أفكار وآراء

صفقة ترامب وأوروبا

08 فبراير 2020
08 فبراير 2020

هيو لوفات - المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ترجمة قاسم مكي

بعد ثلاث سنوات من التخمينات والضجيج الإعلامي كشف الرئيس الأمريكي ترامب عن «صفقة قرنه» بشأن إسرائيل- فلسطين.

تدعو الوثيقة السياسية للصفقة (39 صفحة) إلى حل دولتين «واقعي». وترفض المعايير المتفق عليها دوليا لتعريف مفهوم الدولتين.

لم تقدم الولايات المتحدة، رغم مصادرتها «لافتة» حل الدولتين، مستقبلا سلميا ومستداما للإسرائيليين والفلسطينيين في دولتيهما. بدلا عن ذلك، سيرسخ مقترحُها واقعَ الدولةِ الواحدة والذي يعني احتلالا مفتوحا وحقوقا غير متساوية للفلسطينيين.

كان الاتحاد الأوروبي واضحا في أنه لا يمكنه تأييد أية خطة للولايات المتحدة تخالف المعايير المتفق عليها والقانون الدولي والقرارات السابقة لمجلس الأمن. وخطتها الحالية تجافي هذه الأشياء. لذلك، على الاتحاد الأوروبي رفضها بِرُمَّتِها واتخاذ الخطوات اللازمة للحيلولة دون تحولها إلى نقطة مرجعية جديدة وخطرة لمحاولات حل الصراعات الفلسطيني - الإسرائيلي.

على الرغم من تبجح ترامب بأن هذه الصفقة «جيدة للغاية بالنسبة لهم» إلا أن الفلسطينيين يعتبرون شروط خطته ليست أكثر من استسلام مفروض أمريكيا.

إن أية فائدة محدودة للخطة، إذا كانت مثل هذه الفائدة موجودة أصلا ستتحقق فقط في الأجل الطويل. لكن تكاليفها فورية. فالفلسطينيون يلزمهم الخضوع لواقع مفروضِ ليس لهم فيه رأي حول حياتهم أو مصير بلدهم وفي الوقت ذاته التخلي عن توقع الحصول على حقوق متساوية في دولة ثنائية القومية.

وفي حال لم يقبل الفلسطينيون هذا العرض « السخي» خلال فترة أربعة أعوام سيُسمَح لإسرائيل بالشروع في أنشطة استيطانية بمناطق خصصتها الخطة للفلسطينيين (المنطقتين ألف وباء).

هذه نتيجة لا يمكن أن يقبلها الفلسطينيون. كما لا يجب قبولها أيضا من جانب الاتحاد الأوروبي.

كما تسمح الخطة لإسرائيل ببسط سيادتها فورا على كل المستوطنات الإسرائيلية (في المنطقة ج) الأمر الذي سيترتب عنه ضم ما لا يقل عن 30% من الضفة الغربية وذلك في انتهاك للقانون الدولي والميثاق المؤسس للأمم المتحدة. أيضا تعطي الخطة ضوءا أخضرا لضم وادي الأردن والمناطق الأخرى المهمة استراتيجيا حول القدس والتي يعتبرها الاتحاد الأوروبي بالغة الأهمية لجدوى حل الدولتين. في المقابل سيُمنَح الفلسطينيون حكما ذاتيا مستديما. وسيحصلوا على مسار يقود إلى الاعتراف بهم استنادا إلى مفاوضات متجددة وقائمة طويلة من الشروط المقررة بواسطة الولايات المتحدة وإسرائيل، بما في ذلك (ولكن ليس مقتصرا على) بناء المؤسسات والحكم الرشيد ونزع سلاح حماس وإجراء تعديلات على المنهج المدرسي ووقف دفع الرواتب لأسر الشهداء وإبطال كل إجراء ضد إسرائيل في الساحة الدولية بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية.

سينتج عن الخطة كيان ضامر وهزيل يتشكل من «بانتوستانات» مبعثرة في الضفة الغربية وغزة. وسيكون هذا الكيان خلوا من أية سيادة ذات معنى ومفتقرا إلى أية سيطرة على حدوده ومجاله الجوي ومياهه الإقليمية ومعظم موارده الطبيعية وبدون عاصمة في القدس الشرقية.

كما ستحتفظ إسرائيل بالسيطرة العسكرية التامة على الفلسطينيين وسيكون بمقدور قواتها الأمنية اعتقالهم كما تشاء.

أخيرا، تحرم الخطة حوالي ثلاثة مليون لاجئ فلسطيني في لبنان والأردن وسوريا من حقهم (الرمزي إلى حد بعيد) في العودة إلى إسرائيل.

