إشراقات

الحقيقة الغائبة

06 فبراير 2020
06 فبراير 2020

علي بن سعيد العلياني -

الحقيقة الغائبة وهي أن اعتبارنا دولا نامية يرفع عنا العتب في أن نظل ندور في مساحة محددة بحجة أنا غير قادرين على مجاراة الدول المتقدمة في مجال النظافة وهذه مغالطة كبيرة وبخس في حقوقنا المشروعة في أن نصبح من الدول النظيفة التي يشار إليها بالبنان.

الحقيقة الغائبة التي نتصور فيها أن النظافة هي إرادة حكومية بحتة بمعنى إن أرادت لنا الحكومة أن نصبح نظيفين وإلا سنظل نخوض في وحل القذارة وهذا وهم لا أساس له من الصحة، فالنظافة إرادة شعبية قائمة على الوعي والثقافة والإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن بحيث نحافظ عليه نظيفا كلا في مجاله وحسب استطاعته فلنحاول أن نجتهد في تنظيف أوطاننا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

الحقيقة الغائبة أن تقصير البعض يعني أن يتبعهم الآخرون وتسمع العبارة المتبادلة «سايبه سايبه» وهي عبارة خاطئة تنم عن غياب حس المسؤولية والتخلي عن واجباتنا تجاه هذا الوطن بحيث لا نبحث عن أعذار لتبرر فشلنا بل المفروض أن نبحث عن حلول لنثبت نجاحنا وتفوقا.

الحقيقة الغائبة لو لم تكن النظافة هما مشتركا لما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام «إماطة الأذى عن الطريق صدقة»، فهو عليه الصلاة والسلام يحث على رفع الأذى عن الطريق لئلا يتضرر جميع المارة وبالتالي يجب أن نبعد عن الاتكال ورمي التبعة على غيرنا ويجب أن تكون المبادرة من أنفسنا عنوانا لنا.

الحقيقة الغائبة ما تقضيه من وقت في مساهمتك في النظافة العامة أيا كانت ليس وقتا ضائعا بل هو رصيد اجتماعي وأخلاقي في الدنيا وذخر وأجر وصدقة في الدار الآخرة فل نغتنم مثل هذه الفرصة حتى نحقق الفوز في الدنيا والآخرة.

الحقيقة الغائبة لا تستهين بأي عمل تعمله في سبيل إيجاد بيئة نظيفة، فالجزيئات الصغيرة في عالم النظافة هي مهمة حالها حال الأشياء الكبيرة فلا تقل مثلا لماذا أساهم في إزالة الزجاج المكسور من الطريق لكونك تراه شيئا لا يذكر بل هو حماية للجميع من أذى الزجاج الخطر؛ فالاستهانة بالأشياء الكبيرة يحولها إلى بلاء كبير.

الحقيقة الغائبة لا تنظر إلى الآخرين ممن لا يهتمون بالنظافة نظرة احتقار واشمئزاز بل بادر بنصحهم إذا كنت تمتلك النصيحة وساعدهم على الانتباه إلى أخطائهم إذا كانوا يسمعون لكلامك، فالاستهزاء والتحقير لا يعدل وضعا ولا يحرك ساكنا بل يساهم في زيادة الفجوة والخصام والتباعد.

الحقيقة الغائبة يجب أن لا نحسب أننا إذا خرجنا من مجتمعنا الصغير إلى المجتمع الكبير أو إذا انتقلنا من مدينتنا إلى مدينة أخرى بأن الوضع هناك لا يعنينا أو أن نتخلى عن النظافة لمجرد أن هذا ليس مجتمعنا بل يجب أن نكون قدوة في كل زمان ومكان وأينما نحل أو نرتحل، فالإنسان النظيف لابد أن يبحث عن مصدر سعادته في كل مكان وليس المكان الذي يسكنه.

الحقيقة الغائبة أن ننسى في زحمة المناسبات أو الملتقيات الكبيرة مسألة النظافة فنجد بعد إقامة الحفلات أو المحاضرات أو الندوات ذات الحضور الكثيف العبوات متناثرة وقصاصات الورقة تملأ المكان فهذا منظر غير حضاري بالمرة وإن كان ينم عن شيء فهو ينم عن قصور وعي وقلة إدراك لمعاني النظافة التي تشمل كل زمان ومكان وتحت أي ظرف.

الحقيقة الغائبة هو أن نقيم المسابقات الخاصة بالنظافة والمحاضرات والورش والمعسكرات وحملات التوعية ثم يكون نصيب البيئة في الواقع هو التقاط الصور الجماعية ثم بعد ذلك يختفى كل شيء ولا يظهر إلا الوجه القديم والصورة الجميلة ذهبت بذهاب الكاميرا، فالنظافة هي عملية مستدامة وليست عملية خاطفة وهي راسخة في الأذهان وليت خاطرة عابرة وهي بالأفعال وليست بالأقوال والكلمات.

