1423103
1423103
المنوعات

إرث طويل وكنز ثمين - المخطوطات والوثائق رحلة الترميم الكاملة .. من التجميع حتى الحفظ

26 يناير 2020
26 يناير 2020

كتبت : شذى البلوشية -

تعددت جوانب الحرص والاهتمام ومجالات الحفظ والصون من لدن جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- للإرث التاريخي لهذا البلد، فهو الساعي منذ بداية عصر النهضة للمضي قدمًا نحو انفتاح السلطنة ومواكبتها تطورات العصر، إلا أنه لم يغفل يومًا عن إبقاء هذا الإرث الطويل والكنز الثمين في حيز الحفظ والصون، يكفل له البقاء حتى أمد طويل، ويبقى أثر عمان خالدًا على مدى العصور، فكان إعلان الاحتفاظ بكل ما خطته الأيادي في الماضي، من وثيقة أو مخطوط ضمن هيئة متخصصة في عمليات الحفظ والترميم، فأصدر مرسومًا سلطانيًا في الثاني من يوليو لعام 2007م بإنشاء هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية. ولعلّ أكثر ما يثير فضول الجميع حول مراحل ترميم المخطوطات والوثائق، هو ما دعانا للوقوف أمام كل مرحلة من مراحل الترميم والحفظ، في جولة لـ«عمان» بين أروقة وأقسام هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، والتعرف على سيرة حياة الوثيقة منذ دخولها وحتى خروجها أو حفظها هناك.

بدأت الجولة بتوجهنا إلى قسم الوثائق الخاصة، وتحدث يوسف بن ناصر المشرفي كاتب وثائق ومحفوظات أول عن الوثائق الخاصة، واضعًا أبرز النقاط على الحروف، وقال في تعريفه بالوثائق الخاصة: «هي الوثائق التي تهم الصالح العام ويملكها أو يحوزها الفرد أو العائلة أو القبيلة، وتتضمن معلومات تتجاوز نطاق أي منهم، ويمكن الاستفادة منها في البحوث والدراسات، ويعمل المتخصصون في القسم على جمع الوثائق، معتمدين على قوانين متعلقة بالعمل، حيث يسعى القسم من خلال المحاضرات التعريفية لإعلام المواطنين بضرورة تقديم الوثائق والمخطوطات، لتعقيمها وترميمها وحفظها أطول فترة ممكنة، حفاظا على الإرث التاريخي والذاكرة الوطنية، وتحاط الوثائق بالسرية في الإفراج عنها، ولا يسمح بالإطلاع عليها من قبل الدارسين والباحثين إلا وفق المدة التي تحددها المادة القانونية الواردة في قانون الوثائق والمحفوظات».

خطوات ترميم وحفظ الوثائق الخاصة

وتحدث المشرفي عن آلية عمل القسم وتعاملهم مع الوثائق الخاصة منذ جمعها حتى إعادتها للملاك: «يقوم قسم الوثائق الخاصة بزيارات ميدانية يتم فيها تقديم محاضرات توعوية وتعريفية بضرورة تقديم الوثائق، حيث تتم عملية التسجيل باسم صاحبها، وبرقم البطاقة الشخصية لدى ملفات الهيئة، ومن ثم يقوم قسم الوثائق الخاصة بعملية التعقيم؛ لأنها تحتوي على مجموعة من الفطريات والبكتيريا والحشرات التي قد تتسبب في تلف المخطوطة، ويعمل جهاز التعقيم لمدة 48 ساعة، يقتل أغلب البكتيريا والحشرات الموجودة، ليتسنى للعاملين التعامل معها والبدء في عمليات الترميم والحفظ، حيث يقوم قسم الوثائق الخاصة بتصوير المخطوط بعد عملية التعقيم بذات الهيئة والشكل، وبعدها يتم نقل المخطوط إلى قسم الترميم والذي لا يقوم فيه المرمم بإضافة أية تفاصيل، وإنما يقوم فقط بترميم المخطوط أو الوثيقة وإعادته (ها) من جديد إلى قسم الوثائق الخاصة، ليتم حفظها في حافظات خاصة، والتواصل من ثم بالمواطن مالك الوثيقة لاستلامها».

