أفكار وآراء

أزمة إيران سَتَدُقّ إسفينا بين أوروبا وواشنطن

26 يناير 2020
26 يناير 2020

إيلي جيرَانمَيَه- بوليتيكو -

ترجمة قاسم مكي -

اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني نقطة تحوّل في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. إنه يسحب حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا إلى مياه أعمق في منطقة لم يسبق الإبحار فيها ويهدد بوضع القوات الأوروبية في مرمى نيران التصعيد بين طهران وواشنطن.

لقد أزاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مسؤولا عسكريا إيرانيا رفيعا تتهمه الولايات المتحدة بسفك الدماء في المنطقة. لكنه بفعله هذا يكون قد عرَّض كل جندي أمريكي على الأرض في الشرق الأوسط لهجمات انتقامية محتملة وفتح لإيران مجالا جديدا لرفع الرهان.

كذلك باستهدافه علنا وفي صلف أحد كبار المقربين من المرشد الأعلى في إيران أعاد كتابة قواعد الاشتباك التي مَكَّنَت إيران والولايات المتحدة خلال معظم العقد المنصرم من التقليل من خطر الاصطدام اثناء قيامهما بعملياتهما العسكرية في العراق وأفغانستان.

ويعني هذا الحدث للعواصم الأوروبية أن أسوأ توقعاتها تحولت إلى واقع حقيقي. فقد سبق لها أن حذرت إدارة ترامب من أن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني سيطلق سلسلة من التصعيدات مع إيران.

لقد نبه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي مرارا من أنه لن تكون هنالك حرب مع الولايات المتحدة وإيران حتى الآن تصرفت بطريقة محسوبة وعقلانية تجاه حملة «ذروة الضغط» التي يشنها ترامب ضدها.

إذا استمر هذا الموقف الإيراني، ستحاول طهران إدارة خطر الصراع المباشر ومواصلة استخدام التكتيكات «اللامتماثلة» لتقويض المصالح الأمريكية على الرغم من إعادة رسم الخطوط الحمراء.

يعني الوجود العسكري الأمريكي المتمدد في الشرق الأوسط وافغانستان أن الولايات المتحدة غالبا ما ستتحمل وطأة الرد الانتقامي لمقتل سليماني . فلدى إيران روابط عميقة مع دول وكيانات أخرى في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان واليمن يمكن استخدامها لإيلام أمريكا.

لقد أدى موت سليماني إلى تدهور جديد في علاقات إدارة ترامب مع بغداد وقد يمتد إلى كابول. كما أنه غالبا ما سيؤجج الجدل المتطاول داخل طهران حول حجم الضغط المطلوب لدفع القوات الأمريكية إلى الخروج من جارتيها العراق وأفغانستان.

لكن أثر اغتيال سليماني يحمل أيضا دلالات مهمة للدبلوماسية الدولية والأوروبية. على الجبهة السياسية ستستخدمه طهران كفرصة لكسب «لعبة اللَّوم» على الصعيد الدولي وتصوير الضربة الأمريكية كتصرف مشتط وأشبه بإعلان الحرب، كما ستحاول توظيفه لتعميق الفجوة الحالية بين أوروبا وواشنطن.

يأتي توقيت الاغتيال قبل أيام من إعلان إيراني خامس متوقع بإنهاء المزيد من التزاماتها بموجب الاتفاق النووي. وستتأثر جدية ومدى الالتزام الإيراني بالتصعيد الأخير مع الولايات المتحدة. فإيران يمكنها الآن اتخاذ موقف أكثر استفزازا في الملف النووي ضمن ردها الانتقامي بما في ذلك تقييد حركة المراقبين الدوليين الموجودين على الأرض بغرض الإشراف على البرنامج النووي الإيراني.

لايزال الاتفاق النووي في قلب سياسة أوروبا تجاه إيران، وقبل مقتل سليماني أفصحت كل من فرنسا والمملكة المتحدة عن اقترابهما من إطلاق آلية حل النزاع طبقا للإتفاق النووي ردا على عدم تقيد إيران به، وإذا اتخذت طهران خطوات متطرفة بشأن الملف النووي قد يؤشر ذلك إلى الانهيار التام للاتفاق.

سيلزم أوروبا التي قاومت حتى الآن الدعوات للانضمام إلى سياسة «ذروة الضغط» التي تنتهجها واشنطن ضد طهران الاستعداد لأسوأ دينامية أمنية عبر الشرق الأوسط وبذل جهود دبلوماسية مكثفة لحماية قواتها على الأرض والتي هي الآن عرضة لمخاطر متزايدة.

ومن الممكن أن تفيد بلدان الخليج العربية كشريكات لأوروبا في إيجاد مخرج عبر الدبلوماسية. لقد تزايد قلق جيران إيران العرب من تعرضهم إلى تحمل تكاليف باهظة تترتب عن أي تصعيد عسكري بين الولايات المتحدة وإيران.

وعلى أوروبا رفع مستوى التعاون مع دول الخليج والعراق لمنع التصعيد.

في الوقت الحاضر تبدو محاولات التوسط لاستئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وطهران والتي اقترحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعيدة عن النجاح، بدلا عن ذلك، يجب أن ينصبّ التركيز الفوري لأوروبا على دبلوماسية مكوك (وساطة) رفيعة المستوى تهدف إلى حماية ما يمكن إنقاذه من الإتفاق النووي وإيجاد فترة تهدئة ضد المزيد من الهجمات داخل العراق الذي يواجه وضعا هشا.

خلال ستة أشهر انتقلت الولايات المتحدة وإيران من استهداف الطائرات الآلية والمنشآت النفطية والقواعد إلى قتل الأفراد. لكن لا شك أن القائد الجديد لفيلق القدس والذي عُيّنَ في غضون 12 ساعة من مقتل سليماني سيكون له رؤيته لإثبات استعداده للقصاص من أمريكا، وإذا حدث ذلك لن يكون الشرق الأوسط ولا أوروبا بمنجاة عن نتائجه السلبية.


  • الكاتبة زميل أول سياسات ونائب رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية. متخصصة في السياسة الخارجية الأوروبية إزاء إيران وخصوصا الملفَّين النووي والإقليمي وسياسة العقوبات