242020_ECO_28-01-2020_p05
242020_ECO_28-01-2020_p05
تقارير

السلطان قابوس: تطوير الصناعة على أسس علمية وقواعد فنية يسهم بشكل فعال في بناء الاقتصاد

27 يناير 2020
27 يناير 2020

المنتج العماني يجوب العالم .. والجودة تمكنه من المنافسة -

تقرير : شمسة الريامية -

منذ سنوات النهضة الاولى كان تركيز جلالة السلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه ، على رفع مستوى الاقتصاد وتوسيع قاعدته، باعتباره المحرك الأساسي للتنمية في شتى المجالات، ولذا جاء الاهتمام مبكرا بتنويع مصادر الدخل من خلال النهوض بمختلف القطاعات.

والعمانيون امتهنوا الصناعة منذ القدم واشتهروا بكثير من الصناعات.. صنعوا سفنا جابت بحار الدنيا وحرفا تقليدية لا تعد ولا تحصى، وعندما تولى السلطان قابوس مقاليد الحكم في البلاد، وعمل على تأسيس اقتصاد حديث، كان له مفهوم خاص للصناعة كقطاع رئيسي، يأخذ بعين الاعتبار الصناعات التقليدية والحرفية إلى جانب التوسع في الصناعات الحديثة.

ولأن عمان بلد الخيرات والثروات الطبيعية الهائلة، فقد أراد مهندس نهضتها، وفق منظوره الواسع، ان يكون لثرواتها قيمة مضافة، تتحقق باقامة صناعات تعتمد عليها، بما فيها النفط، ويؤكد ذلك خطابه لعام 1974:«إن موضوع الساعة الذي كثر حوله الحديث والجدل، هو النفط، مصدر الطاقة الأساسي في العالم. وبالنسبة لنا فانه مصدر ثروتنا الأول، الذي استطعنا بعائداته إن نطور بلادنا ونحقق منجزاتنا، وكما أن المستهلك يسعى إلى شراء النفط، فإننا نحن أيضا بحاجة إلى تصنيعه داخليا، تماما، كما نحن بحاجة إلى بيعه خارجيا، تنفيذا لبرنامج التنمية الاقتصادية، لذلك لا بد من اتباع سياسة بترولية تصون ولا تفرط».

وقد لاقى قطاع الصناعة على امتداد الخطط الخمسية والاستراتيجيات طويلة المدى، التي انتهجتها السلطنة، دعمًا وتشجيعًا متواصلًا من الحكومة، الأمر الذي أوجد قاعدة للصناعة في عمان، ومن مشاريع صغيرة إلى مشاريع عملاقة ووصل المنتج العماني إلى العالمية منافسا، وكانت أولى الخطوات التي شهدها القطاع إنشاء منطقة الرسيل الصناعية في عام 1983 كأول مدينة صناعية، وكان الهدف من إنشائها تنمية الصناعة وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية بعيدة المدى، واستغلال المواد الخام المحلية، وإيجاد بيئة أعمال ملائمة.. وقد أعقب هذه المدينة إنشاء مدن صناعية أخرى في صحار وريسوت ونزوى وصور والبريمي وسمائل إضافة إلى المناطق الحرة، كما تم إنشاء واحة المعرفة مسقط، وجاءت منطقة الدقم الاقتصادية لتكون قاطرة الصناعة نظرًا للموقع الذي تمتاز به على خطوط الملاحة الدولية والحوافز التي تساعد في جذب الاستثمارات.

ونتيجة لهذا الاهتمام شهد القطاع الصناعي نموًا ملموسًا، ففي نهاية عام 2018 ارتفع حجم الاستثمار التراكمي بالمدن الصناعية التابعة لمدائن ليصل إلى قرابة 6.57 مليار ريال عماني، حيث يوجد بها 2211 مشروعًا، واستقطبت أكثر من 60 ألف عامل.. في حين تجاوز حجم الاستثمارات في منطقة الدقم 6.7 مليار ريال حتى نهاية العام الماضي.

