أفكار وآراء

ترامب ونتانياهو- حملة علاقات عامة وليست خطة سلام

02 فبراير 2020
02 فبراير 2020

واشنطن بوست - ماكس بوت - ترجمة قاسم مكي -

كل رئيس يواجه متاعب سياسية يبحث في السياسة الخارجية عن موقف لصرف الأنظار والرئيس ترامب لا يختلف في ذلك.

بدأ شهر يناير بمقتل اللواء الإيراني قاسم سليماني وانتهى بطرح خطة سلام من البيت الأبيض للإسرائيليين والفلسطينيين. بالتأكيد ليس مصادفة أن يحدث كل هذا أثناء مداولات عزله. فترامب يُسَوِّق نفسه كصانع حرب وسلام أيضا.

لكن في حين يمكن للرئيس دون شك إصدار أوامر بقتل قادة معادين له إلا أنه ليس في مقدوره «دعك» أصابعه وإنهاء صراع طويل الأمد.

في الحقيقة هو لا يحاول «جادا» أن يفعل ذلك. فما أُزيحَ عنه الستار يوم الثلاثاء 28 يناير كان حملة علاقات عامة وليس خطة سلام.

عادة عندما تصنع سلاما يلزمك أن تفعل ذلك مع أعدائك. لكن من كانا حاضِرَين في منصة المخاطبة بالبيت الأبيض هما ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو فقط. ولم يُشَاهَد أي ممثل فلسطيني هناك. كما من الواضح أنه لم تتم استشارة أي أحد في إعداد هذه الخطة.

لقد كف الفلسطينيون عن إجراء محادثات مع الولايات المتحدة منذ إعلان ترامب في ديسمبر2017 أنه سينقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس. وهو ما يشكل اعترافا منه بأن هذه المدينة المتنافس حولها عاصمة لإسرائيل. وقد ذُكِرَ أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس نَعَتَهُ مؤخرا بأوصاف «سلبية».

بالمقابل وصف نتانياهو ترامب لِتَوِّهِ بأنه «أعظم صديق لإسرائيل على الإطلاق في البيت الأبيض».

إنه يقينا أفضل صديق يحصل عليه نتانيناهو على الإطلاق. فرئيس الوزراء الإسرائيلي «المتهم والرئيس الأمريكي الذي تقرر الشروع في إجراءات عزله» وقفا في المنصة وهما يتظاهران بأنهما مهتمان بالسلام. لكن في الحقيقة كل ما يهمهما هو السياسة. فخطة السلام «هذه» منحازة بشدة إلى إسرائيل بحيث ينبغي لها أن تساعد نتانياهو وترامب في الحصول على أصوات الناخبين المحافظين في الترشح لإعادة انتخابهما. وربما ذلك هو ما كان يقصده ترامب حين قال إن خطة السلام التي طرحها «انتصار للجانبين».

أما الخاسرون فهم الفلسطينيون وكل أولئك الذين يعتقدون أن السبيل الوحيد لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية هو إيجاد دولة فلسطينية حقيقية ذات سيادة على معظم السكان العرب بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.

وُصِفَت خطةُ السلام بأنها «رؤية» حل واقعي للدولتين. لكن هذا مجرد تزيين وزخرفة لاستيلاء إسرائيل على السلطة والأرض.

علينا أن نقرأ السطور الدقيقة (في وثيقة الخطة) وتحديدا الصفحة رقم 34 كي نرى أن تعهد ترامب تجاه الدولة الفلسطينية يرتكز على شروط لن يتم الإيفاء بها أبدا.

فالمعايير المطلوبة «لتكوين الدولة الفلسطينية» تشمل تجريد كل الفلسطينيين تجريدا تاما من السلاح بما في ذلك نزع سلاح حماس في قطاع غزة الذي لا تسيطر عليه السلطة الفلسطينية. فحماس عليها (بحسب الخطة) أن تنتقل من الدعوة للقضاء على إسرائيل إلى التخلي عن «حق العودة» للفلسطينيين والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.

ليس هذا هو فقط الجزء الأبعد منالا من الخطة. فهناك شرط للدولة الفلسطينية وهو إيجاد «نظام حكم قائم على دستور أو نظام آخر لإرساء حكم القانون يتيح حرية الصحافة وانتخابات حرة ونزيهة واحترام حقوق الإنسان وحق الأقليات الدينية في ممارسة شعائرها والتطبيق العادل للقانون والحقوق التعاقدية واتباع القواعد والإجراءات القانونية السليمة واستقلال القضاء».

بكلمات أخرى، كي يتم الاعتراف للفلسطينيين بالدولة ذات السيادة عليهم تحقيق «مستوى» من الحكم لم يتحقق لأي بلد في الشرق الأوسط بخلاف «إسرائيل» نفسها.

لكن في حين أن الوعد بالدولة الفلسطينية يستند على شروط خيالية إلا أن الخطة لم تضع أية شروط للسماح لإسرائيل بضم وادي الأردن وكل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. فنتانياهو يمكنه ضمهما غدا. ومن المحتمل جدا أن يحدث ذلك.

إن أية خطة سلام جادة ستلزم إسرائيل بتفكيك المستوطنات النائية والتي تأوي الآن في الإجمال 80 ألف مستوطن تقريبا. لكن الخطة تتجنب على وجه التحديد مثل هذه التسوية. فهي تذكر أنه «لا ينبغي لها المطالبة باقتلاع الناس (عربا أو إسرائيليين) من بيوتهم».

تشمل الخطة «خارطة مفاهيم» لدولة فلسطينية مستقبلية تبدو أشبه بدائرة انتخابية «مختلقة» لأغراض انتخابات الكونجرس الأمريكي وليست دولة مكتفية ذاتيا.

في مقابل التضحية بكيان الدولة يُعرَض على الفلسطينيين وعدٌ بالتقلُّب في النعيم «مع إمكانية تدبير استثمارات جديدة تزيد قيمتها عن 50 بليون دولارا خلال عشرة أعوام»، بحسب الخطة التي ترى أن « ازدهار السلام يمثل المجهود الدولي الأكثر طموحا وشمولا للشعب الفلسطيني حتى الآن».

هذه الخمسون بليون دولار هي المبلغ الخيالي الذي حاول جاريد كوشنر صهر ترامب الدعوة إلى جمعه في ورشة انعقدت في الصيف الماضي وفشل في ذلك. إذ ليس لدي الولايات المتحدة ولا أي من حلفائها أية نية لمنح الفلسطينيين هذا المال. وهم يعلمون ذلك.

يقول ترامب «إذا لم يستطع جاريد كوشنر أن يفعله فلا يمكن فِعلُهُ».

إذا كان يعني بالضمير في «يفعله» حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي فقد اتضح أن ذلك «الحل» لا يمكن «فعله» ولا مفاجأة في ذلك. لكنه إذا كان يعني مساعدة ترامب ونتانياهو سياسيا وفي ذات الوقت الإضرار بمستقبل حل الدولتين في الأجل الطويل فإن ذلك قد «فُعِلَ».

■ الكاتب زميل أول كرسي جين كيرباتريك لدراسات الأمن القومي بمجلس العلاقات الخارجية وكاتب عمود بصحيفة واشنطن بوست ومحلل للشؤون الدولية بشبكة سي إن إن ومؤلف كتاب «الطريق الذي لم يُسلَك: إدوارد لانسديل والمأساة الأمريكية في فيتنام».