المنوعات

مرفأ قراءة.. «قاموس الأدب العربي».. مدخل معاصر

08 فبراير 2020
08 فبراير 2020

إيهاب الملاح -

-1-

سعادتي لا توصف بصدور هذه الطبعة الجديدة 2019، المزيدة المنقحة، التي طرحتها الهيئة المصرية العامة للكتاب من «قاموس الأدب العربي الحديث» (يقع في 900 صفحة من القطع الكبير؛ نهران في كل صفحة)؛ بإشراف وتحرير الدكتور حمدي السكوت؛ الأستاذ الفخري بالجامعة الأمريكية بالقاهرة (شفاه الله وعافاه ومتعه بموفور الصحة واللياقة).

هذا القاموس الذي اقتنيتُ طبعته الأولى عن دار الشروق عام 2008، حيث كنت وقتها أعمل محررًا ثقافيًّا بأحد المواقع الإلكترونية الرائدة في مصر الجديدة، وكان للشروق مكتبة في الشارع الخلفي الموازي لمقر الموقع، ومنها اشتريت هذا القاموس.

يهدف القاموس إلى «تقديم معلومات صحيحة وواضحة وسريعة ومحدثة» حول الأدباء المبدعين في كل أنحاء العالم العربي، ويغطي الفترة من أوائل القرن التاسع عشر حتى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، فضلًا عن مداخل ممتازة لبعض الكتب التنويرية المهمة، وأبرز المجلات الأدبية والثقافية التي لعبت دورًا بارزًا طوال القرن العشرين، وكذلك عن عدد من المكتبات ذات التاريخ والأهمية في الوطن العربي».

كما يضم أيضًا مواد مهمة أخرى تشمل الراحلين من كبار العلماء المثقفين من أمثال مصطفى مشرفة، ومحمد كامل حسين، وأحمد مستجير، ومن كبار النقاد والمفكرين التنويريين مثل طه حسين، والعقاد، ومحمد حسين هيكل، وعلماء الإنسانيات، وغيرهم، وقد جاوز عدد المداخل الألف والثلاثمائة مدخل.

-2-

هذا تعريف موجز بالقاموس، الذي لا بد أن أعترف بأنني منذ اقتنيتُ طبعته الأولى قبل ما يزيد على العشر سنوات يكاد لا يفارق مكتبي ولا أستغني عنه، ذلك أنه بالفعل واحدٌ من أفضل الكتب والمداخل التي تغطي مساحة جدّ واسعة وعريضة من الترجمات الموجزة، والتعريف بأبرز وأهم أعلام أدبنا العربي الحديث، ليس في مصر فقط إنما في أرجاء العالم العربي كافة من الخليج إلى المحيط، وقد أسعفني بمواد رائعة عن كتاب وأدباء من الكويت والسعودية وعمان والبحرين، واليمن، والجزائر، وموريتانيا، لم أكن لأعرف عنهم الكثير لولا ما أمدتني به المداخل التعريفية المكتوبة عنهم في القاموس.

كل ذلك، مع توسعات في تحرير مواد تتصل بمظاهر النشاط الأدبي التي كانت تميز النصف الأول من القرن العشرين؛ مثل التعريف بالمجلات الثقافية، والصحف والدوريات التي لعبت دورًا مؤثرا في الحياة الثقافية، وكذا التعرض لبعض مظاهر هذا النشاط، وما يتصل به من ظواهر أدبية؛ مثل الصالونات والمقاهي الأدبية، والأسر الثقافية ذات النشاط الإبداعي والفكري.. إلخ.

-3-

أما أهم وأقيم ما في هذا القاموس -في رأيي- فهو فريق المحررين المكون من كبار أساتذة الأدب والنقاد من الأكاديميين العرب والمستعربين الأجانب، الذي قام على تحرير مواد الموسوعة، بإشراف حمدي السكوت (الأستاذ الفخري بالجامعة الأمريكية‏،‏ وأستاذ الأدب العربي، ومدير مركز الدراسات العربية، ووحدة بحوث الأدب العربي بالجامعة الأمريكية سابقًا‏،‏ وصاحب أول ببليوجرافيا علمية شاملة للرواية العربية‏،‏ وأول سلسلة بيوجرافية نقدية ببليوجرافية عن أعلام الأدب المعاصر في مصر‏:‏ طه حسين، والعقاد، والمازني، وأحمد أمين، ونجيب محفوظ، وغيرهم‏،‏ بالاشتراك مع العالم والمستعرب الراحل الدكتور مارسدن جونز الأستاذ بالجامعة الأمريكية)‏.‏

سنوات طويلة عكف فيها الباحثون المسهمون في هذا العمل الضخم على تحرير مواد القاموس؛ نقاد كبار وأساتذة جامعيون، وكتاب وأدباء ومؤرخون‏،‏ من بينهم، مثلًا، الناقد والأكاديمي الدكتور محمود الربيعي نائب رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، والأستاذ الدكتور أحمد درويش الناقد والأكاديمي المعروف بالجامعات العربية‏،‏ والمرحوم الدكتور علي عشري زايد الأستاذ في كلية دار العلوم‏،‏ والمستعربة الإيطالية فرانشسكا ماريا كوراو، واللغوي القدير الدكتور سعد مصلوح‏،‏ والناقد الدكتور محمد بدوي، والدكتورة نادية بدران، والدكتور يوسف نوفل، والدكتور محمد بريري، والناقد الدكتور صبري حافظ، والناقد الدكتور محسن الموسوي، والدكتور عبد الحميد شيحة، والناقدة الدكتورة أمينة رشيد‏،‏ والكاتب الروائي محمد جبريل‏،‏ والباحثة الأكاديمية مها صالح‏،‏ والمؤرخ الأدبي الكبير وديع فلسطين‏،‏ والأديب الراحل الكبير يوسف الشاروني، والدكتور منصور الحازمي والدكتورة عزة بدر، والشاعرة والأكاديمية الموريتانية الدكتورة مباركة بنت البراء، والدكتور عاطف العراقي، وعشرات آخرون (بلغ عدد المساهمين في تحرير القاموس ما يقرب من مائة محرر).

