أفكار وآراء

مسؤولية جماعية تبدأ بالمواطن العماني

03 فبراير 2020
03 فبراير 2020

د. عبدالحميد الموافي -

في حياة الأمم والشعوب أحداث فاصلة، وفترات تتسم بأهمية خاصة في مسيرتها، لأسباب عديدة ولكنها ترتبط في العادة بسؤال الحاضر والمستقبل حول المسار الذي تنطلق فيه وتواصل مسيرتها من خلاله. والمؤكد أن السلطنة تمر بهذه الفترة البالغة الأهمية بالنسبة لحاضرها ومستقبلها، بعد رحيل المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - بعد نحو خمسين عاما من العمل الدؤوب والمتواصل من أجل بناء النهضة العمانية الحديثة وإرساء وترسيخ أركان الدولة العمانية العصرية، على النحو الذي تمناه يوم توليه مقاليد الحكم.

وإذا كان السلطان قابوس - طيب الله ثراه - قد رحل بجسمه كوجود مادي، فإن من الأهمية بمكان وإلى حد كبير، أن جلالته باق بفكره وبنهجه وبرؤيته لعمان، الوطن والدولة والمواطن، في الحاضر والمستقبل أيضا، وهو ما أكد عليه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - في أول كلمة له بعد توليه مقاليد الحكم، ومن ثم فإن الحديث عن الحفاظ على مكتسبات النهضة العمانية الحديثة، وعن الانطلاق إلى آفاق الغد، بآماله ومتطلباته أيضا، ليس ترفا ولا تنظيرا من نوع ما، ولكنه ضرورة ، تحتمها طبيعة هذه الفترة من ناحية ، والحاجة أيضا إلى مواصلة الجهود، على كافة المستويات، وبأعلى قدر من المسؤولية والعطاء والإخلاص، من أجل أن تتواصل الخطى، وأن يتواصل العمل على كافة المستويات، وبقوة أكبر، وفاء واعتزازا بما حققه السلطان قابوس - رحمه الله - والتفافا أيضا حول جلالة السلطان هيثم بن طارق - أعزه الله - الذي يحمل مسؤولية الوطن ، بكل معانيها وبكل أبعادها في هذه المرحلة الدقيقة. ومع الوضع في الاعتبار الكثير من الرؤى والتنظيرات، المخلصة والموضوعية والواعية، وكذلك غير المخلصة وغير البريئة، لسبب أو لآخر أحيانا، فإنه من الأهمية بمكان الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، ولعل من أهمها ما يلي:

أولا : إن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - بحكم مسؤولياته القانونية ، هو رأس الدولة العمانية ورئيسها ، ووفق المواد (41) و(42) و(43 ) من النظام الأساسي للدولة، من ناحية، وبحكم عمله لسنوات طويلة مع السلطان قابوس - طيب الله ثراه - واقتراب جلالته منه ، وبحكم اختيار السلطان قابوس لجلالته ليحمل الأمانة من بعده ، هو الأمين على فكر السلطان الراحل ، وعلى الحفاظ على رؤيته ونهجه ، وعلى تحقيق الأهداف التي عمل من أجلها السلطان قابوس- رحمه الله - سنوات وعقودا طويلة ، من ناحية ثانية. و لم تكن مصادفة أبدا أن يكون جلالة السلطان هيثم بن طارق هو رئيس اللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية «عمان 2040» ، التي سيتحدد في إطارها مسار التنمية الوطنية خلال العقدين القادمين، وذلك بتكليف من السلطان الراحل. ومن ثم فإن ما يقرره ويحدده جلالته من خطوات ، الآن وفي المستقبل، إنما ينطلق من الوعي بنهج السلطان قابوس وترجمته إلى خطوات تحقق الغرض الذي تطلع إليه السلطان الراحل - رحمه الله - ويعني ذلك ببساطة أن السير على نهج السلطان قابوس والالتزام به يتطلب العمل على تحقيق ما كان يصبو إليه جلالته لعمان، الوطن والدولة والمواطن، واتخاذ ما يلزم من خطوات وإجراءات وتعديلات ضرورية في مختلف المجالات لتحقيق ذلك، خاصة في ظل الكثير من المتغيرات الإقليمية والدولية، التي تقتضى التعامل النشط والفعال معها للحفاظ على مصالح عمان اليوم وغدا ووفق ما يراه جلالة السلطان هيثم بن طارق محققا لذلك على المستويات المختلفة. وهو ما يتطلب ضرورة الالتفاف حول جلالته بقوة وعزم ووضوح من جانب كل فئات المواطنين .

