أفكار وآراء

كورونا.. الآثار السلبية والمواجهة الجذرية

10 فبراير 2020
10 فبراير 2020

إميل أمين -

على حين غرة ضرب فيروس كورونا المثير للقلق الصين، ذلك البلد الصاعد إلى المسارات العالمية بسرعة كبيرة، ومع انتشار الفيروس في الداخل الصيني من جهة، وقفزه من فوق سور الصين العظيم إن جاز التعبير. من جانب آخر، بدأت الشائعات تنتشر حول ما يحدث على الأرض، ومعها كانت الآثار السلبية تتراكم داخل الصين بنوع خاص وخارجها.

على أن تطورات الأحداث فتحت الطريق واسعا أمام العديد من الشائعات التي لا محل لها من الصحة، غير أن سهولة ترويج مثلها في زمان التواصل الاجتماعي السريع ضاعف من أبعاد الأزمة... ماذا عن ذلك؟

بداية راجت في الأرجاء الدولية فكرة أن الطعام الصيني هو اصل الأزمة، بل اكثر من ذلك بدا أن هناك حالة من التنمر والعنصرية ضد الصين والصينيين، حالة بدأت من العالم الرقمي ووصلت إلى العالم الحقيقي، أما الرقمي فقد امتلا بفيديوهات وتسجيلات تظهر أنواعًا معينةً من المأكولات الصينية التي لا يمكن القبول بها عقلا أو عدلا، كأكل الحيوانات الصغيرة حية أو ميتة، وبدا وكأن هناك إصرار معين على الحاق أكبر الأذى الأدبي بالشعب الصيني، مع أن مطاعم الصينيين في كبريات العواصم العالمية دائما ما تغص بالعملاء والساعين لتذوق أنواع مختلفة من المأكولات الآسيوية الشرقية.

أما العالم الحقيقي فقد بدا فيه الترصد للصينيين بشكل مباشر وبصورة غير مقبولة الأمر الذي أشارت إليه صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية في تقرير مطول لها أكدت من خلاله أن هناك حالة من الرفض لوجود الصينيين في الأماكن العامة، وكأن كل صيني بالضرورة مصابين بفيروس كورونا، ووصل الأمر ببعض الجنسيات الآسيوية التي تتشابه في الشكل مع الصينيين في جزيرة مانهاتن في نيويورك بوضع لافتة على محلاتهم ومطاعمهم تقول على سبيل المثال نحن فلبينيين أو يابانين ولسنا صينيين، وكان الأثر الأول المترتب على هذه الأزمة هو إيقاظ حالة من حالات العنصرية تجاه الشعب الصيني، واستنفار حالة من التنمر الذي يسعى العالم برمته لمحاربته.

أثر آخر ترتب على انطلاق فيروس كورونا يعقد من علاقة البشر على سطح الكرة الأرضية، هو الترويج لشائعة أن الأمر لا يتعدى كونه سلاحا بيولوجيا قد يكون أمريكيا، وقد يكون صينيا في ذات الوقت، أما كيف ذلك فالسبب يعود إلى أن واشنطن وبكين على غير مودة كافية في الأصل، كما أن أصحاب هذا الرأي يؤكدون أن واشنطن تريد قطع الطريق على الصين الماضية قدما لتضحى منافسا لها، والآن وبعد أن أضحت شبه معزولة، فان واشنطن أدركت مبتغاها بجعلها دولة في حالة إقصاء.

وعلى الجانب الآخر، يحتمل هذا الرأي القول إن الفيروس هو تصنيع محلي صيني، حدث وان تسرب ضمن سياقات الصين للحروب البيولوجية، وعليه فان اللوم الكبير يقع على عاتقها وليس على عاتق أمريكا بأي حال من الأحوال.

وفي الحالتين يمكن القطع بالقول إن ترويج مثل تلك الشائعات سيقود حكما إلى تعقيد العلاقات بين الشعوب، حتى وان كانت الحكومات تعرف مسبقا إن كل ما يقال لا أساس له من الصحة.

