1428560
1428560
إشراقات

اليوم العالمي للسرطان... الإسلام حافظ على صحة الإنسان وأولاها عناية فائقة

06 فبراير 2020
06 فبراير 2020

الحكمة من تحريم الدخان والمشروبات الكحولية وبعض المأكولات -

هلال بن حسن اللواتي -

«علينا أن نتعرف على الدين الإسلامي أنه مشروع الله تعالى في الأرض وهو لا يريد منا سوى ما هو في مصلحتنا، وأن أحكامه ليست كالأحكام البشرية التي تفتقر إلى معرفة الاحتياج الذاتي للممكنات، بل هي أحكام انتزعت من صميم التركيبة الوجودية للكائنات، فوضعت بكفاءة عالية جداً، استطاعت بصياغة واحدة أن تحقق وتلبي احتياج الجميع وبتوازن واعتدال ووسطية، ومن دون إجحاف حق أي منها على الإطلاق، وهذه من أهم الإبداعات الامتيازية لهذا الدين الإلهي الحنيف».

 

هناك مجموعة من الأمراض التي تصيب الإنسان تكون كارثية عليه، وهي تعتمد أكثر ما تعتمد على النظام الغذائي الذي ينظم المرء نفسه عليه، وعلى النشاط البدني واللذين يساهمان في تقليل نسبة الإصابة بالأمراض الخطيرة ومنها السرطان.

ويشمل النظام الغذائي كلاً من نوعية ما يتناوله الإنسان، فهو لا يتعلق بتنظيم الوقت ونسبة الأكل، فإن لنوعية الأكل الذي يغذي به الإنسان بدنه مدخلية في الإصابة بهذا المرض الخطير.

وقد وجدنا أن الكثير لا يدرك بل لا يتفهم حقيقة الأحكام الشرعية التي فيها الحلية والحرمة بالخصوص ظناً منه أن هذا تقييد للحريات الشخصية ومصادرتها، في حين نجد كل الدول في العالم تمنع عن مواطنيها مجموعة من المأكولات والمشروبات ولا أحد يصدر عليها أحكام المصادرة للحريات، فأين الخلل؟!.

لا شك أن المعرفة أهم أساس لقوام شخصية الإنسان، وعليها تقوم أعظم المطالب الوجودية، وبه ترتفع قيمة الشعوب، وتعلو بها البشرية الأنجم الطلع، فإن عدم الاعتراض على الدول حال منعها عن شعوبها بعض المأكولات والمشروبات ناشئ من الثقة التي توليها تلك الشعوب لدولها، لاطمئنانها أنها تقوم بدراسة الحالة ومدى ملاءمتها لوضع الشعب من العدم، ومدى الانسجام من العدم، وأن هناك من المختصين من يقوم بالإشراف على هذا الرصد والفحص، ومثل هذه المعرفة تساهم في قبول مثل تلك القرارات والأحكام ولا تجد أحداً يطلق عليها أحكام المصادرة للحريات.

ولسوء فهم لطبيعة الأحكام الدينية، ولعدم معرفة مناشئها، ظن البعض أنها مجرد أحكام لا أساس لها من الاستناد والاعتماد، فيظن أنها أحكام اعتبارية محضة، وقد غلفت بأغلفة تقديسية تمنع الناس من طرح تساؤل حولها، لأنها إذا ما طرحت أي تساؤل حكم عليه بالارتداد، والحقيقة لا نلوم بعض الناس أن يظن في الأمر هكذا للوهلة الأولى، إلا أن العقل يمنعه من الاعتقاد به قبل الفحص والتأكد، والتعذير ناشئ مما قامت به الكنيسة في العصور الوسطى بالناس، وهناك تم التلاعب بالدين وصار ما عرف بالاستبداد الديني المقيت.

والحق هو أن الدين الإسلامي ليس كالكنيسة، بل وحتى الدين المسيحي يختلف عن دين الكنيسة، فالأديان السماوية الإلهية من وضع خالق الكون، وأما دين الكنيسة فهو من وضع البشر، وهنا أهم مائز وفارق بينهما.