ومما له دلالة عميقة أن جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه - أكد على السير على النهج القويم للسلطان الراحل ، و«التأسي بخطاه النيرة التي خطاها بثبات وعزم إلى المستقبل والحفاظ على ما أنجزه والبناء عليه هذا ما نحن عازمون بإذن الله وعونه وتوفيقه على السير فيه والبناء عليه لترتقي عمان إلى المكانة المرموقة التي أرادها لها وسهر على تحقيقها » وفي هذا الإطار فإن لجلالته أن يتخذ ما يراه مناسبا لتنشيط الوزارات والجهات ومؤسسات الدولة المختلفة ، ودفعها بشكل أكبر للسير لتحقيق الأهداف العليا للدولة ، ولتنتظم عجلة الأداء على كافة المستويات، وبما يعزز العمل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والإعداد الفعال لتطبيق الرؤية المستقبلية « عمان 2040» المقرر لها أن تبدأ مع أول يناير القادم، أي بعد أقل من عام من الآن.

ثانيا : إنه من المعروف على نطاق واسع أن بناء الدولة العمانية الحديثة، وترسيخ مؤسساتها وفق المبادئ التي وضعها جلالة السلطان قابوس - طيب الله ثراه - قد تم من خلال جهود كبيرة ومضنية ، خاصة في السنوات الأولى لمسيرة النهضة العمانية الحديثة، التي كانت بمثابة انبعاث من الصفر تقريبا، ولذا فإن الاعتزاز بما تم هو في الواقع اعتزاز كبير وعميق من جانب كل الذين شاركوا ويشاركون في إعلاء صرحه ويتمتعون بثماره في كل المجالات. ومن المعروف انه في خلال الأعوام الخمسين الماضية ، كانت كلمة السر التي استند إليها واعتمدها السلطان قابوس - رحمه الله - هي المواطن العماني، المواطن العماني كهدف تصب عنده كل جهود التنمية الوطنية، من أجل النهوض به وتحسين مستوى معيشته وإتاحة الفرصة أمامه ليتعلم ويتدرب وليعمل، وليتمكن من الإسهام على النحو الذي يريد في بناء حاضره ومستقبله ، كما كان المواطن العماني هو الركيزة والوسيلة، وهو الشريك في صياغة برامج التنمية الوطنية وفي تنفيذها أيضا على كافة المستويات ، وذلك في إطار استراتيجية وطنية شاملة، تميزت بالقدرة على استجماع جهود كل شرائح المواطنين وحشدها لتحقيق الأولويات الوطنية في كل مرحلة من مراحل التنمية. كما كان المواطن العماني أيضا، وفي الوقت ذاته، هو الحارس الأمين على مسيرة التنمية، حرصا عليها وحماية لها وعملا لإعلائها ، وفي ذلك كله كان المواطن على امتداد هذه الأرض الطيبة يستلهم خطوات السلطان قابوس - رحمه الله - وتوجيهاته، قناعة وحبا واعتزازا ووفاء لقائد نذر نفسه وحياته من أجل تحقيق حياة أفضل للمواطن العماني، كل مواطن عماني أينما كان، دون تفرقة وعلى مبدأ المساواة والمواطنة، وهو ما أعاد للمواطن العماني اعتباره، وجعله بحق شريكا حقيقيا في جهود التنمية الوطنية، التي يلمس ثمارها ويتمتع بها أينما كان على امتداد أرض عمان. ولذا لم تكن مسؤولية وواجب الحفاظ على منجزات مسيرة النهضة العمانية الحديثة شأنا حكوميا فقط، ولكنه كان قبل ذلك وبعده إسهاما فرديا وجماهيريا واسع النطاق، وبمسؤولية وطنية، جسدت المسؤولية الجماعية المشتركة بين المواطن العماني والحكومة في هذا المجال، ومن دون أوامر أو توجيهات، وهو ما يعبر عن مدى عمق الترابط الوطني بين المواطن والقيادة والحكومة. وفي هذا المجال قال جلالة السلطان قابوس - طيب الله ثراه - « وإذا كان بناء هذه الدولة العصرية التي تطلعنا إليها، قد تحقق بعون من المولى عز وجل ، فان الطريق إليها لم يكن - كما تعلمون جميعا - سهلا ميسورا، وإنما اكتنفته صعاب جمة وعقبات عديدة ، لكن بتوفيق من الله والعمل الدؤوب وبإخلاص تام وإيمان مطلق بعون الله ورعايته من جميع فئات المجتمع ذكورا وإناثا تم التغلب على جميع الصعاب واقتحام كل العقبات والحمد لله » وأضاف جلالته أن المنجزات التي تمت « ماثلة للعيان ولا تحتاج إلى أي برهان وإنما اردنا أن نؤكد على أهمية الحفاظ عليها وصونها وحمايتها لكي يتمكن الجيل القادم والأجيال التي تأتي من بعده من أبناء وبنات عمان من مواصلة المسيرة الخيرة برعاية المولى عز وجل »

