أفكار وآراء

توقعات 2020: تراجع غير عادي في اقتصاد العالم

09 فبراير 2020
09 فبراير 2020

الإيكونومست - ترجمة قاسم مكي -

كثيرا جدا ما تقضي أسعار الفائدة المتصاعدة والانهيارات المالية على التوسعات الاقتصادية (فترات النمو الاقتصادي). إنها تلك المفاجآت التي تتسبب في هبوط الطلب على السلع والخدمات في الاقتصاد ككل. ونادرًا ما يحدث انكماش يتعلق بجانب العرض. وهو الانكماش الذي تحرم فيه الاقتصادات من قدرتها الإنتاجية.

فنحن لم نشهد منذ صدمات سعر النفط في السبعينات تراجعا عالميا يمكن أن يعزى أساسا إلى عرض السلع والخدمات. لكن إذا حدث تراجع اقتصادي على نطاق العالم في عام 2020 يمكن أن يعزى إلى هذا النوع من التراجعات. لماذا؟

لأن المتسبب فيه سيكون أساسا الحواجز التجارية التي نصبت بين الصين وأمريكا. لقد اشتد وطيس المعركة التجارية بين خلال معظم عام 2019 في حين كان من المتوقع أن تصل إلى نهايتها.

نعم تحسنت العلاقات بين البلدين قليلا في أكتوبر 2019 مع تأجيل بعض الرسوم الجمركية. لكن نهاية العداوات لا تزال بعيدة بعض الشيء.

وليس بعيدًا أن يبدأ معدل الرسوم الجمركية العام الجديد عند 6% في المتوسط. وهو المعدل الأعلى خلال هذا القرن. إلى ذلك تتمدد الرسوم كي تغطي الواردات التي تقل بدائلها الجاهزة. ويجري إجبار الشركات وسلاسل إمدادها على إجراء تعديلات ومواءمات مزعزعة للإنتاج. وستؤثر في النهاية على الاقتصاد بِرُمَّتِهِ.

لا يقدم لنا التاريخ توضيحا يُذكَر للكيفية التي يبدو عليها الانكماش الناشئ عن الحرب التجارية أو نوع السياسة الصحيحة لمواجهته. كما لا يبدو أن النظرية الاقتصادية مفيدة في هذا الصدد. هي تتنبأ بأن الرسوم الجمركية، مثلها في ذلك مثل كل اختلالات جانب العرض، ستكون تضخمية. في الحقيقة أكثر الآثار الظاهرة للحرب التجارية حتى تاريخ اليوم كانت تدني ثقة قطاع الأعمال وتدهور الصناعة العالمية وتلكؤ الاستثمار. الأرقام المتوقعة للتضخم متدنية. كذلك هي الحال أيضًا مع أسعار الفائدة في الأجل الطويل الأمر يجعل التباطؤ يبدو عاديا بقدر أكبر. الجانب الإيجابي لهذا يتمثل في أن السياسات الصحيحة المطلوبة تصبح أوضح. فالاقتصادات بحاجة إلى التحفيز.

لقد شرع بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي في خفض أسعار الفائدة واستأنف البنك المركزي الأوروبي سياسة التيسير الكمي. ومن جانبهم خفف صانعو السياسات الصينيين من تشددهم في السياسة النقدية والمالية. رغما عن ذلك تصطدم البنوك المركزية في العالم الغني بالحدود المفروضة على السياسة النقدية. فأسعار الفائدة في أوروبا «سلبية». ولا يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن يستمر في شراء السندات إلى الأبد دون أن يواجه قيودا قانونية. ولا يوجد لبنك الاحتياط الفيدرالي مجال أوسع كثيرًا لخفض أسعار الفائدة.

البنوك المركزية الوحيدة التي تبدو حرة في دعم اقتصاداتها هي تلك التي توجد في بلدان الأسواق الصاعدة. فأسعار الفائدة فيها أعلى وسياسة بنك الاحتياط الأمريكي «بركة» بالنسبة لها لأنها تزيل الضغط على عملاتها.

يشكل إحلال كبار المسئولين الدوليين مصدرًا آخر للبلبلة. تتولى كرسيتن لاجارد الآن رئاسة البنك المركزي الأوروبي. وعلى الرغم من أنها تشاطر سلفها ماريو دراغي «حمائميته» إلا أنها ستصارع للحفاظ على تماسك مجلس محافظي البنك المركزي مع ازدياد سخط أعضائه الشماليين من أسعار الفائدة السلبية وشراء السندات.

ومن المقرر تعيين محافظ جديد لبنك إنجلترا بدلا عن مارك كارتي. كما حلَّت كريستالينا جورجيفا، وهي مسؤولة كبيرة في البنك الدولي، محل لاجارد في رئاسة صندوق النقد الدولي.

أيضا ستترتب عن الانتخابات الرئاسية في أمريكا آثار عميقة بالنسبة لكل من الحرب التجارية والسياسة الاقتصادية. فإذا أعيد انتخاب دونالد ترامب قد يتوقع المستثمرون هجوما على استقلال بنك الاحتياط الفيدرالي يشمل استبدال رئيسه جيروم باول بشخصية سهلة القياد عندما تنتهي فترته في عام 2022.

بالمقابل إذا وصل مرشح ديمقراطي إلى البيت الأبيض سيتخلى عن سياسة خفض الضرائب التي يطبقها ترامب ويشن هجومًا على الأثرياء. في كلا الحالين ستدخل السياسة النقدية الأمريكية في فترة تقلُّب.

في العام الحالي (2020) سينهي بنك الاحتياط مراجعة إطار سياسته النقدية. ومن المحتمل أنه سيتعهد باستهداف نسبة 2% للتضخم في المتوسط على مدار الدورة الاقتصادية ككل بدلا عن كل الوقت. وينبغي أن يمكَّن السماح باستمرار التضخم بعد تراجع الاقتصاد من تعزيز مكافحة تدهوره.

كما على بنك الاحتياط أيضا التصدي لنتائج التراجع عن التيسير الكمي في السنوات الأخيرة. فبتحويله أموال البنك المركزي من الوفرة إلى الندرة قاد هذا التراجع مؤخرًا إلى متاعب تتعلق بأسواق إقراض النقد لليلة واحدة.

سيتوسع بنك الاحتياط في موازنته مرة أخرى للتلطيف من وطأة النقص في النقود وضمان تغلغل سياسته النقدية عبر النظام المالي.

إن الانكماش ليس حتميًا. وفي بلدان عديدة خصوصًا الولايات المتحدة تشكل أسواق العمل المعافاة وثقة المستهلكين متاريسا ضده. لكن هذه الدفاعات بدأت في التشقق.

هنالك سيناريو «لأسوأ ما يمكن أن يحدث». إنه سيناريو يجب أن يثير قلق مسؤولي البنوك المركزية في كل مكان وهو تحول الحرب التجارية إلى حرب تضخمية ربما يزيدها سوءا ارتفاع أسعار النفط فيما يتباطأ النمو.

يترنح اقتصاد العالم على حافة نوع غير معهود من التراجع الاقتصادي مع دخول البنوك المركزية في فترة تقلُّب. هذا الوضع لن يريح أحدا.