إن هناك فرقاً بين «الجعل الوضعي البشري»، وبين «الجعل التكويني الوجودي»، وستجد المائز في المثال الآتي وهو: لو أن مريضاً ذهب إلى الطبيب طالباً منه صرف دواء لمرضه، فإن أول ما يقوم به الطبيب هو فحصه ولربما يرتفع سقف الفحص إلى درجة عالية؛ فقد يتطلب وضعه تحت الأشعة، وبعد الفحوصات يصرف الطبيب الدواء المناسب على ضوء ما ظهرت له من النتائج، إن الأحكام الشرعية كالدواء، والطبيب الإلهي لا يصرف تلك الأدوية للإنسان إلا بعد معرفة ما تحتاجه ذاته من البدن والروح والعقل والنفس، فكأن البشرية تعرضت للكشف التام في عالم تكوينها ووجودها وبعد هذا وضعت الأحكام الشرعية كوصفة طبية، غاية ما في الأمر أن الشريعة بينت علل بعض الأحكام إلا أنها امتنعت عن ذكر بعضها لحكمة خاصة، إلا أن لا تكون هناك أي علل للأحكام فهذا ما لم يقل به أحد، وقد سجلت المجاميع الفقهية وتبعتها التفسيرية مقولة وهي: «أن الأحكام تتبع المصالح والمفاسد»، ما يكشف أن وضع الأحكام جاء متأخراً عن وجود المصالح والمفاسد، ويمكننا أن نقول خلاصة إن الإنسان بعدما أن وجد كأن جهاز التكوين فحصه بدقة متناهية مع ما سيكون حوله من الكائنات والموجودات، وضع له دواء مناسباً لأجل تكامله وحضارته، وكانت التشريعات والأحكام الجزء الأساسي من ذلك الدواء.

فالأحكام الشرعية لم توضع اعتباطاً كما أنها لم توضع باعتبار محض كما نجد حاله في كثير من الأحكام الوضعية البشرية، بل إن الأحكام الشرعية تستند على الواقع التكويني، وتتكئ عليه، وما من حكم شرعي إلا وهو يستند ويتكئ على ذلك الواقع التكويني، فوجود أحكام شرعية بلسان المنع أو بلسان التحفيز للإتيان لم يكن إلا لما وجدته الشريعة المقدسة من وجود علقة بينها وبين الواقع التكويني (للبدن، وللروح، وللعقل، وللنفس)، فما كان مضراً لما ذكر كان لسان التشريع في حقه هو «الحرمة»، وما كان نافعاً ذكر بلسان التشريع بالحلية، وهما بلسان بشري (المنع والسماح).

ولا يظنن أحد أن الدين الإسلامي كل أحكامه الحرمة والمنع فهذا من الاشتباهات حول الدين، وقد أجاب أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه الشريف في نهج البلاغة إذ قال:« ... إِنَّ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْسَعُ مِنَ الَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ وَمَا أُحِلَّ لَكُمْ أَكْثَرُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ...».

إنه لمن المهم معرفة الدين الإسلامي بالشكل الصحيح، وعلى ما بنيت عليه تلك الأحكام الشريفة، وكيفية حضورها في عالم الدنيا لأجل تحقيق حضارة الإنسان وسعادته، والجهل بها يوقع المرء في أخطاء جسيمة، فيظن أنها مصادرة لحريته في حين هي ليست إلا لأجل فتح مجالات انطلاق لحريته وإلى عوالمها التي يحتاج إليها هذا الإنسان المسكين.

إن العلم وما يملكه من الأدوات والتقنيات ما زال عاجزاً عن فهم الطبيعة الوجودية لكل كائن بالدقة التي يحتاجها وما يستتبعه من اللوازم، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكنه أن يضع غذاء أو دواء مناسباً بتلك الدقة المتناهية، هذا وإذا ما ضممنا ترابط الكائنات فيما بينها من أصغر جزء في الذرة إلى أعظم مجرة فإن الأمر يقرب إلى الاستحالة، ولهذا نجد مقولة متداولة وبكثرة في أروقتها الطبيعة وهي: أن الدواء له تأثير جانبي (Side Effect)، ومن هنا يتطلب البحث عن الغذاء المناسب للبدن وللعقل وللروح وللنفس من غير أن يكون له أي تأثير جانبي (Side Effect)، فهل البشرية وصلت إلى هذا المستوى من العلم المطلق فتوجد غذاء ليس فيه أي تأثير جانبي على الإطلاق.

إن الدين الإسلامي وهو المشروع الإلهي في الأرض قد حمل هذا الضمان الأكيد 100%، فكان كل ما قدمه من المفاهيم والأحكام والمفردات ذو الضمان الأكيد في مجاله، ولكون هذا الدين الحنيف مشروع الله تعالى في الأرض لبناء الحضارة الإنسانية ولبناء الإنسان في كل الجهات فإنه يفرض علينا أن نقرأه قراءة صحيحة، لا أن نجرده من مضامينه الحضارية التنموية الشاملة الكاملة، وهكذا هي أحكامه تصب في هذا المصب العظيم.