جهود .. وتحديات

وسرد قسم الوثائق الخاصة مجموعة من القصص الواقعية التي عاشها الفريق من خلال جولاته المختلفة في الحصول على المخطوطة والوثيقة، والتي وجد بعضها تالفا، والبعض الآخر أصاب أصحابها بالمرض نتيجة تفشي البكتيريا والفطريات دون حفظ وتعقيم.

تجدر الإشارة إلى العوامل الطبيعية التي تؤثر في الوثيقة أو المخطوط، والتي تصل في بعض الأحيان إلى تلفها، ورغم السعي الحثيث الذي تقوم به هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية من خلال عمل المحاضرات التوعوية في مختلف ولايات السلطنة، إلا أن تحفظ البعض عن تسليم الوثائق، خشية عدم عودتها من جديد له، مما يؤدي إلى فقد كنوز تراثية ثمينة. وتبقى هذه التحديات في سباق مع الطرق والوسائل التي تتبعها الهيئة في سبيل الحفاظ على الموروث، فقد بلغ الأمر بعملية تصوير المخطوطات في مقر وجودها ووضعها في حافظات خاصة.

مرحلة تجميع الوثائق..

وتحدث يوسف بن عبدالله الهنائي رئيس قسم تجميع الوثائق عن عملية جمع واستقبال الوثائق والتي تأتي إلى الهيئة بمختلف الطرق فقال: «القسم معني باستقبال الوثائق من جميع الجهات ومختلف المصادر، وبعد الحصول عليها تبدأ عملية تسجيلها، ومن ثم تحويلها إلى قسم تعقيم الوثائق، وتعود لقسم التجميع ومنها يتم إعداد كشوفات لها وتسجيلها في سجلات خاصة، ومن ثم يتم النظر إن كانت بحاجة إلى معالجة مادية أم لا، المعالجة المادية إذا كانت الوثائق مهترئة أو ممزقة، ويتم تحويلها إلى قسم الترميم لعمل اللازم، بينما الوثائق الحديثة أو تلك التي تحافظ على هيئتها فهي ليست بحاجة إلى ترميم، بعدها يتم تحويل الوثائق إلى تصنيف الوثائق».

تعقيم الوثائق..

وقبل أي مرحلة من مراحل العمل في الوثيقة أو المخطوط لابد من إدخالها إلى مختبرات التعقيم والتأكد التام من خلوها من الفطريات والبكتيريا والحشرات لتكون متاحة للتعامل معها بأمان، وكانت لنا فرصة التجول بين أروقة مختبرات التعقيم التي حدثتنا حولها ابتسام بنت ناصر اليحمدية أخصائية تعقيم وثائق، حيث تطرقت معنا لمراحل التعقيم منذ استلام الوثيقة، وذلك بأخذ مسحة أولية على الوثيقة وقالت حول ذلك: «هذه العملية مرتبطة بتعقيم الوثيقة والتأكد التام من خلوها من البكتيريا والفطريات، بالإضافة إلى تعقيم البيئة المحيطة بالوثيقة أثناء عملية التعقيم، حيث تعد هذه العملية أول وأهم الخطوات في طريق الحفاظ على الوثائق، وتحمي هذه المرحلة الوثيقة من الآفات الحشرية والفطرية التي تسبب تلف المخطوطة مع مرور الوقت، كما أن التعقيم يكفل صحة من يعمل ويتعامل مع المخطوطة».

وتنقسم مراحل التعقيم إلى ثلاث: أولها زراعة الكائنات الدقيقة قبل وبعد التعقيم، تليها مرحلة التعقيم عن طريق جهاز التعقيم في غرفة منعزلة، وآخرها مرحلة تنظيف المخطوط.

وتقوم الهيئة العامة للوثائق والمحفوظات الوطنية بعمليات التعقيم باستخدام جهاز يعمل بطريقة التبخير، حيث يستوعب الجهاز في كل دورة 150 كتابًا بحجم 400 صفحة، ما يعادل 60 ألف وثيقة مفردة، وتستغرق الدورة الواحدة للتعقيم 24 ساعة. وتبدأ عملية التنظيف مباشرة بعد الانتهاء من تعقيم المخطوطات والوثائق بالجهاز، حيث يتم تنظيفها يدويًا باستخدام جهاز عالي المواصفات، ويتصف بكافة إجراءات السلامة، ويتم استعماله للتخلص من الأتربة والغبار وبقايا الحشرات والفطريات والبكتيريا.

