إشراقات

رحل القابوس .. وبقي القبس

06 فبراير 2020
06 فبراير 2020

دكتور: أحمد حسن الأزهري - جامعة الأزهر -

استيقظتُ , كما استيقظ العالمُ أجمع , صباح يوم السبت 11 – يناير 2020م على ذلكم الحدث الجلل المتمثل في الإعلان عن خبر وفاة المغفور له - بإذن الله تعالى - السلطان قابوس بن سعيد سلطان سلطنة عمان الشقيقة. وقد شاء اللهُ لي أن أتوجه إلى الكتابة عن ذلكم الحدث الجلل تحت عنوان : (رحل القابوس .. وبقي القبس).

وقد يقول قائلٌ - وهو حسن النية - : ماذا تفيد كتابتك تحت هذا العنوان عن السلطان قابوس - رحمه الله - ؟ وخاصةً أنك لستَ من أهل عمان ولستَ مقيمًا فيها، وإن غاية ما بقيتَ فيها عدة أيام ؛ لغرض علمي قضيتَه وانتهى، فماذا تفيد كتابتك ؟! فاترك المجال والميدان لأهله من أهل السلطنة والمقيمين فيها سنوات وسنوات الذين شهدوا بأنفسهم ما حققه الفقيدُ الراحل السلطان قابوس من أعمال وإنجازات. هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى: فإن المكتبات العربية ممتلئة بالمؤلفات والأبحاث والمقالات عن المغفور له - بإذن الله - السلطان قابوس وأعماله وإنجازاته فماذا ستفيدُ كتابتك بعد كل ما كُتِبَ وقيل ؟! فليس بعد ما قالوه وكتبوه كلام يُكتب أو يُقال ، وليس فيما ستكتبه أمل يُبتغى !!!

وأنا أصدقُ هذا القائل فيما يقوله في بعض نواحيه، وأتحفظ عليه في نواح أخرى ؛ لإبداء الرأي فيه.

صحيح ما قاله القائل من أن المؤلفات والمقالات عن المغفور له - بإذن الله - متعددة وكثيرة .

إلا أنني أقول : إن العرب والمسلمين كما أنهم مطالبون بالاستفادة من تجارب التاريخ في الأمم ، إلا أنهم , في الوقت ذاته « مطالبون بالاستفادة من تجارب الأمم في التاريخ . ولن تتحقق لهم هذه الاستفادة » أعنى الاستفادة من تجارب الأمم في التاريخ إلا ببيان مدى تأثير أعمال عظماء الرجال في أوطانهم وأمتهم وشعوبهم .

وهذا النوع من الاستفادة إنما هو مسعى العرب والمسلمين بل والإنسانية جميعها، وهو سعيٌ لا تمنعه القوميات، ولا تحجبه الحدود ولا الجنسيات، ولا تحدده الأوقات ولا السنوات .

وانطلاقًا من هذا الواجب رأيتُ أن أكتبَ تحت هذا العنوان : (رحل القابوس .. وبقي القبس .

واسم ( قابوس ) يعني : صاحب الوجه الجميل والحسن اللون ، كما يعني أيضًا: الطاهر النجيب الأصيل اللطيف المؤيد بتأييد رباني. ويتميز حامل هذا الاسم بكلٍ من قوة الشخصية، وحب الخير لمن حوله ، فهو طموح تجاه مجتمعه وأمته ، ويبذل ما في وسعه من أجل تطوير من حوله. وأمّا ( القبس ): فهو كحسن صفة بمعنى ما يتّصف بكونه متنوّرا سايلا.

والقابوس في الوطن العربي والإسلامي في العصر الحديث قابوس واحد وهو السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، والذي قد رحل عنا وشيَعته عمانُ، كما شيعه العالمان العربي والإسلامي، نعم رحل، ولكنه ترك قبسَه بين العمانيين والعرب والمسلمين أجمعين .

نعم : رحل قابوس، ولكن : بقي قبسُ العطاء والعمل الذي بثه في نفوس أهل عُمان

نعم : رحل قابوس، ولكن : بقي منه قبسُ الحكمة والعقل والإصلاح ، والذي بثه في نفوس العمانيين عامة ، وفي نفسِ من أوصى له و استأمنه على القيام بمهمة حكم السلطنة من بعده، وجميعِ أولي الأمر في السلطنة كلٍ في موقعه.

نعم : رحل قابوس ، ولكن : بقي قبسُ التسامح والمحبة والإخاء يلمسه كلُ من عايش أهلَ السلطنة الكرام وكاتب هذه السطور على ذلك من الشاهدين -.

نعم : رحل قابوس ...... ولكن : بقي القبس .

وأخيرًا: لقد طبع التاريخُ قبلته الغالية على جبين الأمة العمانية بتولى السلطان قابوس - رحمه الله - حكم السلطنة منذ خمسة عقود ، وها هو التاريخ ذاته يعود - وكلٌ بقدر الله تعالى وأمره - ليمسح هذه القبلة التي طبعها على جبين هذه الأمة ؛ ليضعَ قبلةً جديدةً غالية متمثلة في تولي صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - مقاليد الحكم في السلطنة، سائِلًا المولى عز وجل أن يجعله خير خلَفٍ لخيرِ سلف.

مع خالص التعازي لأهل السلطنة الكرام وللشعوب العربية والإسلامية .