والجهل تارة يأخذ منحى ساذجاً بسيطاً، وأخرى لا.. فيقنن وتوضع له رؤوس أموال ضخمة، وتؤسس له مؤسسات ومنظمات وجمعيات دولية ربما، وهنا مكمن الخطورة على البشرية التي تملك ذهنية بسيطة ساذجة، فتغريها المغريات، وتطمعها زينة المناصب والشهرة، وتخوفها فقدانها، فتنقاد لما يملي عليها الجهل المركب المنظم، ومما شاهدناه في التاريخ المدون لبعض الأفراد والأمم والشعوب في القرآن الكريم عن كيفية لوي عنق البسطاء لأجل تمرير جهلهم المركب المنظم عليهم، وإذا رفضوا جرت عليهم الويلات، وما كان من الأنبياء عليهم السلام سوى إرشاد الناس وتنبيه أولئك الجهلة أصحاب الضغط الاقتصادي والسياسي أنهم يمشون عكس التيار الوجودي، وإذا ما استمر الوضع هكذا فإن عالم التكوين مزود بمجسات وأدوات للدفاع عن عالم الطبيعة، وهذا ما حدث من تدمير المدن، وانقلاب الأرض عاليها سافلها، وإرسال السيل، والطوفان، والغرق بالبحر، والمطر، أو الطاعون والوباء، وهكذا جهز عالم التكوين عالم الطبيعة بأدوات الدفاع الذاتي.

وإن ما يحدث اليوم من الأمراض الجديدة، ومن الطاعون والفايروسات الوبائية القاتلة ليس إلا لخروج الإنسان عن عالم صراط الطبيعة والتكوين، فلم يرد إلا أن يمشي حسب إملاءات نفسه وخبرته الضعيفة البسيطة تاركاً التجربة الدينية التي تمتد بامتداد تاريخ الوجود، ولا يريد الإنصات والإذعان لإرشاداته وتعاليمه والتي تنصب في مصلحته 100%.

إن علينا أن نتعرف على الدين الإسلامي أنه مشروع الله تعالى في الأرض وهو لا يريد منا سوى ما هو في مصلحتنا، وأن أحكامه ليست كالأحكام البشرية التي تفتقر إلى معرفة الاحتياج الذاتي للممكنات، بل هي أحكام انتزعت من صميم التركيبة الوجودية للكائنات، فوضعت بكفاءة عالية جداً، استطاعت بصياغة واحدة أن تحقق وتلبي احتياج الجميع وبتوازن واعتدال ووسطية، ومن دون إجحاف حق أي منها على الإطلاق، وهذه من أهم الإبداعات الامتيازية لهذا الدين الإلهي الحنيف.

إن الدين الإسلامي ومعارفه العالية تضمن للإنسان تجارب عالية الجودة والثمار، وتقدم له يد المساعدة لأن يستكشف هو بنفسه هذه الحقيقة، وما عليه سوى الدخول إلى عالم العبودية الحقيقية لا الادعائية فإنه عندئذ سوف يقف على حقيقة مهمة وهي: «العبودية جوهرة كنهها الربوبية».

 

إما بلاء وإما ابتلاء -

فوزي بن يونس بن حديد -

«وسبب المرض أمران، إما ان يكون الإنسان نفسه قد تسبب في وجعه وألمه، وإما أن يكون من قدر الله على الإنسان ليرى أيؤمن أم يكفر، ومعنى الأول أنه عندما يحيد ابن آدم عن الطريق المستقيم والسبيل القويم الذي رسمه الله عز وجل لنا في قوله تعالى: «ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث» فيأتي المنكرات ولا يبالي، ومعنى الثاني أن الله تعالى قد يبتلي الإنسان بما شاء ليطهّره من الذنوب التي ارتكبها»

