56448
56448
إشراقات

الوائلي: السالك للطريق عليه مراعاة حق الله وحق نفسه

06 فبراير 2020
06 فبراير 2020

الشريعة الغراء لم تتهاون فـي بيان حقوق الإنسان لنفسه ولغيره -

أكد الدكتور سعيد بن سليمان الوائلي الأستاذ بكلية العلوم الشرعية في لقاء معه حول (حق الطريق وحق سالكيه) أن الشريعة الإسلامية الغراء لم تتهاون في نصوصها من بيان حقوق الإنسان لنفسه ولغيره، حيث دعت سالك الطريق إلى مراعاة حق الله تعالى وحق نفسه وأمانة ذاته فلا يعرضها للأذى ولا يجعلها كذلك سببًا لإيذاء الآخرين من مرتادي الطريق أو من يمر الطريق بجوار منازلهم وممتلكاتهم.

وأوضح أن في القرآن الكريم توجيه للمشي على الأرض بأدب رباني خاص بعباد الرحمن، وكأن من أدب المشي على الأرض أن يكون بالهون، من غير تطاول وتكبر، بدون فخر وتعال واستعلاء، وسواء في ذلك مشي بالأرجل أو سير بالسيارات والمركبات، فالنهي عن حالة الإنسان في مشيه وسيره وما يصاحبه من مخالفات تؤدي إلى غمط حقوق الناس وإيصال الأذى إليهم، بوسائل مباشرة أو غير مباشرة.. وإلى ما جاء في اللقاء.

 

بداية تحدث الدكتور سعيد الوائلي عما جاء به الدين من شرائع تكفل حقوق الناس في جميع أوضاعهم قائلا: لقد أتى الدين الإسلامي بما يكفل للناس حقهم في جميع أوضاعهم، وفي كل شؤون حياتهم، ومن تلك الأوضاع ما يكون أثناء سيرهم في الأرض، سالكين لطرقهم التي تؤدي إلى مصالحهم التي ينشدونها.

وأضاف: ولقد امتن الله على عباده أن يسر لهم في الأرض سبلا يسلكونها، فقال تعالى: (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)، وقال سبحانه: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، بل جاء في القرآن الحث الصريح بالسير في الأرض والمشي في أرجائها ليتحقق قوام الحياة بما يكرم الإنسان في معيشته، ومثال ذلك في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ). وبذلك نستشعر نعمة الله علينا في وجود الطريق الذي نتمكن من سلوكه، حيث إنه لابد لنا منه لتحقيق المصالح والسعي إلى المنافع، وهذه النعمة من حقها الشكر، فنتوجه بالشكر للمتفضل بها والمنعم.

توجيه قرآني

ثم عرج إلى التوجيه القرآني للمشي بأدب رباني يقول الوائلي: ولئن كانت وسائل النقل والتنقل على هذه الطرق مختلفة، ولها ما لها من آثار وأخطار، فإن هذا يدفعنا إلى النظر إلى الحقوق التي ينبغي أن يعتنى بها وتوجه الأنظار إليها، سواء على المستوى الفردي أم على المستوى الجماعي، وما يتصل بالطريق ذاته أم بالأفراد المستخدمين له والمنتفعين به.

فأولا جاء في القرآن الكريم توجيه للمشي على الأرض بأدب رباني خاص بعباد الرحمن، قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، وكأن من أدب المشي على الأرض أن يكون بالهون، من غير تطاول وتكبر، بدون فخر وتعال واستعلاء، (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً)، وقال: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)، وسواء في ذلك مشي بالأرجل أو سير بالسيارات والمركبات، فالنهي عن حالة الإنسان في مشيه وسيره وما يصاحبه من مخالفات تؤدي إلى غمط حقوق الناس وإيصال الأذى إليهم، بوسائل مباشرة أو غير مباشرة.

ولعل هذا التوجيه في هذه الآيات الكريمة يشير إلى أمر مهم للغاية وهو عموم النهي عن الأذى للغير، فإن «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، و«المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئ من الإثم أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».