وتتويجا للجهود التي بذلت، فقد خصص السلطان الراحل عام 1991 ليكون عاما للصناعة، وكان الهدف منه تطوير قدرات السلطنة في هذا المجال، وإيجاد صناعة حديثة ومتطورة تحقق الاعتماد على الذات، وتنافس الصناعات العالمية.. ووجه إلى «ضرورة وضع أسس مدروسة للتنمية الصناعية ضمن إطار يعطي الأولوية للصناعات التي تعتمد على المنتجات الزراعية والسمكية إضافة إلى الصناعات الخفيفة والوسطية التي تقوم على مواد خام محلية، وتلبي احتياجات أساسية للبلاد، وتوفر مزيدًا من فرص العمل أمام المواطنين..»

وشهد العام نفسه زيارة السلطان قابوس لمنطقة الرسيل الصناعية، وكانت زيارته تلك دفعة أخرى لهذا القطاع، وأصبحت وزارة التجارة والصناعة تحتفل بتلك الزيارة تخليدًا لها، حيث يجتمع الصناعيون والمعنيون لمناقشة خطط الارتقاء بالصناعة العمانية والتحديات التي تواجهها.

ونظرًا للاهتمام الكبير بهذا القطاع الواعد ودوره في التنويع الاقتصادي، فقد سجل نموًا متسارعًا، وبلغت مساهمة الأنشطة الصناعية في الناتج المحلي الإجمالي بنهاية منتصف العام الماضي قرابة 2.5 مليار ريال عماني، وبلغ متوسط مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة خلال السنوات العشر الأخيرة 10%، ومن المتوقع زيادة مساهمته بنحو 0.6 مليار ريال عماني في العام الحالي.

جائزة السلطان قابوس للإجادة الصناعية

تم إطلاق جائزة السلطان قابوس للإجادة الصناعية هدفها تشجيع تنمية الصناعة العمانية، وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، ورفع مستوى الجودة في المنتجات العمانية بما يمكنها من المنافسة في الأسواق المحلية والدولية، إضافة إلى إحلال الواردات عن طريق منح التسهيلات والإعفاءات الضريبية للشركات والمصانع.

وشهدت معايير الجائزة تطورًا عبر السنوات الماضية، بإضافة معايير تتماشى مع البيئة والأنظمة والقوانين المعمول بها في السلطنة كتبسيط المعايير، وتطبيق نظام ذكي متكامل يتعامل مع المعلومات بشكل دقيق لتكوين قاعدة بيانات شاملة للمنشآت الصناعية باختلاف أنشطتها في السلطنة، وذللت العديد من العراقيل المختلفة التي تحد من مشاركة المنشآت الصناعية في الجائزة.

وفي النسخة الحالية من الجائزة التي تستهدف 100 مصنع حدث تغير جذري في المعايير والأسس، حيث تم اعتماد معايير جديدة ذات صلة بالثورة الصناعية الرابعة كتكنولوجيا الواقع المعزز، وإنترنت الأشياء والبيانات الكبيرة. كما أن إطار عمل الجائزة يعد المرجع الأساسي لتقييم مستوى التميز الإجمالي للمشاريع الصناعية الذي سيسهم في إعطاء القيادة التنفيذية للشركة تصورًا حول مواطن القوة والضعف والفرص المحتملة للنمو والتطور.

وخلال العام الماضي اعتمد «نموذج عمان للتميز الصناعي» كإضافة أخرى لجائزة السلطان قابوس للإجادة الصناعية، ويعتبر البوابة الرئيسية لمشاركة المنشآت الصناعية في المسابقة، ليكون نموذجًا متكاملًا يراعي القطاع الصناعي بالسلطنة، وهو منبثق من دمج نموذج التميز الأمريكي، ونموذج التميز الأوروبي ونموذج الجيل الرابع للتميز. وستتمكن المشاريع المشاركة خلال مرحلة التقدم من تتبع ومعرفة الجوانب جيدة الأداء، وتحديد المناطق التي تحتاج إلى مزيد من التحسينات.