المرض عموما إما أن يكون بلاء أو ابتلاء، وقد قضى الله سبحانه وتعالى أن يعيش الإنسان المتناقضات، فلا صحةَ دائمًا ولا مرضَ دائمًا، وهي من مقتضيات الحياة الإنسانية لبيان ضعف الإنسان وعدم قدرته على الحفاظ على نفسه على وتيرة واحدة طوال حياته، فلا بد أن يتعرض لوعكات صحية قد تقصر به أو تطول حسب المعطيات التي تحوم حوله، فقد يستمر المرض أياما وقد يطول شهورا وقد يمتد سنوات، وفي ذلك عبرة وقصة حكاها لنا الإسلام عبر التاريخ، فالإنسان تتموج حياته بين هاتين المرحلتين ليلجأ إلى الله تعالى في كل أحواله لا في حالة المرض فقط، وقد ثبت تاريخيا وواقعيا أن الإنسان كثيرا ما يلجأ إلى الله تعالى في وقت الشدة وينساه وقت الرخاء، ففي حالة المرض تجده يحاول أن يدعو الله بكل إخلاص وتفانٍ أن يبعد عنه المرض ويشفيه مما فيه من بلاء أو ابتلاء ويعد الله عز وجل إن شفاه سيفعل كذا وكذا، وفي حالة الرخاء ينسى أن يشكر الله تعالى على نعمة الصحة والعافية وما رزقه من نعم كثيرة لا تحصى ولا تعد ولو تبصّر الإنسان في نفسه لوجد أنه كله نِعم، في صحوه ونومه، في أكله وشربه، في حله وترحاله، في عمله وراحته، أينما ذهب وأينما كان فهو يعيش النعمة بأوجهها كافة، ولم يصنع منها شيئا بل خُلقت له ليستمتع بها ويمارس حياته كافة بشكل طبيعي ودون أي معوقات أو مشاكل أو منغصات، وذلك هو عين الاستشعار بعظمة الله سبحانه وتعالى ومنّه على عباده.

وسبب المرض أمران، إما أن يكون الإنسان نفسه قد تسبب في وجعه وألمه، وإما أن يكون من قدر الله على الإنسان ليرى أيؤمن أم يكفر، ومعنى الأول أنه عندما يحيد ابن آدم عن الطريق المستقيم والسبيل القويم الذي رسمه الله عز وجل لنا في قوله تعالى: «ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث» فيأتي المنكرات ولا يبالي كشرب الخمر وإتيان الفاحشة وأكل لحم الخنزير وشرب الدخان والمخدرات وغيرها من الخبائث، وسماها الله تعالى بهذا الاسم لينفر الإنسان منها ويحذره من أنها تحمل سموما قد تفتك به في أي لحظة وتكون سببا في نهايته وموته، فيأثم فاعلها مرتين، مرة عند إتيانها رغم التحذير والوعيد الشديد ومرة عند موته لأنه في نظر الشرع مات منتحرا، فالذي يشرب الدخان أو المخدرات ويعلم أنها من الخبائث وأنها تجلب الأمراض وأكثرها شيوعا السرطان -عافانا وعافاكم الله – ورغم ذلك يأتيه ولا يبالي ويعتبر ذلك ضرورة من ضرورات حياته ولا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يفكّ نفسه منه ويزين له الشيطان عمله ولا يدري أنه بذلك أنه يهلك نفسه وأسرته فيأتي البلاء العظيم وبعدها يتألم أشد الألم ويطلب من الله الشفاء والخلاص، فهذا نَعم، قدرٌ من الله تعالى ولكن تسبب الإنسان ذاته فيه فوقع ما حدث وأثم من جهتين، وهو بلاء من الله عز وجل وعقوبة على ما فعل في نفسه وأصرّ على ارتكاب المحرم ولم يبال بنتائجه.

ومعنى الثاني أن الله تعالى قد يبتلي الإنسان بما شاء ليطهّره من الذنوب التي ارتكبها، وأقصد بالذنوب، الصغائر التي لا ترقى إلى مستوى الكبائر، فابن آدم ضعيف، وضعفه يكمن أنه يرتكب الأخطاء ويستغفر الله تعالى على ذلك ويتوب إليه، لكن المولى عز وجل رغم ذلك يبتليه بما أراد، دون أن يرتكب شيئا من الموبقات، وقد يبتليه بأعظم الأمراض كالسرطان مثلا، المرض الخطير في عالم اليوم والذي لم يستطع الطب إلى حد الآن أن يعرف الأسباب الحقيقية وراء انتشاره حتى يعالجها ويقضي عليها ويخلص الأنفس المريضة والمتعبة والمرهقة منه، لأنه ببساطة يقضي على المناعة في الجسم فيوهنه، ويوقفه عن الحركة، ويصبح غير قادر على مواجهة البكتيريا والفيروسات ومحاربة الهجوم الشرس لهذه الكائنات، مما يجعله طريح الفراش لا يقوى على النهوض ولا على إدارة شؤونه بنفسه ولا على الحياة بشكل طبيعي، ويظل يحتاج إلى غيره طوال فترة مرضه إلى أن يحين أجله، فهذا الامتحان هو الذي يفرّق بين المؤمن الحق الذي يحتسب أمره وأجره لله وبين المؤمن شكلا الذي يجزع وييأس من رحمة الله تعالى، ويخرج من دائرة الإيمان.