فلم تتهاون الشريعة الغراء في نصوصها من بيان حقوق الإنسان لنفسه ولغيره من الآخرين، لتسجل بذلك واجبات الفرد في تعاملاته مع أسرته ومع جيرانه ومع أفراد مجتمعه، في بيته وسوقه وطرقاته وأماكن وجوده.

فمن الطبيعي أن نجد نصوصًا تحمّل الإنسان المسؤولية وتعرضه للمساءلة عندما يقوم بأمر فيه تعريض بالأذى في الطريق أم في غير الطريق من المسالك والمعابر.

آثار من السنة

ومما جاء في السنة النبوية حول حقوق الطريق ذكر الدكتور الوائلي: جاء في بعض الآثار المروية عن الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم ما يبين أن للطريق حقوقًا ينبغي أن تراعى من قبل المستخدمين له، سواء أكان بالمشي أم بالجلوس عنده، من ذلك ما جاء في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا يا رسول الله: ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر»، وزاد الهيثمي في مجمع الزوائد قال: وأحسبه قال: وإرشاد الضال.

وفي هذا الحديث ما يبين جوانب من الحقوق العامة والخاصة ما لا يخفى على متأمل، ولو تأملناها لوجدنا أنها يشترك فيها الجميع، من مستخدمين للطريق وقائمين عليه، ولو وقفنا عند (كف الأذى) لطال بنا المقام؛ حيث نجد ما يغطي دائرة كبيرة من الإيذاء الظاهر الذي يجب كفه من كل مستطيع وقادر، فكيف بالتعاون على ذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعانة المحتاج.. لا شك أن الناس لو امتثلوا هذا التوجيه النبوي في حق الطريق لسلموا من كثير من الآفات والشرور الحاصلة من جراء استخدام الطريق.

ومع ذلك قد أتت جملة من الآداب والفضائل بآثار مختلفة، جمعها العلماء وأطالوا في عرضها ودراستها، جمع جملة منها العلامة ابن حجر نظما بقوله:

جمعتُ آداب من رام الجلوس على الطريق

من قول خير الخلق إنسانا

افش السلام وأحسن في الكلام

وشمّت عاطسا وسلاما ردّ إحسانا

في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث لهفان اهد سبيلا واهد حيرانا

بالعرف مر وانه عن نكر وكفّ أذى

وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا

حقوق عامة مشتركة

وعن الحقوق العامة التي يشترك فيها الجميع من الجهات المسؤولة أو المجتمع حول توفير الطرق وخدمتها ومساندة المجتمع لتلك الجهود يؤكد الوائلي: نتحدث عن الحقوق العامة التي يشترك فيها الجميع ممن يتطلب الأمر السعي إلى توفير خدمة الطريق لهم، إذ يطلب من الجهات المسؤولة التي من اختصاصها تمهيدالطرقات والقيام بأمرها، أن تقوم بواجبها في هذا الشأن، فلا تتهاون في القضاء على العقبات المؤثرة، ولا تتساهل في الحفر والشقوق المؤذية، لأن وجود مثل تلك المؤذيات بصفة عامة يؤثر بصورة سلبية على المجتمع قبل الأفراد، كما أنه يعرض السالكين في الطريق إلى المخاطر والأذى، والأصل أن يكون الأذى مزالا، والضرر مستبعدا. وقد تتضافر الجهود المبذولة من قبل الجهات المختصة مع جهود الأهالي لإبعاد كل ما يؤذي من الطريق، خاصة وأن الدين الإسلامي حث على إزالة الأذى والإماطة من الطريق وجعل لفاعله أجر الصدقة؛ ترغيبا لفعل هذا الأمر من الأعمال الصالحة، فجاء في الحديث: «وإماطة الأذى من الطريق صدقة».