باختصار، تعني الصفقة في جوهرها المزيد من التردي للوضع السيئ الحالي بمباركة من الرئاسة الأمريكية. وعلى الرغم من أنها مؤشر على تحول جذري عن التأييد الأمريكي السابق لحل الدولتين إلا أنها تصطف إلى جانب أفكار قدمها مؤيدو حركة المستوطنين في إسرائيل. فمنذ الأيام الأولى للاحتلال وضعت سياسةُ المستوطنات الإسرائيلية حجرَ الأساس لواقعِ الدولة الواحدة التي باركتها إدارة ترامب. أعني بذلك خطة آلون في عام 1967 بتقسيم الضفة الغربية بين إسرائيل والأردن وخطة مناحيم بيجن حول الحكم الذاتي للفلسطينيين تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية في عام 1977 وخطة التهدئة التي تقدم بها نافتالي بينيت مؤخرا وتدعو إلى ضم جزئي للضفة الغربية. لقد ظل الهدف الضمني دائما ابتلاع إسرائيل أكبر قدر من الأراضي بأقل عدد من سكانها الفلسطينيين.

على مرَّ السنين، حذر المسؤولون الإسرائيليون من عواقب الضم القانوني (للأراضي الفلسطينية). وتذكر وثيقة حكومية إسرائيلية بالغة السرية بتاريخ يوليو 1967 أن «الضم سيُنتِج مشاكل سُكَّانية خطرة». وترى الوثيقة أن على إسرائيل منح الفلسطينيين «نوع ما من الحكم الذاتي». وتدعو إلى «ترك الأمور بدون اتخاذ أي قرار واضح.» بفضل هذه الاعتبارات تجنبت إسرائيل حتى الآن ضم الضفة الغربية رسميا (باستثناء القدس الشرقية) وقبلت بالسلطة الفلسطينية.

بتأييده نزعة إسرائيل التوسعية وتشجيعه على الضم القانوني للضفة الغربية، يزيل ترامب الالتباس الذي مكَّن إسرائيل من الإبقاء على سيطرتها المفتوحة على الأرض. فهو بدلا عن ذلك، يضفي صبغة رسمية على النظام القانوني الازدواجي الذي يكرس التفرقة ويفضل الإسرائيليين اليهود على جيرانهم الفلسطينيين.

إن واقع الدولة الواحدة الذي عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لعقود على ترسيخه والذي توافق عليه الولايات المتحدة علنا الآن لا يقتصر فقط على حرمان الفلسطينيين من حقهم المعترف به دوليا في تقرير المصير ولكنه أيضا يهدد مستقبل إسرائيل كدولة أغلبية يهودية وديموقراطية. لا شك أن إسرائيليين عديدين يأملون في أن خطة الولايات المتحدة وتأييدها للحكم الذاتي الفلسطيني سيستمران في تمكين إسرائيل من تجنب التحديات التي تترافق مع منح المواطنة (الإسرائيلية) لحوالي خمسة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة. لكن في غياب مسار واقعي لحل دولتين «حقيقي» سيجد اليهود الإسرائيليون أنفسهم باطراد في مصيدة «واقع» الدولة الواحدة ومتساوين ديموغرافيا مع الفلسطينيين.

مع إقصاء واستبعاد خيار الكيان الفلسطيني الحقيقي، يمكن للإسرائيليين اختيار حماية الشخصية لإسرائيل بمواصلة حرمان الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وغزة من الحقوق الكاملة والمتساوية. يمكنهم أن يفعلوا ذلك فقط من خلال نظام أبارثيد (تفرقة عنصرية) يطبق بواسطة الحكم العسكري.

كما يمكن لهم، بدلا عن ذلك، اختيار الحفاظ على الشخصية الديمقراطية لبلدهم بإتاحة الحقوق الكاملة لكل الفلسطينيين بمن فيهم سكان غزة. لكن هذا الخيار الأخير يهدد الشخصية اليهودية لإسرائيل. إذا كانت الحكومات الأوروبية جادة في تجنب هذا الواقع عليها التعجيل باتخاذ خطوات حاسمة نحو «حل دولتين» قابل للتطبيق وفق المعايير المتفق عليها دوليا وذلك كأفضل وسيلة لضمان حقوق متساوية لكلا الشعبين.

هذا يعني رفض خطة ترامب والاعتراف بدولة فلسطين على أساس حدود 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لها. لقد تعهدت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا على القيام بذلك « في اللحظة المناسبة». واللحظة المناسبة هي الآن. على هذه الدول أيضا الوفاء بالتزاماتها القانونية من خلال تعميق وتوسيع سياسة الاتحاد الأوروبي في التفريق بين إسرائيل والمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة طبقا لقرار مجلس الأمن رقم 2334.

على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء التحذير من أن مثل هذا العمل ستكون له عواقب وخيمة. عليهم إعلان أن ذلك سيفضي، من بين أشياء أخرى، إلى تأييد أوروبي أكبر لآليات المحاسبة الدولية بما في ذلك تلك الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية. وهذه خطوة ظل الاتحاد وأعضاؤه حتى الآن مترددين في اتخاذها.

إن تآكل وتفتت «أساس» الأراضي الذي ينبني عليه حل الدولتين يعرض للخطر أسس اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل وبرامج التعاون.

وفي حال صار الخيار بين «الأبارثيد» والحقوق المتساوية دخل دولة ثنائية القومية (من الفلسطينيين والإسرائيليين معا) على الاتحاد الأوروبي توضيح أنه سيختار الأخيرة.