ففي الحالتين قد يصاب الإنسان بمرض السرطان لكن الفرق بينهما أن الأول تسبب في وجود المرض لأنه ارتكب ما يخالف الشرع وأتى الخبائث فكانت النتيجة أنه آثم من جهتين، بينما حافظ الثاني على التمسك بما أمر الله تعالى ورغم ذلك لبسه المرض نفسُه وأوهن جسمَه لكنه ينال الثواب من جهتين أيضا، من جهة بُعده عن المعصية ومن جهة صبره على المرض، وبالتالي يبدو الفرق واضحا بين البلاء والابتلاء، فالبلاء عادة يكون نتيجة غضب الله على الإنسان لأنه ارتكب معصية أمره بالابتعاد عنها ولم يتب، والابتلاء منحة من الله عز جل لعبده حتى يختبر صبره وتحمّله، على أن كلًّا من الابتلاء والبلاء قدرٌ وقضاءٌ من الله تعالى لأنه المسيّر للكون والميسّر للحياة ولأن المسير والمصير لا يكون إلا لله تعالى.

ونعرض في هذا المقال أمثلة على ذلك حتى ندعم الفكرة ونوضح العبرة، فالنبي أيوب عليه السلام، رجل صالح اختاره الله تعالى نبيا مرسلا، فلم يأت بالموبقات ولا بالسيئات، بل كان من المؤمنين الصالحين الأوفياء والمخلَصين كما يحبّ القرآن الكريم أن يصف أنبياء الله المرسلين، ومع ذلك ابتلاه الله تعالى بمرض خطير يشبه مرض السرطان الذي نعرفه اليوم أوهن جسمه إلى حد كبير وأنزع جلده ونفر منه الجميع إلا زوجته الصابرة التي بقيت معه تراعيه وتهتم به وتعينه وكان يردد دعاءه المشهور، في قوله تعالى (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ) وفي قوله عز وجل: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ).

وفي المقابل نجد النمرود الذي طغى وآثر الحياة الدنيا، واستمر في ارتكاب الذنوب والمعاصي وتحدى الله تبارك وتعالى وأوهم نفسه أنه الإله الأكبر، فهو الذي يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، في تحدّيه دعوة إبراهيم عليه السلام، أمهله الله تعالى لعله يتوب وهو في علمه لا يتوب، وأمام هذا الإصرار والعناد على التكبر على الخالق عز وجل بلاه الله تعالى بذبابة دخلت منخره عذبته أربعمائة سنة وهي ترن فيه، كما ذكر ذلك الإمام ابن كثير في تفسيره حيث قال: (فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس، فأرسل الله عليه ذبابًا من البعوض، بحيث لم يروا عين الشمس وسلّطها الله عليهم، فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظامًا باديةً، ودخلت واحدةٌ منها في منْخَر الملكِ فمكثت في منخره أربعمائة سنة، عذبه الله تعالى بها فكان يُضْرَبُ رأسُه بالمرازب في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها) وقد أثبت القصة غير واحد من المفسرين.

وعندما نرى القرآن الكريم وهو يحدثنا عن البلاء والابتلاء، قد لا نفرق بينهما في التعبير على أن البلاء عقاب والابتلاء منحة، لأن كليهما من الله تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وهو العالم بأحوال الكون والإنسان، فعندما يقول سبحانه وتعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) فهنا البلاء عام يشمل الجميع المسلم والكافر، ومنها قوله تعالى : (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أما قوله تعالى : (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) فيفسّر على أنه منحة من الله تعالى لأنه مقدمة للنصر العظيم والتمكين في الأرض.

ومن هنا نتبين أن المرض الخطير كمرض السرطان الفتاك الذي يحتفل العالم بيومه العالمي لشدة خطره وعدم وجود دواء ناجع له، سببه حسب رأيي إما الإنسان نفسه كأن يأتي ما يسبب له المرض من الدخان والمخدرات وشرب الخمر وأكل الخنزير أو شرب ما حرمه الله تعالى دون مبالاة ولا توبة أو انقطاع أو أن يسرف في المباحات دون اعتدال فيكون بالتالي قد ساهم في إهلاك نفسه إذا قدر الله تعالى له المرض، وإما أن يكون امتحانا ومنحة من الله تعالى لتزكية نفسه وتطهيرها مما علق بها من ذنوب إذا صبر واحتسب أمره لله تعالى، رغم أنه لم يرتكب شيئا من الخبائث ولكن الله أراد وإرادته نافذة لا محالة.