assem
assem
أعمدة

نوافذ: وقفة مع بعض ما جرى في عُمان

08 فبراير 2020
08 فبراير 2020

عـاصـم الشــيدي -

[email protected] -

يحتاج كل ما حدث في عُمان خلال الفترة القريبة الماضية إلى الكثير من الوقفات المتمعنة. وقفات قراءة وتوثيق لأدق تفاصيل الأحداث التي شاهدناها تجري أمام أعيننا.

كان المشهد عظيما، ورغم الحدث الجلل إلا أن شيئا لم يترك للصدفة.. أو للحظة عذر تجيزها فكرة أن اللحظات كانت محتشدة بالحزن والألم ولوعة الفرق وهي لحظات، بهذا المعنى، يمكن أن تحدث فيها اجتهادات غير مدروسة، أو ربما تحدث بعض إرهاصات فوضى.. وكل هذا في لحظة من اللحظات قابل للفهم والتجاوز. رغم ذلك فإن كل ما حدث كان محسوبا بالمسطرة والقلم ليعبر المشهد كما عبر في انتظام تام وهدوء ليس غريبا على عُمان التي تعودت أن تعطي الكثير من الدروس للعالم. ولكن الدرس هذه المرة كان عميقا ولذلك فإن توثيقه بالتحليل من الأهمية بمكان، ولا يجب إهماله أو تأجيله.

وإذا كنتُ قد شاهدت كما شاهد جميع العمانيين والعالم ما حدث فإنني لا أريد للأيام أن تعبر إلى سيرورتها الطبيعية وتغيب الأحداث وسطها قبل أن أعبرّ عن شكر عميق لمن صنع المشهد المؤثر الذي عمّق فينا كعمانيين شعورا بالثقة أنّ بلادنا تقف على أرض قوية راسخة لا تتزعزع أرساها السلطان الراحل استمرارا لتاريخ طويل جدا قبله يعود لفجر التاريخ الأول.. وهو مشهد فتح وصية السلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، وأعني وصية الحكم وليست الوصية الشخصية. وهو مشهد تشكل من طرفين: الطرف الأول مجلس الأسرة الحاكمة، والطرف الثاني مجلس الدفاع. وكل منهما تعامل بحكمة لن ينساها التاريخ أبدا وستبقى مادة للدراسة التاريخية في عُمان والمنطقة.

لقد تحمل مجلس العائلة الحاكمة مسؤولية جسيمة وتعالى أعضاؤه فوق طموحاتهم الشخصية وفوق تطلعاتهم ولم يروا في تلك اللحظة التاريخية الحاسمة من عمر الوطن التي كان يترقبها العالم أجمع إلا عُمان ومستقبلها واستقرارها، وإرث السلطان الخالد، والمعلم الأول، الذي كان لا بد أن يستمر دون أن تشوبه أي منغصات محافظين على عراقة أسرتهم الضاربة في التاريخ. ولذلك أجمعوا أن يحتكموا إلى وصيته مباشرة لثقتهم الكبيرة فيه وفي اختياره السديد لعمان نظرا لبعد نظره الثاقب، وإلا فمن لا يطمح ويرجو أن يكون على عرش عُمان!! رغم أن الاستواء على ذلك العرش ليس سهلا ولا هينا، فهو عرش ممتد رسوخه عشرات الآلاف من السنين.. ويمكن أن نفهم مغزى الكلمة التي قالها صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق، حفظه الله، بعد أن سمع نص وصية السلطان الراحل: «والحمد لله على كل حال» ليقينه أنه أمام أمر عظيم جدا، وحمل ثقيل جدا جدا.

أما الطرف الثاني من ذلك المشهد الخالد في تاريخ عُمان فهو مجلس الدفاع ومن ورائه جميع منتسبي قوات السلطان المسلحة بأجهزتها العسكرية والأمنية التي أثبتت أنها على قدر المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقها في لحظة الجد، وأنها كانت على قدر الوعد والقسم.

كنت أرقب المشهد، كما يفعل غيري، فلم أجد إلا قادة عسكريين تحملوا الأمانة الملقاة على عاتقهم وأبروا بقسم يمينهم أمام الله وأمام السلطان الراحل.. ولذلك سارت كل التفاصيل بشكل دقيق جدا دون اجتهادات خارج النص والسياق. وهذا دليل أن هذه المؤسسة العسكرية عريقة أيضا، ولها قيمها، وتقاليدها وأن كل ما يمكن أن يحدث كان في حسابها الدقيق.

فشكرا لكم جميعا أن صنتم عُمان وحفظتم أمنها ومكانتها بين الأمم وتعاليتم في لحظة الحزن والأسى على مشاعركم من أجل أن تبقى عُمان جوهرة مصونة. ووالله ليس هناك أصعب من هذا الاختبار الذي مررتم به جميعا، لأن التاريخ وحده هو الذي سيصدر حكمه على ما فعلتم.