الاستراتيجية الصناعية 2040

ولدعم القطاع الصناعي، قامت وزارة التجارة والصناعة العام الماضي بتحديث الاستراتيجية الصناعية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية “اليونيدو” وذلك ضمن الرؤية المستقبلية للسلطنة 2040، والتي تهدف إلى تعزيز تنافسية القطاع الصناعي ونموه، ورفع مستوى التكنولوجيا في التصنيع، ومواكبة الثورة الصناعية الرابعة من خلال الاعتماد على التقنيات الحديثة.

ومرت الاستراتيجية الصناعية بمرحلتين، حيث تضمنت المرحلة الأولى التي بدأت في عام 2018 بتحديث ومراجعة الاستراتيجية الصناعية 2040، فضلا عن وصف وتشخيص القطاع الصناعي، وتقييم الفرص والتحديات للقطاع، وذلك بالتشاور مع مسؤولين في القطاع الخاص والمستثمرين.

أما المرحلة الثانية فقد بدأت خلال العام الماضي، وتركزت على تحديد الآليات، والجدول الزمني لتحقيق الأولويات، كما تم فيها تقدير متطلبات الاستثمار في التصنيع التي ستساعد في فهم مستوى الاستثمار المطلوب من القطاع الخاص للمشاركة به خلال السنوات القادمة. فضلا عن البحث في كيفية تعزيز بيئة الأعمال، والمحفزات الضريبية، والدعم المالي والإعفاءات الضريبية.

وتضمنت هذه المرحلة من الاستراتيجية تصميم برامج لتطوير مهارات القوى العاملة الوطنية بحيث تتماشى مع متطلبات وتحديات الثورة الصناعية الرابعة، فضلا عن تصميم محفزات لتشجيع جهود البحث والتطوير في الشركات، والابتكار، وريادة الأعمال، وعقدت وزارة التجارة والصناعة لقاءات مع الجهات ذات الصلة بالقطاع الصناعي لمناقشة مراحل الاستراتيجية الصناعية، والمجالات التي ستركز عليها والتحديات والصعوبات التي تواجه القطاع الصناعي. كما تم اختيار مناهج للاستراتيجية على أسس متغيرات متعددة وهي الصادرات، والقيمة المضافة، وإحلال الواردات، وكذلك التوظيف، وكفاءة الأيدي العاملة، والميزة النسبية للسلطنة، ومؤشر جاذبية الصادرات العمانية

كما تم فحص جميع القطاعات الصناعية عالميا وبناء على هذه المتغيرات تم اختيار 30 قطاعًا فرعيًا حاصلة على أعلى النتائج التفصيلية من بين 119 قطاعًا فرعيًا تم فرزها مبدئيًا، وقد اشتملت الاختيارات على قطاعات فرعية تتكيف مع الثورة الصناعية الرابعة ومع رؤية عمان 2040.

وتركز الاستراتيجية الصناعية على 3 مجالات رئيسية تمثل المجال الأول في القطاعات التي تعتمد على الموارد المحلية مثل: قطاع المصافي والبتروكيماويات «قطاع النفط والغاز» وصناعات الطابوق، والإسمنت، والرخام، والجبس ومنتجات البناء وغيرها من المعادن «قطاع التعدين» وصناعات منتجات المخابز والبسكويت، والألبان واللحوم وغيرها «قطاع الغذاء»، حيث إن معظم هذه الصناعات موجودة حاليًا، وتستهدف الاستراتيجية إلى التوسع فيها وتعظيم قيمتها المضافة للوصول إلى النتائج المستهدفة في الخمس سنوات القادمة من عمر الخطة.

أما المجال الثاني فيركز على القطاعات ذات الرأس المال الكبير مثل صناعة المعدات والآلات الكهربائية، والكابلات، والموصلات الكهربائية، والأثاث وصناعة المضخات، والصمامات والمكثفات وصناعات إصلاح وبناء السفن وبناء أجزاء المقطورات وشبه المقطورات، حيث تستهدف الاستراتيجية إلى التوسع في هذه الصناعات والتنوع للوصول إلى النتائج المستهدفة في العشر سنوات القادمة من عمر الخطة.

