الملف السياسي

الموازنة العامة والنمو الاقتصادي

27 يناير 2020
27 يناير 2020

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

تلعب الموازنات العامة للدول دورا كبيرا في مجال التحفيز الاقتصادي من خلال الإنفاق الذي يحرك المشهد الاقتصادي على مستوى كل القطاعات، ومن هنا جاءت الموازنة العامة للدولة لتعطي مؤشرات هامة للنمو الاقتصادي وتحفيز القطاعات الإنتاجية في الدولة خاصة على صعيد الموانئ والمطارات والسياحة والقطاع الصناعي واللوجستي وفي مجال الموارد البشرية.

كما تأتي الموازنة والتي تزيد عن 13 مليار ريال عماني لتعطي خطوات أساسية في مجال الإنفاق الأساسي على القطاعات الأساسية في مجالي التعليم والصحة وعلى مسألة التحفيز في مجال التنويع الاقتصادي الذي تقوم بالإشراف عليه وحدة التنفيذ والتي تهدف إلى إيجاد اقتصاد متنوع مستدام يبتعد رويدا عن الاعتماد على قطاع النفط على ضوء ما حددته الرؤية المستقبلية 2040 والتي تهدف في نهاية الرؤية أن يكون الاستهداف 93 في المائة على القطاعات الإنتاجية غير النفطية وهو طموح كبير تستهدفه الرؤية والتي سوف تنطلق أولى مراحلها العام القادم.

دفعة اقتصادية

اكثر من 13 مليار ريال عماني جملة الموازنة العامة للدولة للعام الحالي ورغم العجز الذي قدر بمليارين ونصف مليار ريال إلا ان التحفيز للأنشطة الاقتصادية بشكل كلي جاء منسجما مع التطلعات نحو تحقيق أهداف الخطط والتوجهات نحو دعم القطاع الخاص والمؤسسات المتوسطة والصغيرة وفي مجال الإنشاءات لاستكمال شبكة الطرق في السلطنة وعدد من المشاريع الحيوية على صعيد البنى التحتية ومزيد من الاستثمار في مجال الصناعات التحويلية.

ان الموازنة العامة للدولة ركزت على القطاعات الإنتاجية علاوة على الاهتمام بالقطاعات الأساسية كالقضايا الاجتماعية وفي مجال الإسكان والبيئة والموارد البشرية والتركيز على القطاعات المستهدفة كقطاع الخدمات واللوجستيات وفي مجال المزيد من التنقيب عن النفط والغاز من قبل مختلف الشركات والتي تتحمل الجزء الأكبر من تلك الاستثمارات.

ولعل الموازنة العامة للدولة ركزت على إيجاد توازن بين الإنفاق والمصروفات تبعا للأوضاع الاقتصادية العالمية خاصة على صعيد أسعار النفط والذي يشهد استقرارا إلى حد ما عند فوق 60 دولارا للبرميل كما ان الأوضاع الجيو - سياسية لا بد ان توضع في الاعتبار في ظل التوتر المتواصل في المنطقة وتأثير ذلك على الأوضاع الاقتصادية، ومع ذلك فان اتفاق المرحلة الأولى التجاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية أعطى زخما إيجابيا على صعيد التفاؤل الاقتصادي وتسارع النمو في الاقتصاد العالمي وهو ما ينعكس إيجابا على الدول النامية بشكل خاص.

ان الموازنة العامة تعطي دفعة مهمة لمسألة التنويع الاقتصادي من خلال التركيز على القطاعات الإنتاجية ويمكن الحديث هنا حول الاستثمار في مجال الأمن الغذائي الذي بدأ ينشط من خلال عدد من شركات الألبان والدواجن والأمر ايضا في المجال السمكي، حيث إن هناك مشروعات عديدة أُنجز بعضها في مجال الاستزراع السمكي وهناك عدد من موانئ الصيد السمكي والخدمات التي تقدم للصيادين ولعل ميناء الصيد البحري في منطقة الدقم الاقتصادية والصناعات السمكية المصاحبة له سوف تشكل نقلة مهمة لهذا القطاع الحيوي.

منطقة الدقم

تشكل المناطق الاقتصادية الدور الأكبر في مسألة التنويع الاقتصادي والدفع بعدد من القطاعات إلى الأمام ولعل منطقة الدقم الاقتصادية والتي استثمرت فيها الدولة مبالغ كبيرة سوف تشكل المحور والبوابة الاقتصادية للسلطنة من خلال جملة من المشاريع والاستثمارات الوطنية والعربية والأجنبية والتي تقدر بمليارات الدولارات خاصة من قبل الشركات الصينية وأيضا الهندية والاستثمار في مجال مصافي النفط وتخزين البترول في راس مركز من قبل شركة النفط الكويتية.

