أفكار وآراء

الراحل الباقي

08 فبراير 2020
08 فبراير 2020

حفصة السبتية -

[email protected] -

على الرغم من مرور فترة زمنية قاربت الشهر؛ إلا أنني والكثير يشاطرني هذا الشعور، ما زلت أتساءل، هل حقا رحل؟ فالعقل ما زال لم يصدق، وكأنه لا يريد أن يصدق، وكأننا في حلم سنفيق منه بعد قليل على واقع مغاير، أو كأن ما شاهدناه قصة فيلم وليس واقعا نعيشه.

اللهم لا اعتراض، لكن الموقف جلل وصعب لكل من عرفه، عمانيا وغير عماني، فعقود خمسة في معايشة أي إنسان ليست بالأمر اليسير، فما بالك بمعايشة شخصية غير عادية، اختلط حبها بالدماء التي تسري في عروق الجسد، وانعجن بكل خلية من خلاياه، اسمه وشم نحت في القلب قبل اللسان، يتقدم دائما عند مناداتنا لأحد آخر، فقد جُبل اللسان على نطقه.

جبل تهدم أوجع القلب وتألم إن أردنا نطق اسمٍ، اسم قابوس تقدم

فخمسون عاما من الصعب نسيانها لمصلح عظيم فارقناه، فنحن بمجرد خروجنا من منازلنا، بل حتى من دواخلها أينما اتجهنا ونظرنا حولنا، فكل شيء يذكرنا بما ننعم به من إنجازات عايشناها في عهده، ليس المجال هنا لتعدادها فهي بحاجة إلى مجلدات لحصرها، إنجازات قضت على الثالوث القاتل الذي كان العمانيون يعانون منه (الفقر، الجهل، المرض)، كيف ننسى النقلة النوعية المتميزة لسلطنة عمان، فكل بقعة فيها تنطق باسمه وإنجازاته.

عشنا أعظم قصة حب صادقة وحقيقية بين قائد وشعب، بل بينه وبين أرض بما فيها من أحياء وحجر وطير وشجر، رحيله موجع، وفقده فقد لجزء غال بتر من أجسادنا ومن جسد عمان الطاهرة، من الصعوبة أن يلتئم، فقده أشعل براكين الحزن داخل الصدور، فقد أتعبني مشاهدة بكاء الكبير قبل الصغير، فكبير السن لا يبكي بحرقة ونشيج إلا إذا كان المصاب جللا.

آه يا شمس فجر جمعة العاشر من يناير، فلم تكن شمس شروق، بل كانت شمس غروب ووداع أطلت علينا وعلى العالم أجمع، تركت سيدي أرض عمان تئن لفقد أفضل من وطأ ترابها قرابة الثمانين عاما الماضية، وأعظم حاكم في التاريخ المعاصر خلال الحقبة التاريخية الحالية، والعظماء لا يتكررون كثيرا وإن حدث فهو يحدث خلال فترات وحقب تاريخية متباعدة.

العظماء وإن رحلوا فهم باقون في القلوب، ويبقى صيتهم على مدى الأزمان وإلى الأبد، فما أعظمك حيا وما أعظمك ميتا سيدي، سائلين الله أن يرضى عنك فليس بعد الرضا إلا الجنة.

والعظيم لا يوصي من بعده إلا بعظيم، أعانه الله على حمل الأمانة، وأعان الشعب على مساندته لإكمال مسيرة الخير في أرضنا الطيبة الطاهرة، أرض عمان الخير.