ضمن الآثار المترتبة على الأزمة الأخيرة لفيروس كورونا وما يدخل في دائرة الشائعات الضارة تأكيد البعض عبر وسائط التواصل الاجتماعي على فكرة وجود المصل أو اللقاح عند بعض الدول، وهي فكرة تنطلق من التربة المؤامراتية عينها، بمعنى أن هناك من حضر الفيروس واطلقه تجاه الصين، وانه يملك الإجهاز عليه إذا وصل إلى حدود بلاده، وهي فكرة تنضح بالعنصرية وتجعل قلوب الشعوب تنقلب ضد بعضها البعض، بل تؤصل للعداء الإنساني بين الأمم والشعوب لا سيما إذا عرف البعض أن الدواء موجود وان هناك من يساعد الداء على الانطلاق وإفناء شعب كبير لا يمكن أن يفنيه فيروس إنفلونزا ولو مطور بصورة أو بأخرى.

رابع السيناريوهات المزيفة التي راجت في الأيام الأخيرة وتؤكد على انحراف الفكر عند البعض القول بان الفيروس ما هو إلا عقاب من السماء للصينيين على ما اقترفته أياديهم بالنسبة لعرق الأيغور من الصينيين المسلمين، وهو أمر لا يتسق والعلاقات الجيدة بين الصين والعالم الإسلامي من جهة، وبين حياة المسلمين في الكثير من أرجاء الصين ومقاطعاتها الـ22 والتي يعيش في داخلها الملايين من المسلمين الصينيين.

إلى هنا يمكن القول إننا أمام استحقاقات أدبية خاصة بالأزمة الفيروسية، غير أن الأمر ومن أسف شديد لا يتوقف عند هذا الإطار بل يتجاوزه إلى مسارات ومساقات أخرى تعد شديدة التأثير على العالم برمته لا على الصين فقط.

السؤال الجذري في هذا المقال: هل سيتأثر الاقتصاد العالمي بما يحدث للاقتصاد الصيني؟

الشاهد أن هذا أمر يقلق العالم برمته لا سيما بعد أن ذكرت وكالة «بلومبرج» الأمريكية أن الاقتصاد العالمي اصبح مهددا بخسارة أكثر من 160 مليار دولار، نتيجة تفشي فيروس كورونا داخل الصين وخارجها.

الوكالة الاقتصادية العالمية الشهيرة في واقع الحال رسمت صورة مأساوية للمشهد الدولي إذا تفشى الفيروس، إذ نقلت عن «وارويك ماكين» الأستاذ بجامعة استراليا الوطنية قوله: «إن التقديرات الأولية بشان حجم خسائر الاقتصاد العالمي جراء تفشي الفيروس قد تفوق الـ40 مليار دولار التي تسبب بها «وباء» سارس في عام 2003، بمعدل يتراوح ما بين 3 إلى 4 أضعاف، لتكسر حاجز الـ160 مليار دولار.

ما الذي يجعل العالم عرضة للتأثر السلبي جدا بعد انتشار الفيروس في الصين؟

المؤكد أن عمق تشابك الروابط التجارية بين الصين ودول العالم شتى إلى جانب دورها الفاعل على صعيد سلاسل التوريد العالمية، يجبر كبريات الشركات العالمية حاليا على البحث عن مخرج من أزمة تبدو مطولة.

ولعل الكارثة المحدقة بالصين تتمثل في أن الفيروس انتشر وتفشى في مدينة «ووهان» الصينية التي تعد مركزا لأهم شركات تصنيع السيارات وشركات الحديد في البلاد، ما يعكس حجم الضرر البالغ الذي ستتكبده قطاعات السياحة والتصنيع والإنتاج جراء عزل المدينة التي يقطنها أكثر من 11 مليون شخص لاحتواء انتشار العدوى.

ولعل المثير في حديث الأرقام هو أن اقتصاد المدينة يقدر بنحو 214 مليار دولار، أي 1.6% من إجمالي الناتج المحلي الصيني.

افرز تفشي فيروس كورونا في الصين حالة أخرى من المشاعر الحقيقية للأوضاع السياسية حول العالم، لا سيما بين الأقطاب الكبرى واشنطن وبكين، ما أوضح مقدار الهشاشة التي تحوم من حول العلاقات الثنائية.. كيف ذلك؟

تكاد العلاقات التجارية تكون انعكاسا للحالة السياسية بين بلدان العالم، والذين استمعوا إلى تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الصينية «هوا تشينج» وقر لديهم أن واشنطن تكاد تستغل الأزمة لصالحها بشكل واضح للغاية فهي لم تقدم أي مساعدة ملموسة للجانب الصيني بعد، كما أنها كانت أول دولة تسحب طاقم عملها القنصلي من «ووهان»، وأول دولة تشير إلى سحب جزئي لطاقم السفارة، والأولى التي تعلن عن حظر دخول المواطنين الصينيين عقب أن أوضحت منظمة الصحة العالمية أنها لا توصي أو حتى تعارض السفر بالإضافة إلى القيود التجارية ضد الصين.

