Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ: الاصطدام بالزوايا الحادة

04 فبراير 2020
04 فبراير 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يذهب الفهم الـ«فيثاغورسي» في العمليات الهندسية إلى أن هناك أربع زوايا معتمدة للعمليات الحسابية، وكلنا درسناها بتفاصيلها الشاملة؛ وهي: الزاوية الحادة، وهي التي تزيد عن (صفر) درجة وتقل عن (90) درجة، والزاوية المستقيمة؛ وهي الثابتة بمقياسها الـ(90) درجة، والزاوية المنفرجة، وهي التي تزيد عن (90) درجة وتقل عن (180) درجة، والزاوية المستقيمة؛ وهي الثابتة أيضا؛ على الـ(180) درجة.

ووفق هذا الفهم؛ الذي لا جدال حوله؛ لأنه حقيقة علمية مطلقة؛ فإن الزاويتين الحادة والمنفرجة هما الزاويتان اللتان تتيحان الفرص الكاملة للأخذ والعطاء على امتداد المساحة الحسابية المتاحة تحركهما فيها، حيث لا تقف العمليات الحسابية فيهما عند درجة محددة، كما هو الحال عند الزاويتين القائمة، والمستقيمة، اللتان لا تقبلان الاجتهاد، حيث ثبات النسبة والتناسب في حقيقتهما العلمية المجردة.

يذهب الحديث هنا أكثر إلى المعنى الضمني لمفهوم الـ«حدة» وهو مفهوم شديد التطرف إلى حد بعيد، ومعنى ذلك كلما استطاع أحدنا أن يتحرر من هذه الحدة، كلما أتاحت له فرصة الحركة فيما تذهب إليه الحقيقة العلمية في معنى الزاوية الحادة، التي تتسع فيها الرؤية من (أكبر من الصفر إلى ما دون التسعين) فما الذي يجعل الفهم عند الناس أن هناك درجة من الحدة تستنكفها النفس، وترى فيها العقبة الكأداء، ويستخدمون ذات المسمى «الزاوية الحادة» هل لأن الانزواء في حد ذاته غير مرغوب، وينظر إلى الذي يتخذ زاوية ما، على أنه مثار للشكوك؟ هذا الجانب؛ أما الجانب الآخر؛ فهو ما هي هذه الزوايا الحادة التي يحذر من الاصطدام بها، ويجب تجنبها قدر الإمكان؟

يمكن مقاربة هذا الفهم هنا، بالكثير مما هو حولنا، ويتخذ حساسية معينة أثناء التعامل معه، وبالتالي ينعت بـ«الزاوية الحادة» وهي؛ كما تمت الإشارة إليه؛ على أنها تذهب إلى التطرف في التقييم؛ لأنها تأخذ درجة من الحساسية المفرطة، والتي تجعل الناس يتهيبونها، ويعملون لها ألف حساب، فالعلاقة مع الآخر -على سبيل المثال– واحدة من الزوايا الحادة؛ لأنها تستوطن الكثير من القضايا الخلافية بين مختلف الأطراف، وليس يسيرًا إطلاقًا أن تمر كل العلاقات القائمة بين الناس دون منغصات، وكما هي القاعدة فـ«رضا الناس غاية لا تدرك» وبالتالي فأي نقطة صدام بين طرفين، يقيم كل طرف الطرف الآخر بأنه «شخص حاد الطباع» ويصعب التعامل معه، والأولى تركه، والابتعاد عنه، وهذه الشراكة مع الآخر تتعدد في مناخات كثيرة في حياة الناس، ويندر أن لا تكون هناك علاقة ما مع طرف ما، وبالتالي فتشابك هذه العلاقات بهذه الشمولية، يرافقها في المقابل الكثير من التعقيد، والكثير من تقاطع الرؤى، والمصالح، وبالتالي لا بد من السقوط في وحل الضغينة، وفي مستنقع التخوين، وهذه من أكبر الإشكاليات القائمة في معظم العلاقات؛ إن لم تكن كلها؛ على الإطلاق.

هل يمكن استثناء علاقة ما من كل هذه الكم الهائل من العلاقات دون الوقوع في براثن إسقاطات الضغينة؟ البعض يرجح علاقة النسب القائمة بين الوالدين وأبنائهما فقط، ولكن حتى هذه العلاقة «المقدسة» تنالها هذه السهام، وإن كانت في ظروف ضيقة جدا، وتنزل في منزلة الاستثناء، والخلاصة: أن المصطلحات العلمية، يسقطها الناس على حياتهم العامة، ويمارسونها دون أن يستحضروا حقيقتها العلمية التي تنأى بالمصطلح عن الوقوع براثن المفاهيم العامة للناس، مثل القول: «فلان متغيّر (180 درجة) مع أن زاوية الـ(180) درجة هي الزاوية المستقيمة، ولكن تقييم فلان هنا، ليس على أنه مستقيم، فقد يُقيّم على أنه غير مستقيم، وتبقى إشكالية المصطلح هنا قائمة.