ghada
ghada
أعمدة

مبدعون قيد الإهمال

07 فبراير 2020
07 فبراير 2020

غادة الأحمد -

سئل الشاعر الأهوازي عن حاله فقال:

ـ أنا أظرف الناس، وأشعر الناس، وأكرم الناس، وآدب الناس.

فقال له سائله:

ـ لا يجوز أن تقول ذلك عن نفسك.. ودع الناس يقولون!!

فقال الأهوازي:

ـ انتظرت ثلاثين سنة، ولم يقل الناس ذلك، فرأيت أن أقوله بنفسي!

وهناك أجيال شعرية وقصصية وروائية ومسرحية انتظرت أكثر من ثلاثين سنة، ولم تحظ بالاهتمام والقراءة، والنقد ظل حبيس التجارب الشعرية الكبيرة والرائدة يعيد ويفتق بها حتى باتت الدراسات لا تأتي بالجديد، فلا نقرأ إلا معاداً ومكرّرا!!!

أقول هذا لأني أرى أن النقد قصر كثيراً في حق الأجيال الشعرية والقصصية في الثمانينات والتسعينات والعقد الأول والثاني في الألفية الجديدة، فلم يختبر إجراءاته ولم يحقق نظرياته بقراءتها، واصطفاء الغث من السمين فيها، ورسم خارطة جديدة للشعر السوري والقصة السورية، التي باتت تحقق منجزها الإبداعي على الصعيد العربي من خلال مشاركتها الفردية بالجوائز والمسابقات! حتى إننا في كثير من الأحيان نسمع وللمرة الأولى بأحد الفائزين منهم، ولم نكن قد قرأناه، أو اطلعنا على منتجه الإبداعي!!!

ولم تستطع الدراسات الأكاديمية على قلتها أن تضع الإبداع السوري المعاصر في دائرة اهتماماتها باستثناءات قليلة ركزت فيها على التجارب المكتملة، وأهملت الظواهر الجديدة أو الأجيال الجديدة!!!

وانتفت صفة الاستمرارية أو التكاملية في رصد الإبداع السوري، وتصنيف ظواهره، وإبراز خصائصه، وممثليه من المبدعين.

إن مسؤولية رصد الإبداع السوري، ونقده، وتقويمه تقع على عائق النقاد أولاً، وعلى كليات الآداب في الجامعات السورية ثانياً التي بات من الأولى بها دراسة هذا الإبداع، وتدريسه ليبقى الطلاب على تواصل مع الأجيال الشعرية والقصصية الجديدة في سورية؛ ولا يكتفي خريج كلية الآداب بمعرفة نجيب محفوظ، وخليل حاوي، ومحمود درويش ونزار قباني فقط، فلدينا شعراء ومبدعون حقيقيون في القصة والرواية، يستحقون النظر إلى تجاربهم وتقويمها واختبار مواطن الجمال فيها؛ كي لا ينحصر تقويمها في الكتابات الصحفية الانطباعية وغير الجادة، والتي تكثر فيها الإخوانيات فيضيع الإبداع الصالح بالإبداع الطالح..!!

ويمكن أن ينسحب هذا الكلام على الإبداع العربي عموماً، فيمكن لي أن أسمي اسماً أو اثنين من المبدعين في جميع البلدان العربية في الشعر أو القصة أو الرواية، ولكنهم بالتأكيد ينتمون إلى أجيال السبعينات وما قبلها أما جيل ثمانينات القرن المنصرم وما بعده حتى الألفية الثانية بعقديها الأول والثاني، فالكثير لا يعرف أين وصل الإبداع في عُمان والسعودية والكويت، والجزائر والمغرب وموريتانيا والسودان... على الرغم من أن هناك جيل «شاب» استطاع أن يحصل على الجوائز وينتزع الاعتراف العربي والدولي بنسخته العربية (البوكر) ومسابقات الشعر العربي مثل (أمير الشعراء) على الفضائيات.

قصور النقد، غير مفهوم، على كثرة الجامعات العربية وازدياد عدد الطلاب والأكاديميين فيها، ربما لجأ المبدع إلى وسائل جديدة للإعلان عن نفسه، وإثبات حضوره الإبداعي مستغنياً عن النقد، وغير آبهٍ بوجوده، وتأثيره، ويمكن أن تحل الأنطولوجيا محل النقد في تعريف القارئ العربي بالمنجز الإبداعي للأجيال الجديدة. ولكنها بالمقابل تحتاج إلى ناقد محترف ذي كفاءة ويمتلك الأدوات النقدية لاختيار النصوص والقصص.

غياب النقاد، دليل على غياب حالة ثقافية كانت حاضرة بقوة وحاملة ومرافقة لإبداع المبدعين الكبار أمثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس ومحمود درويش ونزار قباني فهل يعود النقد إلى مرافقة الأجيال العربية المبدعة؟! كي لا يضطر الشعراء والأدباء إلى تقويم أنفسهم بعد ثلاثين سنة كما فعل الأهوازي!!!