oman-logo-new
oman-logo-new
كلمة عمان

الشورى إرث واستمرارية

04 فبراير 2020
04 فبراير 2020

تمثل تجربة الشورى في السلطنة واحدة من ثمرات مشروع الدولة العمانية الحديثة التي وضع لبنتها جلالة السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - منذ مطلع السبعينيات، هذا القائد الذي بنى نهضة عظيمة طوال خمسين عاما من العمل الدؤوب والمستمر لأجل عمان وإنسانها، بإخلاص وعناء وأمل كبير بأن الوعد سوف يتحقق ذات يوم، وقد كان ذلك. لقد جاءت الشورى العمانية استثنائية من حيث الخصوصية والإرث الذي أخذت منه سواء عمق التاريخ العماني أو الإسلامي والعربي، وكافة المعاني المتعلقة بمناخ يقوم على السلام الأخوي والأخذ بالرأي والرأي الآخر، وصياغة مجتمع يقوم على التعاون والتعاضد لأجل إنجاز الأهداف العليا التي تصب في خدمة الجميع.

وإذا كانت الدولة العمانية الحديثة قد عبرت بعدة مراحل من تأسيس البنى الأساسية وتوفير الخدمات من تعليم وصحة وغيرها، فيمكن اعتبار المؤسسية وبناء هياكل الدولة والوزارات خطوة ثانية من هذه الخطوات، بالإضافة إلى الخطوة الثالثة المتمثلة في إقامة نظام الشورى الذي تطور تدريجيا مع الزمن وأخذ بمعطيات توافق بين الصورة الأصيلة ومتطلبات العصر الإنساني الجديد الذي نعيش فيه اليوم.

هذا التدرج والأخذ بمقتضيات كل مرحلة كان واحدا من النواحي الجديرة بالاعتبار والنظر في التجربة العمانية التي وضعها القائد الراحل رحمه الله، وهو يؤسس لمشروع كبير وممتد عبر الأزمنة، يحاور المراحل ويقف مع كل مرحلة وفق المتطلبات الأساسية التي تناسبها. ويجب الأخذ في الاعتبار بأن الإنسان يظل هو المرتكز في مجمل هذا المنظور، فالمؤسسية أو البنى الأساسية قبلها أو النظام السياسي المتمثل في الشورى، كل ذلك يصب في نهاية المطاف لصالح المواطن الذي هو معني بجملة مسار التطور والتحديث لأجل المستقبل المشرق.

إننا نحمد الله على تطور هذا النظام خطوة فخطوة وهو ينقل بنى المجتمع من الأطر التقليدية إلى الحديثة عبر الفكر الثاقب للسلطان الراحل رحمه الله، الذي كان له منظور واسع الأفق في تلمس كل ما فيه منفعة هذا الشعب والانطلاق به إلى المنشود في كافة نواحي الحياة بما يحقق الفائدة للجميع. إن الدولة الحديثة في سياقها الكلي هي عبارة عن عملية تشاركية، بالتالي فإن مفهوم الشورى لن يكون مجرد سياق متعلق فقط بالممارسة السياسية في شكل معين عبر المجالس الانتخابية، بل سيكون صورة عامة لها أفق كبير تتسع لتشمل مختلف نواحي الحياة وتجربة الإنسان المعاصر، مع الأخذ في الاعتبار الروح الجماعية في البناء والتطوير والمضي إلى الآفاق الأرحب بخصوص صناعة المستقبل.

أخيرا فإن الإرث الذي تشكل وتؤسس عبر العقود الخمسة الماضية مستمر بإذن الله وماضٍ إلى المزيد من التطوير مع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه -، فتجربة النهضة العمانية إرث متجدد ومستمر عبر الأجيال يتكسب في كل يوم إضافة نوعية مع الحرص على تنمية المكتسبات ونقلها إلى آفاق المأمول.