Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ :أن تكون؛ أصيلا ومخلصا

31 يناير 2020
31 يناير 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تجرك المعاني إلى عمق الحكمة في كثير من الأحيان، ولذلك يستغلها الكثيرون في توظيفها في المناسبات، والمواقف التي تخدم موقفهم، وتعلي من شأنهم، وقد تُجَيّر علاقاتهم بالآخرين، مع أن حقيقة الكلمة في تجريديتها؛ تكاد؛ لا تساوي شيئا يذكر، وقد تفقد قيمتها المعنوية عند من لا يفهمها، أو لا يدير لها بالا، على اعتبار أنها مجرد كلمة لا تقدم، ولا تؤخر، وفي ذلك مجازفة خطيرة؛ أيضا؛ فالكلمات لها تأثير أقوى من الرماح، أو السهام، وتبقى تتوغل في دهاليز النفس أزمانا طويلة، تحفر في القناعات، وفي الرؤى، ومن أثر كلمة تغير مسار حياة إنسان، ظل سنين عديدة يسير على وتيرة واحدة في حياته.

(أن تكون؛ أصيلا ومخلصا) ففي تحقق أحدهما؛ يستلزم تحقق الأخرى، وإلا أوقعنا أنفسنا في مطب الانفصام، فتلازم المعاني في مثل هذه الكلمات، يذهب إلى تلازم الأفعال في كثير من الأحيان، ويكون في حكم الاستثناء أن تتقاطع الصفات بمسميات كلماتها مع الأفعال، فالحسن أعماله؛ غالبا؛ حسنه، والسيء؛ غالبا؛ أفعاله سيئة، والمنبت الطيب، ينتج طيبا، والمنبت السيء ينتج سيئا، ولذلك؛ ففي حياتنا اليومية؛ أول ما يتبادر فلان من الناس على جمع ما، يبدأ الجميع بإرسال سهام القذف؛ إن كانت أفعاله سيئة؛ فيقال: «جاءكم سيء الذكر» على سبيل المثال، والعكس تماما؛ إذا كانت أفعاله حسنة؛ فيقال: «هذا إنسان رائع، ما شاء الله عليه، نعم الرجل» وقس على ذلك أمثلة كثيرة.

قد يقال أيضا: «أن تكون؛ مخلصا وأمينا، لتقارب المعاني بين هاتين المفردتين، فالدلالات اللغوية تفصل المعاني، ولكن لن يكون لهذه المعاني أثرا على الواقع، إن تجاوزتها سلوكيات الناس، فالارتباط الوثيق بين الدلالات والمعاني لا بد؛ في المقابل؛ أن يدعمه سلوك على الواقع، وإلا ستظل هذه الدلالات اللغوية «تغرد خارج السرب» كما هو المثل، ومع الفهم الواعي لدلالات المعاني من خلال المفردات المتداولة بين الناس، يختصر الناس في أحاديثهم المختلفة إلى الرموز، وإلى الإشارات في كثير من الأحيان، ولا تحتاج المسألة إلى النزول في الميدان، ولذلك يقال لك في المثل أيضا: «العبد يقرع بالعصى، والحر تكفيه الإشارة» وقد تكون الإشارة؛ وفق هذا الفهم؛ أشد إيلاما من الضرب بالعصى، في بعض المواقف، وقد تكون الإشارة اختصار لكثير من الكلام، كما يقال في حق الصورة أنها تساوي ألف كلمة.

وعندما نعود إلى العنوان؛ على سبيل المثال؛ (أن تكون؛ أصيلا ومخلصا) فإن المعنى لا يحملنا الكثير من المشقة، فـ «الأصيل هو النسخة الأولى والأخيرة من ذاته، وليس من شيء آخر» كما يقول: عبدالحليم عباس/‏‏ كاتب من السودان، فهل يمكننا أن نستحضر هذه الأصالة من ذواتنا وفق رؤية عبدالحليم، ولا نحتاج إلى شهادة من يشهد بذلك؟ الإجابة نعم، فالذات تحتاج إلى أن تحقن بهذه الصورة الإيجابية، ولذلك فعلينا أن نقول لأنفسنا أننا أصليون في أفعالنا، وفي أقوالنا، وفي مواقفنا، وفي رؤانا، كما علينا نستشعر ذات المعاني بكل الدلالات التي تحملها كلمة الإخلاص في الظاهر والباطن من كل ما ذكرناه في حق الأصالة.

الإشكالية التي نعاني منها دائما هي حالة الخروج السريع من دائرة الصفات الطيبة والإيجابية، والسبب في ذلك هو التسرع، وربما النسيان، وربما الغفلة، وهذه إشكالية إنسانية قائمة، ارتضيناها واقعا، أو أغضضنا عنها الطرف انهزاما وتراجعا، ومع ذلك فهي متاحة بين أيدينا نكيفها كيفما نشاء، وفي الوقت الذي نريد، تبقى الحالة المزعجة أكثر في هذه الصورة، هي حالة الانفصام التي نعاني منها، ولكن تبقى ليست حالة ميؤوسا منها، إطلاقا، فيمكن التراجع عنها سريعا، الوصول إلى انقيادية متزنة للنفس، لا تخرج عن أصالتها، وعن إخلاصها، وعن أمانتها، وعن صدقها.