الحقيقة الغائبة أن نهتم بزاوية معينة ونقطة محدودة ثم نترك باقي الزوايا كما هي بدون اهتمام أو رعاية فهذا ليس إلا زيادة الطين بلة من حيث إننا نقنع أنفسنا أننا نعمل وأن هذا العمل مثمر والحقيقة أننا نخدع أنفسنا ونساهم في زيادة ضغط التلوث على البيئة من حيث نحسب أننا أحسن صنعا، فليس هناك جانب واحد مشرق وجوانب مظلمة فكل الجوانب يجب أن تكون مشرقة مضيئة، فالظلام يساهم في الاسترخاء والنوم وتغطية المساوي والإشراق هو بهجة وسعادة وتتضح كل الأشياء الجميلة فتسعد بها وغير الجميلة لنعيد صياغتها من جديد لننضم إلى ركب الجمال الذي يأسر الألباب ويبهج النفوس.

الحقيقة الغائبة هو أننا لا نحس بروعة جمال البيئة إلا إذا كان في غير بلادنا مع أننا من الممكن أن يتملكنا نفس الشعور لو أننا أحسنا التعامل مع البيئة التي نعيش فيها كما أحسنوا هم إلى بيئتهم لتغدو قبلة للكل من مشارق الأرض ومغاربها.

الحقيقة الغائبة نجد أننا نتغنى بجمال البلدان الأخرى وننشد فيها الراحة لكونها فقط نظيفة وجميلة وجمالها استقته من نظافتها لكن لا ندع مجال لنفوسنا أن تفكر أنها ممكن أن تصنع مثل هذا الجمال الذي أسر قلوبنا من خلال تطويع بيئتنا بالنظافة والنظام وحسن التنسيق؛ ففي بعض الدول تبنى السياحة أساسا على معطيات أنشئت حديثا ولم يكن لها وجود سابقا وهذا فقط يحتاج إلى إعمال العقل والسعي إلى إيجاد بيئة نظيفة.

الحقيقة الغائبة معنا في بلادنا كل المقومات السياحية موجودة فقط تريد من ينفض عنها غبار الزمن وقد بدأت حكومة السلطنة بخطوة جميلة وهي تأجير بعض الأماكن السياحية إلى شركات تقوم على تقديمها للسياح بطرقة جميلة وهذا يدعونا أكثر إلى الحفاظ على البيئة من أن يغطيها التلوث أو تطالها أكمام النفايات، فالنظافة مطلب عالمي خاصة في السياحة فكل بلد نظيف هو مهوى الأفئدة من كل أصقاع الأرض وكل بلد غير نظيف تجد النفور من الجميع.

الحقيقة الغائبة أن نصفق ونضحك في وجه الذي يتعمد أن يلوث البيئة وبالتالي لا يشعر أنه مخطئ بل يعاود الكرة بكل سرور، ما يجب علينا فعله في هذه الحالة هو المبادرة إلى التوضيح وليس التلميح بأن ما يفعله هو خطأ في حق الجميع فالبيئة هي ملك للجميع ما يلقى فيها نفايات ترتد أضرار على الكل.

الحقيقة الغائبة هي كما يقال غلطة بألف فأن يكون القدوة هو من يساهم في تشويه الصورة أو يرتكب خطأ في هذا الجانب، فهذا يؤدي إلى سقوط الكثيرين في هذا المستنقع مما يساهم في استعجال الظاهرة غير المحببة. الحقيقة الغائبة ما يفرضه علينا الواقع وما تحتمه الضرورة يجب أن لا نهرب منه أو لا نحاول أن ننسحب مهما كلف الأمر من جهد وعناء فالمثل العماني يقول صبر ساعة ولا سهر دوم وهنا يظهر حقيقة تعاطينا مع ملف النظافة المهم فإما أن نكون لها ونفوز أو ننهزم ونولي الأدبار ونخسر.

الحقيقة الغائبة أحيانا نتعرض لنوع غريب من الابتزاز في جانب النظافة وهو إذا قدمت نصيحة أو قمت بعمل ما يخص النظافة في مكان عام يأتي من يقول ليشهر بك بغية إثنائك عما تفعله «هذا إذا كان فيه خير خله يهتم بنظافة بيته» يجب أن لا تلتفت إليه ولا تجاريه فلو كان فيه ذرة حياء لقام بمساعدتك لأنك تعمل للجميع لكن هناك نوعيات من الناس يهمها مضايقة الآخرين واستفزازهم وإن كانت مثل هذه التصرفات نادرة الوقوع لكنها تقع أو يقول «هذا ليش تاعب نفسه ويدور وجع لراسه» وعبارات أخرى، علينا أن لا نلتفت لمثل هذه الوقائع ففعل الخير طريق واضح لا يحتاج إلى توضيح لنسمع كلام هذا أو هذاك.

عموما يجب أن تكون جميع الحقائق الخاصة بالنظافة واضحة لكل الناس من أجل خدمة الهدف العام وهو أن نبني جيلا قادرا على العطاء في هذا الجانب وأيضا يسد كل ثغرة ممكن أن يسببها غياب هذه الحقائق عن أذهانهم وعلينا أن نحاول الوصول إلى أكبر شريحة من الشباب حتى يتضح لهم ما التبس عليهم في حياتهم العملية تجاه جانب النظافة.