-4-

يضم القاموس ما يزيد على الألف مدخل؛ يدور معظمها حول المبدعين العرب‏،‏ في مجالات الشعر والرواية والمسرح والقصة‏ والنقد،‏ أو حتى المكتوبة بالإنجليزية أو الفرنسية‏،‏ والنقاد العرب الذين رحلوا عن عالمنا‏،‏ بعد أن تركوا أثرا واضحا في مجال النقد والدراسة الأدبية‏.‏

والقاموس هنا يستخدم مفردة «الأدب» بالمعنى الثقافي الشامل؛ أي أنه لا يقتصر على من أنتجوا أدبا في صورته النوعية؛ من قصة وشعر ورواية ومسرحية، إنما يوسع الدائرة ويتضمن «الأدب» هنا الإنتاج الفكري والعلمي والفني بمنحاه الثقافي العام؛ أي أنه هنا يستخدم مفردة «الأدب» كما تشيع في أدبيات الثقافة الغربية؛ باعتبارها مرادفة للثقافة والعلوم الإنسانية، وبما يشمل الفلسفة والتاريخ والاجتماع والدراسات الثقافية.. إلخ.

ويكشف الدكتور السكوت في مقدمته أنه «في ظل غياب أية موسوعة عربية علمية ملائمة للشخصيات‏،‏ كان لا بد من إضافة عدد من كبار الراحلين الذين لا غِنى للمثقف العربي عن الإلمام بِسيرهم‏،‏ ومنهم كبار المفكرين والمثقفين العرب‏:‏ الطهطاوي، والأفغاني، ومحمد عبده، والكواكبي، وقاسم أمين، وبشر فارس، وفرح أنطون، ولطفي السيد، وهدي شعراوي، وصفية زغلول، ونبوية موسى، وسيزا نبراوي، ودرية شفيق، وغيرهم‏،‏ وعدد من كبار العلماء والفنانين والمهتمين بالفكر الفلسفي‏،‏ وكبار الصحفيين من بينهم‏:‏ علي مصطفى مشرفة‏،‏ ومحمد كامل حسين‏،‏ وأحمد مستجير، ومحمود مختار، وحسن فتحي، ومصطفى عبد الرازق، وعبد الرحمن بدوي، وزكي نجيب محمود، ومحمد التابعي، وفكري أباظة، وعلي مصطفى أمين، وأحمد بهاء الدين، وغيرهم‏،‏ وكبار المسرحيين والسينمائيين والموسيقيين من أمثال يوسف وهبي، والريحاني، وزكي طليمات، وبديع خيري، وأمينة رزق، وسيد درويش، وعبد الوهاب، وأم كلثوم، وغيرهم‏».‏

بهذا المعنى يتجاوز القاموس أيضًا فكرة التراجم والسير الموجزة ليكون أشبه بدائرة معارف وموسوعة ثقافية بكل معنى الكلمة، وهو ما يضفي عليه قيمة مضاعفة ومتعة متجددة أيضًا حال التصفح الحر والتجوال المفتوح بين صفحاته ومواده.

-5-

ولعل سبب حماسي الشديد إلى هذا العمل، هو افتقاد مكتبتنا العربية إلى ما أسميه كتب (المداخل والمفاتيح) وهي نوعية من المؤلفات وظيفتها الأساسية هي فتح المجال أمام القارئ العادي أو المتوسط للتوسع في موضوع أو قضية ذات طابع علمي أو فكري أو أدبي.. حول مسألة ما. خصوصا إذا كان المشهد يتسم بالفوضى والارتباك والتباس الرؤية، وغياب المنهج والتفكير العلمي والسؤال النقدي، فبات كل شيء «سداح مداح»، افتقد الكثيرون البوصلة وغاب عنهم الشكل الأمثل لتنظيم المعرفة والتدرج في التخصص، وصولًا إلى امتلاك ناصية الموضوع الذي يشغلهم أو يهتمون بالبحث فيه.

لن تجد مؤلفا واحدا يفي بمثل هذا الغرض، ومستوفيا لشرائط التأليف العلمي والمنهجي، خصوصا إذا كان العمل يتسم بالموسوعية والشمول، هذا جهد ضخم ينوء به الأفراد وحدهم، ولا بد أن تتصدى له المؤسسات المعنية بدعم مثل هذا اللون من النشاط التأليفي، لتوفير ما نحتاجه منها لنضعه بين أيدي الشباب والمقبلين على المعرفة في مستهل حياتهم كي يرتقوا الدرج بدلا من التعثر والتخبط واللجوء إلى المتاح، وهو في الغالب «لا نفع منه ولا فيه»!