ahmed22
ahmed22
أعمدة

السلطان قابوس... القائد الملهم

08 فبراير 2020
08 فبراير 2020

د. أحمد بن سعيد الشعيلي -

مولاي جلالة السلطان قابوس بن سعيد؛ رحمكم الله رحمة واسعة وأسكنكم الفردوس الأعلى من الجنة.. اللهم آمين.

في بداية مقالتي لا بد أن أعترف بأنني عاجز عن الإيفاء بموسوعة المناقب الجمة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم المغفور له بإذن الله تعالى ،،،

أبــونــا أب لــو كــان لـلــناس كــلـهم *** أب مـثــلـه أغــنــاهــم بالــمـناقــــب

فيا مــولاي صَـــاحـــب الـجَــلَالَــة ـــ أنتم راسخون في ضَمِير هَذه الأُمّة، ولن تزالوا أَنصَع وَرَقَة في تَارِيخهَا الحَدِيث، فِإنّ هَذَا الوَطَن الغَالي عُمَان لَيَفخَر بِحِكمَة جَلَالَتكُم الرّشيدَة، ومَسِيرتكُم المُظَفّرَة، بِمَا وَهَبتُموه مِن عُمركُم المَنذُور لَه، وَمِن عَطَائِكُم الخَالِد فِيه }يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ»{ .

أمــولاي تـفـــديـــك الــنــفــوس جــمـيعــها ... فـهــل لــيـراعــي أن يـخــط فــيـشهد

وإنه إذا أسعفني الحال بالتعــبــيـر، فما أنا إلا كاتب أخــط بقلمي ما يمليه لسان عُمان الغالية وشعبها الوفي، وأدوّن صوت العالم وشعوبه قاطبة، حمدا للجميل والفضل الواسع، وعرفانا بالإحسان، مستحضرا قول الشاعر الفذ:

مــدحــتـك والدنـيا لـسـان وأهـلــها *** جـمــيـعا لسـان يمليان وأكـتـب

وإنك ـــ يا سيدي ـــ وإن فارقـتــنا جسدا، فـــأنــك بلا شك حــاضــر بـيــنــنا بروحــك السامية، بعــطـائـك الخالد، بـتـاريخك المجيد. والشهادة شمس ساطعة لا تغيب أبدا، وهي تشهد على أياديك البيضاء في بناء عمان الإنسان ودولة المؤسسات بحكمة رائدة، وقدرة فريدة، ورؤية ثاقبة، وبصيرة متقدة نافذة، حتى جـعــلْـتــنا ـــ يا مولاي ـــ أمة قـادرة، مـتـعـلمة، متطلعة إلى بلوغ الغايات السامية. فقد نهضت بعمان ونحن شهود، حيث يقف الزمن دون فضلك خشوعا واعترافا بجلائلك الوتر وسماتك الفذة التي لا نظير لها.

مـكــيـن على مــتــن الــوجــود مــؤيــد *** بــشــمــس استواء ما لها الدهرَ مغربُ

نعم؛ لقد تأســس فكركم السامي على مبادئ الحق والعدل والمساواة... ارتكز على مفاهيم الحكم الرشيد ذات الصبغة الإنسانية والعالمية القيّمة بناء على مبادئ الشراكة والتعاون، وقيم التسامح والتفاهم، وعلى نظم التعايش والتعارف بين شعوب العالم كافة. ولقد تشكّل بناء على موسوعة المعايير الحضارية والمدنية بكل مفرداتها في البناء والتطوير والتطلع نحو مستقبل زاهر. ( قد أثبت النهج الذي اتبعناه في سياستنا الخارجية خلال العقود الماضية جدواه وسلامته بتوفيق من الله ونحن ملتزمون بهذا النهج الذي يقوم على مناصرة الحق والعدل والسلام والأمن والتسامح والمحبة والدعوة إلى تعاون الدول من أجل توطيد الاستقرار وزيادة النماء والازدهار ومعالجة أسباب التوتر في العلاقات الدولية بحل المشكلات المتفاقمة حلا دائما وعادلا يعزز التعايش السلمي بين الأمم ويعود على البشرية جمعاء بالخير العميم ) . من الخطاب السامي بمناسبة الانعقاد السنوي لمجلس عُمان لعام 2006م

