1423678
1423678
المنوعات

أطروحة تناقش أثر الدراسات اللغوية الغربية في الدرس النحوي العربي الحديث

24 يناير 2020
24 يناير 2020

نوقشت الأسبوع الفائت بجامعة محمد الخامس بالرباط رسالة جامعية لنيل درجة الدكتوراه في اللغة العربية – تخصص: لسانيات - أنجزها الباحث مسعود بن سالم الحديدي بعنوان: (أثر الدراسات اللغوية الغربية في الدرس النحوي العربي الحديث) تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد السيدي. وتكونت لجنة المناقشة من الأساتذة الدكاترة: محمد السيدي مشرفا، الأستاذ الدكتور محمد التاقي رئيسا، والأستاذ الدكتور عبد المجيد بنجلالي مقررا ومناقشا خارجيا، والأستاذ الدكتور محمد الدريوش مقررا، والأستاذ الدكتور محمد أدروا مقررا.

والبحث الذي تقدم به مسعود الحديدي تشهد كلّ صفحاته بما بذله الباحث من جهود مقرونة بجرأة علمية تشرّف الباحثَ والبحثَ العلميّ. ومن مزايا هذا البحث ومميّزاته أنّ صاحبَه سار فيه على وثيرة عالية من البحث في جميع المراحل والمستويات بحيث لا نجد فيه نزولا إلى الأدنى في مرحلة ما من مراحله، أو هفواتٍ ومساربَ يملأها الفراغ، فقد تمّ تحصينُه بدعائمَ كثيرة منها المنهج الذي عولِجَ به هذا البحث: فهو منهجٌ مُحْكمٌ اجتهد فيه الباحث كي يكون على هذه الشاكلة، والبحث في المنهج، أو تقديمُ توليفةٍ منهجية متناسقة ومتدرّجة ومتكاملة في هذا البحث هو في حدّ ذاته أطروحة، فليس من السهل أن يختار الباحث منهجا تداخلتْ فيه علوم كثيرة مثل اللسانيات والنقد الحديث والبنيوية والمنطق وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم التاريخ في حديثه عن الدياكرونية والسانكرونية وعوامل الإبداع وتجلياته في حديثه عن الملكة. وكل ذلك تدلّ عليه قرائن في هذا البحث. كما أنّ الباحث خصّ المنهج ببحث مكتمل وليس بإشارة في سطر أو سطريْن مما ينبئ بوضوح الرؤيا لديه فأفرغ قوالبَ هذا المنهج في محطات متدرّجة بشكل منطقي عبر خمس مراحلَ وهي: عرض المادّة البحثية، وعرْض للظاهرة النحوية، ومقارنة الظاهرة بما يتطلبه الموضوع، والتأصيل للظاهرة، إضافة إلى تحليل الظاهرة في ضوء المناهج اللغوية المعاصرة مقرونة باستنتاجات الباحث وآرائه الشخصية.

كما حطَّ الباحثُ برحْله على أسماءٍ وازنة مثل فرديناند دي سوسير، ونعوم شومسكي، وسيمون ديك، وعبد القادر الفاسي الفهري، وأحمد المتوكل مع إضاءات البحث بدراسات كثيرة لكتاب منهم عبد السلام المسدي، وتمام حسان ومازن الوعر وغيرهم، واستطاع الباحث أن ينْسُجَ الخيوط المؤتلفة ويأخذَ من كل واحد ما احتاجه لتعضيد طرحه. وقد وُفّقَ الباحثُ غايةَ التوفيق - داخل هذا الفضاء المعقّد- في اصطفاء معالم المنهج وتداخل الاتجاهات اللسانية وتقييده بمقوّمات رآها من الثوابت لإرساء دعائم البحث وتحقيق مقاصده وغاياته، ومن ثمّ فالمنهج يكتسب قيمة مضافة تختلف إلى حدّ ما عن المألوف.

ولغة البحث محكمة وجزْلةٌ وسليمة. وإن صحّ القول: فهي لغة وظيفية انخرط الباحث من خلالها بصدق فيما كان يقرؤه من كتب ونظريات حتّى غدت لغتُه من صلب ما كان يطّلع عليه. وقد انعكستْ هذه القراءة الواعية، والكتابة المدرِكة على لغة البحث وفهرس المحتويات وعلى مستوى الترقيم وما يتفرع عن العناوين الرئيسة من عناوين جزئية، وكذا على مستوى هندسة البحث برمّته، والنصّ الشاهد فيقول المناقش عندما كنت بصدد قراءة هذا البحث لم أكن أشعر بغُربة النصّ الشاهد أومحاولة إقحامه من أجل ملء الفراغات بقوالب جاهزة. فالباحث يتّخذ مسلكه في البحث وإذا وجد في طريق بحثه ما يُعضّدُ به استنتاجاتِه من مخزونه في القراءة، يكون استدعاء الشاهد متجانسا ومتطابقا ومتساوقا وليس آبدا أو نشازا.

