Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ :أفكار ذهبية

07 فبراير 2020
07 فبراير 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

جميعنا -كما أعتقد- تمر عليه آلاف الأفكار، حسنها وسيئها، كبيرها وصغيرها، معقولها وغير المنطقي منها، وهذه الأفكار في مجملها لا تتحين الوقت الذي أنت تريده، فهي تأتيك هكذا مسترسلة إليك في أوقاتك الحرجة أغلبها قد تكون في زحمة عملك وانشغالك في أمر ما، وقد تكون في صلاتك وتهجدك، وقد تكون في طريقك إلى مكان ما؛ وأنت تقود مركبتك، وقد تكون في مكان الخلاء، وقد تكون في اجتماع ما، أو في مجلس ما، منهمكا في موضوع ما، كل هذه المواقف وغيرها، أنت معرض لكم هائل من الأفكار، بعضها تخصك؛ أي متعلقة بك؛ بصورة أو بأخرى، وبعضها متعلقة بغيرك، فأحيانا نفكر عن الغير بالوكالة، وبعضها ربما تذهب بعيدا ببعد الجغرافيا، حيث ترتبط ذاكرتك ببلد زرته يوما ما، وقد تعيدك إلى مرحلة زمنية بعيدة، حيث مراتع الطفولة والصبا، وقس على ذلك أمثلة كثيرة.

والسؤال المحوري هنا: كيف تأتي هذه الأفكار في هذه الأوقات الحرجة؟ ولما لا تأتي في الوقت الذي تريده أنت، وأنا، وهم، وأولئك، في وقت الجميع بحاجة إلى فكرة ما، في وقت الجميع يعيش في حالة من الشلل التام ونزوح الأفكار عن مكمن زمننا الذي نريده، في وقت الجميع يضرب أخماسا وأسداسا للوصول إلى حل ما لمشكلة معقدة، وعقدتها جفاف منابع الأفكار في تلك اللحظة بالذات، وقد تتخذ إجراءات صارمة، أو مصيرية في تلك اللحظات الحرجة، وعندما تأتي الأفكار النيرة، يكون كل شيء قد فات أوانه، وكل واحد قد أخذ نصيبه ورحل، مستحق لذلك النصيب، أو مبخوس فيه.

تظل بعض المشاكل عالقة، وتجر وراءها مشاكل أكثر، وربما أعقد، وقد تتطور المشكلة الصغيرة لتصبح مشكلة كبيرة، ذلك لأن أفكار حلولها لم تأت في الوقت المناسب، فترك المشاكل قائمة، قد يأتي؛ أحيانا؛ لعجز القائمين عليها عن الوصول إلى حل جذري لها، وبالتالي فأية مشكلة لم تجتث أسبابها من جذورها، ستبقى مشكلة، فأنصاف الحلول لن تكون حلولا جذرية مطلقة، وأنصاف الحلول هذه سببها جفاف منابع الأفكار في لحظة صناعة حدث ما.

هناك من يذهب إلى ضرورة اعتناق القراءة، فهي المحفز الأكبر لتوالد الأفكار وتزاحمها، وهناك من يذهب إلى مشاركة الآخرين من حوله، لممارسة عصف ذهني لصناعة فكرة ما، أو مجموعة أفكار، وهناك من يستنجد بالأحداث والمواقف التي مرت عليه، ليأخذ منها فكرة ما، ويوظفها في قضيته الحالية، وهناك من ينزوي بعيدا عن العيون التي تتلصص عليه، ويعيش مع نفسه حوار منولوجيا قاسيا لعله يخرج بفكرة ذهبية تكون بالنسبة له المخرج من عنق الزجاجة، ففي تعدد هذه الوسائل كلها يصل الفرد إلى كثير من الأفكار والرؤى، وهي المعول عليها قيادة توجهات الأفراد والجماعات إلى مقومات الحياة التي تشهد كل يوم فكرة ما، تنقلها من حالتها الراكدة، إلى حالتها الأكثر حركة ونشاطا.

ومع التسليم المطلق بأهمية تجدد الأفكار، ولو كانت صغيرة ومتواضعة، تمارس الأفكار غواياتها الخطيرة على أصحابها، فقد تكون فكرة ما «جهنمية» وتؤدي بصاحبها أو مجموعة متبنيها إلى ما لا يحمد عقباه، ويعود الجميع في نهاية المطاف يضرب الكف في الأخرى على سوء التقدير الذي أودت به فكرته، وكم نرى من حولنا أناسا جرتهم أفكارهم إلى أسوأ المواقف، وأكثرها مهانة وخسارة، وسوء التقدير هذا لنتائج الأفكار متوقف على عوامل كثيرة، قد تكون محدودية الخبرة في الحياة، وقد يكون التسرع في دراسة الفكرة والتأني في اتخاذ قرار توظيفها على أرض الواقع، وقد يكون أن مورس على صاحبها ضغوطا فنفذ فكرته أو فكرة غيره مضطرا لحماية لنفسه.

ومع هذا كله، تبقى الأفكار رسل محبة؛ في أغلبها؛ فالشر مهما استوطن في الأنفس، تبقى سحائب الخير هاطلة، وبغزارة.