لقد أولى السلطان الراحل، طيب الله ثراه، عناية خاصة بالإنسان العماني، وأعطاه القيمة الفعلية الكاملة، وذلك عندما رسَـمَ سـياسـة النهضة، ووضـع نـُظم التطوير وفـق أُسُـس معيارية نبيلة، واستنادا إلى رؤية دقيقة تلاحظ الأصالة والمعاصرة، تأسُّـسا على وحـي من التاريخ الماضي وقراءة في الحاضر، من أجل أن يتحقق الهدف الأسمى المتمثّل في بناء الوطن والمواطن، وكرامة الفرد والمجتمع. وقد عبر خطاب جلالة السلطان، رحمة الله عليه، بالقول: ( التنمية ليست غاية في حدّ ذاتها، وإنما هي من أجل بناء الإنسان الذي هو أداتها وصانعها، ومن ثم ينبغي ألا تتوقف عند مفهوم تحقيق الثروة، وبناء الاقتصاد، بل عليها أن تتعدى ذلك إلى تحقيق تقدّم الإنسان وإيجاد المواطن القادر على الإسهام بجدارة ووعي في تشييد صرح الوطن ).

إن السياسة العمانية تولي عناية خاصة بالمورد البشري، وتعتبر الإنسان المتوقد هو الأداة الفعّالة في نجاح التنمية المستدامة الشاملة، وتعده الضمانة في تنوير المستقبل، وهذا الفكر المتنور لصاحب الجلالة المعظّم ينطلق بالأساس من الوعي الكامل والإدراك التام بالقيمة الفعلية للمخرج البشري، كما ينطلق في ضوء قراءة متخصصة ونوعيّة وناقدة لمفردات الحضارة والتاريخ.

إنني أريد من خلال هذا المقال؛ أن أشهد بأن صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ــ المغفور له بإذن الله ــ كان قائدا ملهما والحمد لله تعالى. وقد هيأته العناية الإلهية، وجادت به القدرة الربانية، فكان ــ رحمة الله عليه ــ أمنا وسلاما، سخاء رخاء، على عمان وشعبها بالأخص، وعلى الأمة العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء .

لقد استطاع العمانيون بالجهود المتظافرة أن يحققوا درجة من التطوّر أفضل وأجود، ما زاد من مستوى الرفاه لدى المواطن على جميع الأصعدة، فقد كانت سياسته الحكيمة قد رسمت الأنظمة البنيوية وفق مراحل مدروسة وخطط خمسية واضحة باستحضار المعطيات الواقعية والموضوعية، وآخذة الاعتبارات الإنسانية مفردات جوهرية من أجل نهضة حقيقية وفاعلة، وإن هذه الصفات النبيلة والمرتكزات الحيوية قد شغلت الفكر السامي منذ البداية من أجل الوطن والمواطن... إنها منجزات قيّمة للغاية على درب التقدّم والرخاء والازدهار، وهي تستحق وجوبا العرفان الكامل والثناء الحسن والتقدير الخالص لباني عمان المجد .