والمجال الثالث يركز على القطاعات التي تعتمد على المعرفة والبحث والتطوير مثل المنتجات الصيدلانية، والمعدات الطبية، والعطور والتجميل، وألواح الطاقة الشمسية، وقطاع إعادة التدوير، وصناعة الغذاء الصحي، حيث تستهدف الاستراتيجية إيجاد هذه الصناعات بشكل أكبر والتشجيع على إنشائها خلال الأعوام العشرين القادمة للوصول إلى النتائج المستهدفة.

الصناعات التحويلية

وأولت الحكومة اهتمام بالصناعات التحويلية باعتبارها أحد أهم القطاعات الإنتاجية المؤهلة لتحقيق أهداف استراتيجية تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد بصورة كبيرة على الموارد النفطية والغاز. ويتميز هذا القطاع بقدرته على النمو المتواصل، كما أنه يعتبر أحد القطاعات المهمة التي يعول عليها في زيادة عائدات البلاد من الصادرات، ويتميز كذلك بقيامه باستخدام الموارد الطبيعية المحلية كمدخلات للصناعات التحويلية مما يحقق زيادة القيمة المضافة منها، وبالتالي زيادة قيمتها عند تصديرها كمنتجات صناعية بدلا من تصديرها كمواد خام أولية.

وبلغت مساهمة الصناعات التحويلية 1.192 مليار ريال عماني حتى النصف الأول من العام الماضي، أما الصناعات التحويلية النفطية فبلغت مساهمتهما 666.3 مليون ريال عماني، كما تقدر نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي 10%، وتستهدف الخطة الخمسية التاسعة مواصلة جهود التنويع الاقتصادي من خلال التركيز على تسعة عشر قطاعا، من بينها قطاع الصناعات التحويلية كأحد أهم القطاعات الاقتصادية الواعدة.

وإضافة إلى ما تم تنفيذه خلال الأعوام الماضية من مشاريع في الصناعات التحويلية يتم حاليًا مشاريع أخرى وخاصة في مجال البتروكيماويات أبرزها مصفاة الدقم، ويعول على هذا المشروع كثيرا نظرا لموقعها على مسار خطوط الشحن البحري الدولي أي على المحيط الهندي وبحر العرب وخارج مضيق هرمز مما يسهل من عملية النقل من وإلى المنطقة، ما يمنحها ميزة تنافسية يجعلها تتفوق على باقي المصافي الأخرى في منطقة الخليج.

ومن المشاريع الحديثة مصنع سيباسيك عمان ويعد أكبر مصفاة بيولوجية في العالم لتصنيع الكيماويات المتخصصة من زيت الخروع فضلا عن إنتاج النايلون الحيوي والبوليمرات، بتكلفة مالية تقدر بـ24 مليون ريال، حيث يقوم المصنع على استغلال المنتجات الخام التي تنتجها مصانع البتروكيماويات من خلال استخدامها لتصنيع النايلون.

أما مجمع لوى للصناعات البلاستيكية فهو أول مشروع في مجال الصناعات التكميلية للبلاستيك، إذ يتم تطوير هذا المجمع من قبل شركة النفط العمانية للمصافي والبتروكيماويات «أوربك».

ومن المشاريع كذلك مشروع صلالة لاستخلاص الغاز البترولي المسال والذي من المتوقع ان ينتج خلال العام الحالي 300 ألف طن سنويا من البروبين، والبروتين، والمكثفات من خلال معالجة الغاز الطبيعي من حقل أرباب – هرويل، ومحطة المعالجة المركزية.

وتقوم المحطة بمعالجة 8.8 مليون متر مكعب يوميا من الغاز، وستنتج حوالي 3.4 كيلو طن في السنة من منتجات الغاز الطبيعي المسال، التي تتكون من 155 كيلو طن سنويًا من البروبين، وكيلو طن سنويا من البوتين، و38 ألف طن سنويا من المكثفات.