وبينما حدد جلالة السلطان الراحل ملامح الطريق للحفاظ على مكتسبات التنمية الوطنية، وعلى نحو بالغ الشفافية والوضوح ، فإن جلالة السلطان هيثم بن طارق - أعزه الله - أوضح في كلمته بعد توليه مقاليد الحكم في الحادي عشر من الشهر الماضي الدور الحيوي، الذي لا غنى عنه للمواطن العماني خلال هذه المرحلة ، وهو ما يعد في جانب منه على الأقل، امتدادا لرؤية السلطان الراحل والبناء عليها ، حيث اكد جلالته - حفظه الله ورعاه - في كلمته ، «أن الأمانة الملقاة على عاتقنا عظيمة والمسؤوليات جسيمة وينبغي لنا جميعا أن نعمل من أجل رفعة هذا البلد وإعلاء شأنه وأن نسير قدما نحو الارتقاء به إلى حياة أفضل، ولن يتأتى ذلك إلا بمساندتكم وتعاونكم وتضافر جميع الجهود للوصول إلى هذه الغاية الوطنية العظمى وان تقدموا كل ما يسهل في إثراء جهود التطوير والنماء « ومن ثم حدد جلالة السلطان المعظم الطريق إلى رفعة عمان وإعلاء شأنها وتحقيق حياة أفضل.وإذا كان المواطن العماني هو كلمة السر على امتداد العقود الخمسة الماضية ، فانه بالتأكيد كلمة السر الوطنية أيضا الآن وفي المستقبل، خاصة وان المواطن العماني الآن يتمتع بدرجة عالية من الإدراك والتعليم والخبرات الحديثة والقدرة على التفاعل مع العالم من حوله ، مقارنة بما كان عليه قبل أربعة عقود، وبالتالي ترتفع قدرات المواطن العماني العملية والعلمية على العمل والمشاركة الفعالة ، ليس فقط في جهود الحفاظ على المكتسبات وحمايتها، ولكن أيضا في العمل على تطويرها بشكل علمي وعلى نحو أفضل واسرع في كل المجالات. وعبر التعاون الوثيق بين مؤسسات وأجهزة الدولة تنفيذية وتشريعية ، وقضائية ، ومؤسسات المجتمع المدني أيضا، وذلك في إطار سياج قوي من الأمن والأمان والتعاضد على امتداد ارض عمان الطيبة، وهو ما يعمل عليه جلالة السلطان هيثم بن طارق - أعزه الله - ويحرص كل مواطن عماني على التعاون معه وبذل كل جهد ممكن لتحقيق الأولويات الوطنية التي يحددها جلالته وفاء للسلطان قابوس وسيرا على نهجه القويم، وتأكيدا أيضا على قدرة المواطن العماني على تحمل المسؤولية، وكعادته دوما وتحت كل الظروف، وبذلك تنطلق عمان إلى آفاق أرحب والى غد أفضل يرتكز على ما تم خلال العقود الخمسة الماضية في كل المجالات، وبقيادة وتوجيه جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - لترتقي عمان ولتتمكن من تحقيق كل ما يصبو إليه المواطن العماني في الحاضر والمستقبل .