أفكار وآراء

مزيد من العمل لآفاق مستقبلية ومجد متجدد

03 فبراير 2020
03 فبراير 2020

فتحي مصطفى -

لم يتصور الشعب العماني منذ انطلاق النهضة المباركة في عام 1970 بعد تولي -المغفور له بإذن الله- السلطان قابوس بن سعيد، مقاليد الحكم، أن الحلم سيتحقق، وأن بلاده ستحقق إنجازات كبيرة تضعها في مكانة بارزة بين جيرانها من دول مجلس الخليج العربي، وباقي الدول العربية، ولم يأت ذلك من فراغ، بل جاء نتاج عمل دؤوب من أشخاص عرفت معنى الإخلاص والعمل الجاد، وشعب واع شعر بأهمية تحقيق ما حلم به، في ظل قيادة حكيمة قطعت على نفسها عهدا وأصرت على تحقيقه وتنفيذه في أفضل صورة.

تم وضع خطة بعيدة المدى بدأت المرحلة الأولى منها عام 1970 واستمرت حتى عام 1995 أي 25 عامًا، ويجري العمل على الانتهاء من تنفيذ المرحلة الثانية منها، وهي رؤية 2020 التي حملت أهدافًا كثيرة من بينها تغيير دور الحكومة في الاقتصاد، وإعطاء فرصة أوسع وأكبر لمشاركة القطاع الخاص، وتنويع مصادر الدخل القومي، من خلال تنويع القاعدة الاقتصادية، وتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي، والعمل على تطوير الموارد البشرية التي تلعب المناطق الاقتصادية دورا فيه، وأبزرها الدقم وكذلك منطقة «صلالة» الحرة التي لعبت دورًا كبيرًا في مساعدة السلطنة على تحقيق أهدافها الرئيسية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن هذه المزايا الاستثمارية نجحت في جذب 3.5 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المتنوعة التي بدأت منذ تأسيس المنطقة الحرة عام 2006.

وجاء جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - ليتحمل عبئا ثقيلا وهو استكمال مسيرة النهضة المباركة والعمل على تنفيذ رؤية السلطنة 2040، وهي أمر يحتاج للمزيد من تضافر الجهود على جميع المستويات، مع المساعدة الحقيقية من الشعب العماني، بمد يد العون لقائدهم الجديد.

ولعل أبرز التحديات التي تواجه سلطنة عمان هو تحقيق أهداف رؤية 2040، إذ تحمل عددا من المحاور المهمة التي تحتاج سنوات من العمل الجاد، وما يدعو إلى الاطمئنان هو أن جلالة السلطان هيثم بن طارق كان يتولى منصب رئيس اللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية «عمان 2040»، ما يعني دراية تامة بمجريات الأمور، وإدارة واعية لها ترفع من نسب نجاحها لتصل بها إلى درجة الكمال وتحقيق جميع أهدافها مع أول دقيقة في مطلع عام 2040 بإذن الله.

وتعد رؤية 2040 من أهم الأهداف التي تسعى السلطنة لتحقيقها، إذ تستند عملية إعدادها على عدة منطلقات أساسية، تم وضعها باهتمام شديد، ويأتي الإنسان والمجتمع كركيزة أساسية تهدف إلى إرساء مبادئ المساواة والعدالة بين أفراد الشعب العماني، وتوفير الرعاية الاجتماعية لهم، ودعم قدرتهم في التعامل مع المجتمعات الأخرى، من خلال دعم المرأة وتمكين الأسرة والاهتمام بالأطفال والشباب وذوي الإعاقة والمسنين، وهو ما يتطلب تطوير مظلة الحماية والرعاية الاجتماعية ودعم الاعتماد على الذات، وتقريب الفوارق بين فئات الدخل المختلفة.

تهدف الرؤية أيضا إلى الحفاظ على الهوية العمانية التي ترتكز على قيم الإسلام السمحة، والمحافظة على التراث والتقاليد، وتطوير وبناء قدرات المواطنين وإعدادهم وتسليحهم بالقوة والإرادة لبناء مجتمع مزدهر يمكنه مواجهة أي تحديات أو متغيرات تحدث على المستوى العالمي، من خلال تهيئتهم وإكسابهم مهارات تفيد في المستقبل وسط التطور التقني في شتى نواحي الحياة.

وفي مجال التنمية والاقتصاد، تسعى السلطنة إلى بناء اقتصاد متنوع وديناميكي يتفاعل مع معطيات العولمة، تستطيع من خلاله المنافسة وتلبية حاجة المواطنين حاضرًا ومستقبلًا، مع توسيع دور القطاع الخاص، وإحداث تنويع يضمن معدلات نمو اقتصادي مستمرة، مع انخفاض الطلب على خام النفط كمصدر رئيسي للطاقة في المستقبل، ووضع رؤية متكاملة لتحقيق تنمية متوازنة ما بين المحافظات والمناطق المختلفة، وتحديد المشكلات والمعوقات التي تعرقل تحقيق أهداف الخطط التنموية، وتذويب الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين جميع محافظات السلطنة، أيضا ضمان حماية موارد السلطنة الطبيعية ووضع أسس لاستخدامها بطرق سليمة وآمنة، وحماية المجتمع من أي آثار بيئية ضارة.

ومن أهم محاور رؤية 2040 هو إيجاد بيئة ذات عناصر مستدامة، ويهدف إلى ضمان عملية التوازن بين البعد البيئي، والبعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي، على جميع مستويات التخطيط التنموي عبر حماية الموارد الطبيعية وضمان استخدامها بطرق آمنة وسليمة لضمان استمرارها كإحدى ضروريات دعم الاقتصاد وتحفيزه على الإنتاج، من خلال تبني نهج التحول إلى ما يسمى بالاقتصاد الأخضر واستخدام أساليب التقنية الحديثة في عدد من القطاعات مثل الزراعة والمياه، لتحقيق الأمن الغذائي والمائي، والاتجاه إلى مصادر بديلة للطاقة بما يضمن استدامة النظام الإيكولوجي، وتجديد مواردها، ويساعد في تحقيق «الرفاه الاجتماعي» ويخفف الضغوط على الإدارة المالية.

وثمة ضرورة هي العمل على تحسين فعالية الحوكمة، والأداء المؤسسي، وسيادة القانون، من خلال وضع إطار مؤسسي يساعد في تفعيل القوانين والممارسات التي تعمل على تحديد التفاعلات والصلات بين ذوي العلاقة، ويسهم في إيجاد نظم مساءلة فاعلة وشفافة، وكذلك يحدد أولويات التوزيع العادل والأمثل للموارد.

أهداف ومحاور وركائز كثيرة احتوتها رؤية 2040 لن يتم تحقيقها ووضعها على أرض الواقع إلا من خلال الإيمان التام بأهميتها كسبب رئيسي لرفعة الشأن وتحسين المستوى المعيشي للفرد والمجتمع، مع ضرورة مد يد العون إلى القائمين عليها وتقديم كل العوامل التي تساعد في نجاحها، مثلما حدث مع رؤية 2020 وما قبلها منذ بدء تحرك سفينة النهضة على يد -المغفور له - السلطان قابوس بن سعيد، واستكمال مسيرة القيادة الحكيمة بعد تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق دفة السفينة والقيادة للوصول إلى ما هو أبعد من رؤية 2040.