل بدا يشكل انحسارا من عدمه اعتماد على أرقام الوفيات والمصابين التي تسجل بشكل يومي.

إن المسألة تحتاج إلى تضافر كل الجهود وليس فقط منظمة الصحة العالمية من خلال الجهات الطبية المحلية وضرورة اتباع الإرشادات والتوعية بحيث يكون هناك حذر من الأفراد والجماعات من الاقتراب من المصابين وعدم السفر في هذه الفترة إلا لضرورة القصوى، فالمشكلة الآن هو انتقال العدوى من المصابين إلى غير المصابين وتوزيع المزيد من الكمامات التي يحتاجها الناس في الصين بشكل عاجل حتى تنتهي هذه الظاهرة الصحية من خلال ظهور الفيروسات القاتلة بين فترة وأخرى وتسبب كوارث انسانية وهي الأهم علاوة على الآثار الاقتصادية والنفسية مما يتوجب الحيطة والحذر وفي نفس الوقت تواصل الجهود لإيجاد أدوية مضادة تنقذ الناس من هذا الفيروس المتحول بشكل سريع كما يتحدث الأطباء عن خصائص الفيروس والذي يتطلع الجميع إلى السيطرة عليه في نهاية المطاف كما حدث مع الفيروسات الأخرى.