إن الإرادة السلطانية السامية شكلّت الإنسان العماني وفق متلازمات التاريخ والحضارة، ولقد عملت باستمرار على تكوين المجتمع الذي يحمل رسالة الحياة في موسوعتها، من الثقافة والمعرفة إلى الأمن والاستقرار والسلام، ومن الصحة والتراث والمواطنة والمسؤولية، إلى الأخلاق والمساواة والعدل والكرامة، ومن البيئة والجغرافيا والتاريخ، إلى الاقتصاد والصناعة والفن والعمارة....» نعم، لقد شكّلت المجتمع الذي يؤمن بثوابته التاريخية، ومرتكزاته الوطنية، وقيمه السامية.... أنتجت الإنسان الذي يوازن بين جميع المعطيات ليرسم خطته للسلام العالمي والعلاقات الدولية، أخرجت الإنسان الذي يمكنه أن يقدّم أعماله العلمية وفق نظم الأبحاث والدراسات، ليتمكّن من وضع الأسس الموضوعيّة في إطار من النهج المعتدل والمتوازن، كما أنها هيكلت الإنسان الذي يتمتع بمواصفات العقل التطلّعي، ويسعى إلى تقديم الإصدارات المعرفيّة على جميع الأصعدة، وذلك وفق القوانين المفروضة من أجل البناء التنموي التعددي... يعني بالمجمل، ذلك العضو الوطني التي ترغب في تنشئته كل الدول والهياكل الأممية والعالمية.

إن المواطن العماني - اليوم - يفاخر بمنجزات النهضة المباركة على الصعيد العالمي حيث تمثّلت له قيم الاجتماع، وتشكّلت له أنماط الحضارة والمدنية...من هنا نجد المواطن العماني ينقل قصة نجاحه لمحيطه الإقليمي ويتسامى بها على المستوى العالمي، فيا أيها التاريخ سطّر مادتك ومعارفك، فإن النظرة الحكيمة تعتقد أن الإنسان هو المكوّن الفعلي لمفهومات التطوّر والارتقاء التي رسّخ قوانينها جلالة السلـطان قابوس ــ رحمة الله عليه ــ فالحضارات بكل مصادرها التاريخية والفلسفية والسياسية الاقتصادية والثقافية والتجارية والصحية والبيئية... كل ذلك تعبير عن التطور التاريخي للتجربة الإنسانية...كما أن الأمن الفردي والاجتماعي يكوّن الأساس الاعتباري لمادة التاريخ السلمي لدى الشعوب...إنه يضمن راتوب الحياة الكريمة، بمعنى أنه الأداة التي تصّنع مفردة الإيلاف في مادة علم الاجتماع... فكل هذه المفاهيم والمعايير قد لاحظتها الرؤية السامية بقوة وحضور تام.

إن كل ما تحقق في ظل جلالة السلطان قابوس، طيب الله ثراه، إنما يدّل دلالة قاطعة على سياسة حكيمة وعزيمة مكينة قادرة على تجسيد قيم المواطنة بمفهومها الواسع والشامل، ويحتل هذا الملف أولوية ماسّة في أنظمة الأمم المتحدة، وهاجس توظّف الدول من أجله الطاقات البشرية والمالية، ويتطلّب مجهودات واسعة على المستوى السياسي والاجتماعي والعلمي والاقتصادي، كما تشتغل به منظمات المجتمع المدني المحلية والإقليمية والعالمية ...

نعم، يشهد هذا المقال، بأن المواطن العماني في عهد النهضة المظفّرة، قد وجد طريقه إلى فضائه الواسع بكل ما يعنيه ذلك من مفرداته في العلاقات الدولية، وأن عُــــمان قد نعمت بالأمن والاستقرار، وقد نهضت مع نظيراتها في المجتمع الدولي، حيث نقلته النهضة المباركة إلى حياة آمنة..ومنظّمة..وصحية...نقلته إلى عالم حر..ومتنوّر..ومدني..إلى دولة المؤسسات والقانون...وتوّفرت له فرص الازدهار والتنوّع والتطلّع...ورسخت فيه هويته الحضارية والتاريخية...

إن عزاءنا في فقيد الأمة والوطن جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ــ طــيــب الله ثــراه ــ أن نسير على دربه بكل عزيمة راسخة. لبيك وأبشر ــ يا مولاي ــ فنحن ماضون على نهجكم، عاقدون العزم بالسير على خطاكم، مصممون للعمل على رفعة عمان حتى تتبوأ منزلتها اللائقة والرائدة بين دول العالم أجمع بشكل دائم .