مخالفة لما يحقق المصلحة

ونظرًا لمستجدات وسائل النقل الحديثة وسوء استخدامها من قبل البعض وتزويدها بما يقلق الناس ويؤذيهم ما يؤدي إلى مخالفة لما يحقق مصلحة البلاد والعباد وفي هذا الشأن يقول الدكتور الوائلي: إن من مستجدات الحياة في هذا العصر ما يشاهد من الرعونة في بعض الأشخاص الذين لا يبالون بحقوق غيرهم في السلامة والاطمئنان، لدرجة أن منهم من يسعى إلى الإيذاء بصور مختلفة، من مثل استخدام المركبات والسيارات استخداما سيئا بالسرعة والتدوير وما يسمى بالتفحيط والتخميس، فيثار الغبار ويحذف بالتراب والحصى، ويمكن أن يصطدم بأحد من الناس أو بالممتلكات الخاصة والعامة.

ومنهم من يقوم بتزويد هذه المركبات من دراجات وسيارات وغيرها بأصوات مزعجة تقلق السامعين وتضرر بالمارين، ولا تخدم المستخدمين ولا تنفعهم بشيء إلا بقدر ما يجدون من متعة شيطانية أو لهو عابث يزينه المجون لهم.

ولا يشك عاقل لبيب أن مثل هذه الأمور مخالفة لما يحقق المصلحة للبلاد والعباد، فمن أجل ذلك ينبغي أن يتصدى لهذا الأذى، فيردع أصحابه عن إيصاله إلى الآمنين، وتوضع له الحدود الزاجرة ليس للحد من حصوله، بل للقضاء على ظواهره، فيمكن ألا يكتفى في ردع الشباب الهائج بمصادرة المركبة والوسيلة المستخدمة في الإيذاء، لينظر في كيفية إبعادهم عن إيذاء غيرهم بعقوبة مالية مثلا، فيلزمون بدفع غرامات عند إساءتهم، أو قد يرى المسؤولون أن يعاقبوا معاقبة نفسية أو جسدية؛ تكفل للناس التمتع بحقوق أمنهم واطمئنانهم.

على أن بعض الناس قد يتصور أن وجود أماكن مخصصة لمثل هذه الأمور المزعجة يعد حلا لذلك؛ إلا أن الأذى سيتسمر ليصل إلى القائم بذلك ومن حوله، فأرى أنه ينبغي للجهات المختصة أن تقوم بالتوعية المكثفة ليدرك جميع الناس على اختلاف شرائحهم واختلاف مستوياتهم الفكرية ما تحمله هذه المركبات من المخاطر والآثار السلبية على الجميع عندما تستخدم بطريقة غير سليمة وغير آمنة.

توجيهات عامة

وقدم الدكتور الوائلي توجيهات عامة لمستخدمي الطريق: لعلنا نقف بصورة سريعة عند توجيهات عامة لمن يستخدم الطريق، سواء أكان الطريق عامًا سريعًا أم في وسط القرى والمدائن، فعلى الإنسان أن يراعي حق الله تعالى أولا في ما أوصله إليه من نعمة من هذه الطرق المسلوكة ومن وسيلة المشي عليها والسير فيها.

وأن ينظر إلى حق نفسه وأمانة ذاته، فلا يعرضها للأذى، ولا يجعلها سببا للإيذاء؛ لأن ذلك يؤثر عليها سلبا ويدفعها لسوء الردى.

وأن يراعي حق أسرته وعائلته من النقص والانتقاد وتعريضها للسوء بسببه إن عمل ما يؤذي غيره بسعيه بوسيلته أو سيارته.

وأن يبتعد عن أذى جاره في طريقه، لأن حقيقة الإيمان تذهب عنه عند إيذاء الجيران، سواء أكان باليد أم بوسائل الإيذاء من المركبات والدرجات وغيرها.

وأن ينظر إلى حق مجتمعه عليه من الإحسان وعدم الإيذاء لأفراده، فإن الإنسان مطالب ببناء المجتمع وتعميره لا النيل من حقوقه وممتلكاته.

وأن يقوم بشكر نعمة الوسيلة التي بين يديه، فلا يكفرها، فإن من يبدل نعمة الله كفرا يكون مستحقا للوعيد الشديد والعياذ بالله.. هذا جانب من الحياة يربطنا بما يكون من إنتاج للإنسان في هذا الكون الذي يعمره بالمنهج القويم الذي يرتضيه المولى الرحيم، وماالتوفيق إلا به وهو العلي العظيم.