الترميم.. ركيزة العمل

وتعد مرحلة الترميم هي المرحلة الأهم والركيزة الأساسية في عملية الحفاظ على المخطوطة أو الوثيقة وحمايتها من التلف، وتحدثت إلينا حول ذلك عزة بنت عبدالله بن مسعود التوبية مديرة دائرة صيانة ومخازن الوثائق، ومحمد بن حميد السليمي رئيس قسم ترميم الوثائق، أوضحًا أن عملية الترميم تأتي بعد عملية التعقيم، ولكن قبيل البدء بالعملية تخضع الوثيقة لمجموعة من الاختبارات، للتأكد من قوة الحبر وعدم تأثره بمواد الترميم، بالإضافة إلى اختبار درجة حموضة الورقة.

الترميم الآلي ..

وتنقسم عمليات الترميم إلى قسمين: ترميم آلي وهي طرق معتمدة في جنوب شرق آسيا (للسرعة وترميم أكبر عدد من الوثائق)، حيث تمر الوثائق والمخطوطات في عملية الترميم الآلي بعدة مراحل باستخدام أجهزة الترميم، تبدأ العملية عن طريق جهاز ملء الفراغات والذي ترمم فيه الوثائق ترميما كاملا باستخدام ألياف خاصة تسد فيه الفراغات وتعبأ الثقوب، وبعدها تدخل الوثيقة في طاولة الشفط التي توضع فيها الوثيقة وتسد ثقوب الطاولة بورق مقوى مقاوم للماء، ويبدأ الترميم بملء فراغات الوثيقة يدويا باستخدام قطارة الألياف، ومن ثم تدخل جهاز الضاغط الحراري لتقوية الوثيقة وتدعيمها، وبعدها تنقل إلى جهاز المكبس الآلي الذي يستخدم لكبس الوثائق بعد الترميم والتدعيم، حيث يساعد على ضمان قوة إلصاق الأغرية وبقاء الوثائق مستوية.

الترميم اليدوي..

وتخضع بعض الوثائق إلى عمليات الترميم اليدوي وهي عبارة عن معالجات بسيطة، حيث إن الوثائق ذات القيمة العالية تراعى أن ترمم بالطريقة اليدوية لضمان عدم تضررها أو تلفها، وتتم عملية الترميم بسد فراغات وإصلاح عيوب الوثيقة وتجميع أجزائها، ويتم تثبيت ذلك بالمكواة الحرارية أو المكبس، وبعدها يتم تدعيم الوثيقة بعدة مواد تضمن بقاءها وحفظها من التكسر والجفاف، وتقويتها وتماسكها.

وقالت عزة التوبية: «عمليات الترميم تتم وفقًا لإخضاع الوثيقة لعدد من الاختبارات، حيث يتم اختبار بنية الوثيقة، وقياس درجات الحموضة، والرطوبة، كما يسعى قسم الترميم إلى دراسة جميع الجوانب للمساعدة في بقاء الوثيقة أطول فترة ممكنة، فيما يعامل المخطوط معاملة خاصة، حيث يتم غمره بمواد كيميائية تحافظ على المخطوط وتساعد في عملية الترميم، ويتم ترقيمه، ويحال من مختبرات الترميم إلى معمل التجليد، ويتم صناعة غلاف إذا كان الغلاف الأصلي مهترئا وغير قابل للخياطة، كما يوجد جهاز تذهيب، تضاف إلى بعض الجلود لأغلفة بعض المخطوطات الثمينة، حيث يمكن إضافة النقوش والزخارف إلى الأغلفة».

ويحتاج الترميم لحرص شديد لا سيما مع اختلاف حالة الوثيقة، حيث إن التعامل مع كل وثيقة يختلف عن الآخر، ورغم أن بعض الوثائق قد تكون وصلت لحالة من التلف التي يصعب معها ترميمها، إلا أن بعضها يمكن أن تدعم لتصمد أطول فترة ممكنة، وبعضها الآخر لا تتحمل حتى التدعيم.