وسوف تكون منطقة الدقم خلال سنوات قليلة واجهة السلطنة في مجال الموانئ والحوض الجاف والتبادل التجاري والصناعي وتستقطب المزيد من المشروعات في ظل توفر البنية التحتية التي استثمرت فيها الدولة، حيث المطار الحديث وشبكة الطرق الحديثة وإنشاء المؤسسات التعليمية مما سوف يحفز المستثمرين على دخول في مشاريع جديدة.

ومن هنا فان الموازنة العامة للدولة من خلال الإنفاق على البنى التحتية أيضا في موانئ صلالة وصحار وشناص وغيرها من الواجهات البحرية، سوف يكون له مردود اقتصادي وتجاري وتوفير فرص العمل للشباب العماني، ولا شك أن المنطقة الحرة بمدينة صلالة قد سجلت استثمارات مهمة في الآونة الأخيرة وهذا يعطي مؤشرا إيجابيا على إنشاء المزيد من الصناعات المختلفة وتوفير فرص العمل علاوة على ان ميناء صلالة يسجل أرقاما ممتازة على صعيد مناولة الحاويات واصبح من الموانئ المهمة على صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما ان ميناء صحار الصناعي يواصل أداءه الإيجابي من خلال المزيد من الاستثمارات والتي سوف يكون لها مردود إيجابي على الصعيد الاقتصادي وتوفير مزيد من فرص العمل للشباب العماني ولعل الموانئ العمانية لها ميزة كبيرة باعتبارها تقع على بحار مفتوحة كبحر عمان وبحر العرب والمحيط الهندي.

قانون الاستثمار الأجنبي

يعد الاستثمار من الأدوات الأساسية التي تشجع على جلب المزيد من الأموال ومن هنا جاء قانون الاستثمار الأجنبي والذي بدأ العمل به منذ بداية هذا العام ليعطي دفعة مهمة من خلال هذا التشريع القانوني المهم.

وهناك ارتباط واضح بين الإنفاق الحكومي على القطاعات الإنتاجية والاستثمار فالقانون الجديد سوف يجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية للسلطنة، من خلال ما يقدمه من ميزات أساسية للمستثمر الأجنبي منها السماح بالاستثمار بحصة كاملة دون شريك محلي وهذا بلاشك سوف يعطي دفعة إضافية للحصول على المزيد من الاستثمار والذي بدوره يعطي الاقتصاد الوطني انتعاشة مهمة، كما أن تدفق الاستثمارات سوف يوفر آلافا من فرص العمل وهو ما يوفر الإنفاق الحكومي في هذا المجال.

وهناك قانون الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص وهذه نقلة نوعية في مسألة إعطاء القطاع الخاص دورا اكبر في مجال المشاريع وإدارة عدد من القطاعات من خلال السياسة الرشيدة للتخصيص ومن خلال إجراءات وآليات تتماشى والنظرة المستقبلية لرؤية عمان 2040.

وهناك ارتباط كبير الآن بين نمو الاقتصاديات وزيادة الاستثمارات لأن تدفق المزيد من الأموال يعطي دفعة كبيرة للحراك الاقتصادي وحتى حركة للمؤسسات المتوسطة والصغيرة من خلال زيادة المناقصات، ومن هنا فإن قانون الاستثمار الأجنبي يعد محفزا للقطاع الخاص والاستثمار ويخلق بيئة محفزة للنمو الاقتصادي ويعطي مؤشرا على أن السلطنة هي بلد مستقر وآمن وبه من التشريعات ما يكفل حقوق الجميع.

ومن خلال الموازنة العامة للدولة فهناك عدد من بنود الموازنة التي خصصت مبالغ للقطاعات الإنتاجية ودعم المشاريع من خلال الصناديق وأيضا الحرص على استمرار دعم المؤسسات المتوسطة والصغيرة والتي أصبحت دعامة أساسية للاقتصاديات في العالم لأن هذه المؤسسات هي التي تحرك النشاط الاقتصادي وتخلق ديناميكية للاقتصاد والحركة التجارية، وأيضا تخلق فرص عمل متواصلة من خلال الإنتاجية واستمرار دورة العمل المحفزة.

إن الموازنة العامة للدولة سوف تكون محفزة وجاذبة للاستثمار المحلي والخارجي وهناك مؤشرات وأرقام مبشرة حول تزايد الاستثمار في المناطق الاقتصادية في السلطنة وفي مجال الصناعات التحويلية وفي المجال الفندقي والسياحي وفي مجال الأمن الغذائي والسمكي، وهذا يعطي مؤشرا بأن تلك الموازنة سوف يكون لها مردود وتحفيز للاقتصاد الوطني وتسجيل مؤشرات إيجابية على صعيد الأداء الاقتصادي والتركيز أيضا على الموارد البشرية والتي تعد أساسية في مجال الإنجاز الوطني وفي مجال المزيد من التقدم في مجال التنمية المستدامة.