إنها الحرب التجارية إذن كأول أثر واضح على الأرض بين واشنطن وبكين، ومن طالع صحيفة «وول ستريت جورنال» نهار 31 يناير الماضي يرى أن المواقف الأمريكية قد تغذي اعتقاد الصينيين بان الولايات المتحدة أطلقت الحرب التجارية مع بكين لوقف نهوض البلاد، وفي الوقت الحالي فان واشنطن تعمل على الاستفادة من الآثار البائسة التي يخلفها انتشار فيروس كورونا.

الصحيفة الأمريكية الاقتصادية الأشهر أشارت إلى أن انتشار الفيروس أدى إلى مخاوف اقتصادية أثرت على سوق الأسهم الصينية بعد عطلة العام القمري الجديد ليتكبد المؤشر الرئيسي خسائر بقيمة 393 مليار دولار.

أظهرت أزمة فيروس كورونا أن هناك حالة من الرأسمالية المتوحشة تضرب العالم، واننا وعن حق نعيش في عمق أزمة تسليع الإنسان، وان البراجماتية الاقتصادية تضرب العالم على غير هدى، لا سيما وان الصين قد أعلنت حاجتها إلى أقنعة طبية وسترات وقائية ونظارات للحماية، ومن المثير أن الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الكبرى لم تحرك ساكنا إذا استثنيا حاضرة الفاتيكان التي أرسلت عشرات الآلاف من تلك الأقنعة للصين في بادرة إنسانية طيبة، كما نذكر أن الكثير من الدول العربية والخليجية التي ترتبط برباطات وثيقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مع الصين، قد بادرت بدورها إلى إرسال مساعدات بشكل أو باخر، رغم أن الصين اقتصاديا قد تبدو ظاهريا في غير حاجة، إلا ان الجائحة التي تعتريها تشير إلى أن هذه هي لحظة تضامن إنساني ووجداني يتوجب أن تتخطى جدران الكراهية وتصل عبر جسور المودات البشرية.

على أن السؤال الجذري بدوره ما الذي يتوجب عمله لتفادي مثل هذه الأوبئة في قادم الأيام؟

يبدو السؤال هنا في حاجة إلى تنادي أممي جمعي، وليس دعوة فردية لدولة بعينها مهما عظم شانها، فقد أثبتت تجربة فيروس كورونا أن لا دولة فوق احتمالات تعرضها لازمات كبرى.

في هذا السياق ينبغي أن نفتح أعيننا على إشكالية مخيفة تحتاج تشابك وتضافر جهود العالم، أنها كارثة الإرهاب البيولوجي أولا وآخر، وللمرء أن يتخيل حيازة جماعة إرهابية ما لسلاح بيولوجي قادر على التفشي وسط العالم وإبادة الملايين، وهنا تكون الكارثة لا الحادثة، وأمام فيروس كورونا يبدو وكاننا نرى أحد أفلام الخيال العلمي تترجم إلى واقع على الأرض.

الأمر الآخر الذي ينبغي السعي في طريقه من اجل مجابهة هذه الفيروسات هو تركيز الاهتمام على حالة المناخ العالمي، فهناك مخاوف من أن تكون هناك علاقة ما بين فيروسات مستجدة وتطورات الأوضاع المناخية المتدهورة حول الكرة الأرضية في العقود القادمة.

ثالثا أنها لحظة المصالحة الحقيقية مع البحث العلمي، ذاك الذي يتوجب أن تفرد لها مساحات واسعة في موازنات العالم المالية، فبقدر الإسراع في التوصل إلى أمصال مضادة للفيروسات المختلفة بمقدار ما تستنقذ البشرية ذاتها من الضياع.

وفي كل الأحوال قد تكون أزمة فيروس كورونا دعوة للاستيقاظ من عولمة اللامبالاة.