وقبل البدء في عملية الترميم لابد من تسجيل الوثيقة في استمارة، يتم فيها تسجيل جميع أنواع المعالجات، وأنواع وكميات المواد المستخدمة في الترميم (لو احتاجت الوثيقة لذلك).

تصنيف الوثائق..

تخضع الوثائق والمخطوطات لعدد من المعالجات الفنية أبرزها مرحلة التصنيف وهي المرحلة التي تحدثت عنها أزهار بنت خلفان العبرية رئيسة قسم تصنيف الوثائق، فقالت: «التصنيف عبارة عن معالجة فنية للوثائق المعدة للحفظ الدائم، حيث تتم هذه المعالجة بعدة آليات ومراحل، لكل نوع من أنواع الوثائق المعدة للحفظ الدائم». وأكدت العبرية أنه يراعى في عملية التصنيف طبيعة الوثائق (هل هي مرتبة طبقا لنشأتها الأصلية؟)، حيث إن أساس المعالجة الأرشيفية احترام النشأة الأصلية ودراستها، وذلك من خلال الرجوع إلى مصادرها ووظائفها، ولكن إن اختلفت في حفظها عن نشأتها الأصلية، يتم مراعاة جميع الجوانب وتشكيل ملفات متجانسة موضوعيًا وزمنيًا.

وحول المرحلة الثانية لتصنيف الوثائق قالت العبرية: «المرحلة الثانية تحوي على عمليتين ذهنيتين متزامنتين (التكشيف والتصنيف)، حيث اعتمدت الهيئة على معيارين دوليين هما «التقنين العام والدولي للوصف الأرشيفي)، ويتكون من عدد من الحقول والعناصر، التي تصف الملف من الخارج (عنوانه، تاريخه، منشئه، عدد الوثائق التي تحويه)، بالإضافة إلى الوصف الفني من الداخل (السيرة الذاتية لمنشأ الوثيقة)، وهذا ما يطلق عليه اسم التكشيف، أما التصنيف فهو عملية وصف الوثيقة بشكل دقيق جدا ومفصل، بحيث يسهل للباحث عملية البحث».

التخزين الورقي والإلكتروني ..

تخزن الوثائق بعد أن تمر بالمراحل المختلفة في مخازن تحفظ النسخة الورقية، بالإضافة إلى حفظها في أنظمة إلكترونية، وتكون متاحة للباحثين والدارسين، وحول عمليات التخزين قالت عزة التوبية إن الوثائق تخضع للحفظ والتخزين الورقي والإلكتروني، حيث يستلم قسم مخازن الوثائق (الورقية) أرصدة الوثائق بعد العمليات السابقة، وتسجيلها في سجلات ومستندات مختلفة، تسهل عملية الاطلاع بمعرفة عدد صفحات الوثيقة، والحفاظ عليها، ويتم تضمينها في رفوف، وتصنيفها بطريقة الترميز، لتسهل عملية استرجاعها عند طلبها من قبل الباحثين. مؤكدة على أن بيئة الحفظ في قسم المخازن آمنة، حيث إن الحرارة والرطوبة في المخازن تتبع مواصفات الحفظ العالمية، التي تكفل عملية الحفظ للمخطوطات أطول فترة ممكنة.

أما التخزين الإلكتروني فيتم باستلام الوثائق الورقية من مخازن الوثائق، وتبدأ عملية تخزينها إلكترونيا، من خلال القيام بعملية المسح الضوئي للوثيقة بدقة عالية، وتعديل الوثائق التي بحاجة لذلك من خلال إزالة المشوهات وتعديل ألوانها دون المساس بالمحتوى، ومن ثم حفظها في منظومة الحفظ.

مصادر الحصول على الوثائق والمخطوطات:

  1. رصيد وزارة التراث والثقافة بموجب المادة 3 لقانون الوثائق والمحفوظات (أن تؤول الوثائق التي كانت في وزارة التراث والثقافة إلى هيئة الوثائق والمخطوطات الوطنية).2. الوثائق الخاصة
  2. الوثائق من الجهات الحكومية الخاضعة لنظام إدارة الوثائق.
  3. الوثائق الموجودة في المؤرشفات الدولية بموجب توقيع مذكرات التفاهم مع العديد من الدول وتم الحصول على نسخ منها.