أفكار وآراء

النهايات العظيمة بدايات راسخة

01 فبراير 2020
01 فبراير 2020

آن بنت سعيد الكندية -

Twitter : @AnnAlkindi -

تعلم العمانيون في جنازة المغفور له السلطان قابوس ما لم يتسن لهم في عقود مضت. فهم العالم أن السلطنة الهادئة لا تحركها العواصف الهوجاء عن خطاها المرسومة بتوازن حذر الدقة والمقاييس. الترتيب المتقن التفاصيل في جنازته ناهيك عن انتقال السلطة لم يكنا وليدي الأمس او اليوم او ردة فعل لمستجدات لا تستكين في منطقة ملتهبة. لطالما ارسل جلالة السلطان رحمه الله رسالات ورسالات عن أن العبرة بالأفعال لا بالأقوال مبتعدا عن البهرجة وحب الظهور في أضواء السياسة العالمية. كانت جنازته متواضعة أنيقة محسوبة الخطوات تماما كمشيته العسكرية التي اتقنها أيما إتقان قائما بدوره كحاكم حتى آخر اللحظات.

سيدي الراحل لم اكتب عنكم كثيرا في حياتكم خوفا من تزلف مقامكم ، لكنني اليوم أود تسطير رسائلكم الضمنية إن وفقت في فهمها وايضاحها. لم يذكر التاريخ سلطانا وقائدا عسكريا يحمل جنازته قادته العسكريون بأسى بادٍ في أعينهم، كما لم يعرف التاريخ بعد في إقليم الخليج ممكنا للمرأة مثله برعايته عرضا عسكريا نسائيا تاركا خلفه حكومة من أربع وزيرات لأول مرة.

بكى العمانيون برؤية نعشكم غير مستوعبين أن إجراءات انتقال الحكم أُحكمت أيما إحكام لهم قبل ان تواروا الثرى حتى يعرفوا أن الأمان مستتب بعدكم. مهدتم وأعددتم سلطانا بعدكم عرف بصمته الرزين، وعمله الدؤوب فالبناء على ما تركتم انطلاق لعهد «جديد».

مراكز فكر عالمية قليلة الظهور وصحف قد لا يتوقع منها الاهتمام بما يحدث في السلطنة كتبت ممتنة عن سياسة حسن الجوار وحقن الدماء وأصدقاء لا أعداء. دخلوا في تفاصيل وتفاصيل مركزين على الأجندة الاقتصادية قد يدفعهم الخوف من ان تفقد السلطنة توازنها المعهود في حيادها الإيجابي، فهموا الآن أن المواقف والمبادئ الثابتة لها ثمن يستنزف الكثير فلا أمن ولا أمان دون درء للأخطار.

أقول عن الاجندة الاقتصادية مثل ما قلت عن انتقال السلطة حين كنت أُسأل من مراكز الفكر في قلقهم المبالغ لما بعد السلطان قابوس أن السلطنة قادرة على تحقيق استدارة اقتصادية في غضون سنوات بسيطة. فهل هذا كلام في كلام ام رجم بالغيب أو حديث مكرر عن مقومات السلطنة؟، لا.. انما رؤية 2040 آن أوان تنفيذها. مرة أخرى لم يعد لهذا الانطلاق الاقتصادي في الأمس القريب بل اخذت أعواما من المشاركة المجتمعية. مرحلة من العمل الجاد الممتع قادمة بسواعد الشباب الذين يمثلون أكثر من نصف المجتمع العماني.

جلالة السلطان قابوس رحمات الله وغفرانه عليه المؤسس للنظام الأساسي الذي كفل هذا الانتقال السلس حدد أربعين يوما حدادا تأبينا والتقاطا للأنفاس وترتيبا للأوراق. وبالرغم من التقارير المتوالية المحذرة من مديونية السلطنة المتنامية فإنني على تفاؤل بتقليص في الإنفاق التشغيلي قادم إذا تفهم العمانيون أن الانتقال من أسلوب الدولة الرعوية يتطلب منهم جاهزية فكرية. لا تغيير يحدث دون ألم فالدول والشعوب لا تتغير الا بعد ان تمر بمراحل عصيبة كما اخبرنا التاريخ مرارا وتكرارا غير أن ألم التغيير فيه نكهة البناء. جميع دول الخليج تحاول تحقيق التنويع الاقتصادي بأدوات اقتصادية دون عقد اجتماعي جديد بحقوق وواجبات محددة. استحقاقات واستحقاقات ملزم على الدولة تقديمها دون ان نتساءل كيف ستكون واجباتنا ونوعية حياتنا إذا ما أردنا الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الإنتاجية والابتكار.