وانطلق الباحث مسعود الحديدي في أطروحته من حيرة علميّة مشروعة، وإشكال معرفيّ واضح، يَكمُن في محاولته إعادة النظر في معطيات الدرس النحوي العربي بما يلائم معطيات الدراسات اللغوية الغربية الحديثة، ويحدد هدفه وسفره القاصد في رحلته البحثية الشاقة لبناء هيكلة الدرس النحوي من أجل تطوير معطياته بما يوائم طبيعة اللغة العربية وأساليبها وجمالياتها. وهي الإشكالية التي شغلت فكره وتجلّت في بحثه بعد أن تتّبع تدريجيا واقع النحو العربي الحالي ضمن منظومة الأنحاء الغربية المحيطة به، وقد استقرّت عدسته التصويرية وآلياته التشخيصية إلى ضرورة رفْد النحو العربي ليكون أكثر إقناعا ومسايرة للحاضر بما تقدّمُه الدراسات الغربية بعد تمحيصها وفرزها واصطفاء ما يلائم منها. وتعوذ جذور هذا الإشكال إلى عدّة عوامل حلّلها الباحث مسعود الحديدي وناقشها وشارك فيها، وأورد أسبابها ودوافعها.

ومن هذا الإشكال انطلق الباحث في أطروحته فجاء عمله في ثلاثة فصول، بصرف النظر عن المقدّمة والخاتمة، ومسرد المصادر والمراجع، والفهرس العامّ. وقد أردف الفصل الأول والثاني بثلاثة مباحث لكل منهما، وخرق هذه القاعدة في الفصل الثالث والأخير بحيث جاء هذا المبحث في فصلين لا ثالث لهما لسبب منطقي يعود إلى اقتصار الباحث على جانب تنظيري وآخر تطبيقي للنظرية الوظيفية مما جعل من هذه الثنائية أمرا مشروعا.

ودرس في الفصل الأول أثر الدراسات البنيوية (الوصفية) في الدرس النحوي العربي الحديث، مهّد له بالحديث عن أسس النّظرية البنيوية وركائزها عند (سوسير)، أعقبه بمجموعة من المكوّنات الثي تشكل العمود الفقري لهذا الفصل. ونظرا لتعدد محاورها وتشعُّب مسالكها، فقد آثر الباحث أن يوزعها على عناوين وأن يفرغ شحناتها في قوالب المباحث التي يقتضيها ويتطلّبها البحث الأكاديمي، وقد جاء طرحها ومناقشتها في العناوين التي اصطفاها الباحث لها ووزعها على ثلاثة مباحث وهي: أثر الدراسات اللغوية البنيوية (للوصفية) في الظواهر الصرفية (المورفيمات) تناول فيه (الباحث) الوحدات الصرفية عند مجموعة من الباحثين والدارسين، و أثر الدراسات البنيوية (الوصفية) في نظرية الإعراب والعوامل، وقد اختار لها نماذج كذلك من المؤلفين والمؤلَّفات، وتقييم وتقويم للدراسات اللغوية (البنيوية). وهذا المحور الأخير يعكس الحضور الفعلي للباحث والالتزام العلمي والأكاديمي الذي طرحه في مقدمة بحثه ووعد بإنجازه.

ودرس في الفصل الثاني «أثر الدراسات التوليدية التحويلية في الدرس النّحوي العربية الحديث». وسيْرا على منهج بحثه في الفصل الأول، مهّد الباحث للفصل الثاني تناول بما يجلّي ويوضّح منطلقات وأسس هذه النظرية عند مؤسسها ورائدها (تشومسكي)، يم ينتقل لمعالجة موضوعه بالتقسيم والدقّة نفسها التي نهجها في الفصل الأول وذلك بأن وزع محاور هذه النظرية في ارتباطها بالمحور الذي يبحث فيه على ثلاثة مباحث تناول في المبحث الأول «النماذج التوليدية التحويلية في النّحو العربي الحديث»، تناول فيه الباحث النّموذج المعيار والنّموذج الموسّع في الدراسات التركيبية من خلال نماج بالطبع، وعرض في المبحث الثاني «المحاولات التوليدية التحويلية الشمولية عند عبد القادر الفاسي الفهري» للنموذج الشمولي في تناول (الفهري) للظواهر النّحوية في ضوء التوليدية التحويلية، أما المبحث الثالث «تقييم وتقويم الدراسات التوليدية التحويلية في الدرس النّحوي العربي الحديث»، فقد خصّه ـ كما يدلّ عليه عنوانه ـ للتقييم والتقويم لما طُرح في المبحثين السابقين.

أما الفصل الثالث والأخير من فصول هذه الأطروحة، فقد سلّط فيه الباحث الضوء على آخر زاوية من زوايا هذا البحث وكان مسمّاه: «أثر الدراسات الوظيفية (التداولية) في النّحو العربي الحديث». مهّد له بالطريقة نفسها فيما سبق من فصول نتيجة المنهج المحكم الذي تبنّاه في فصول هذا البحث؛ وأعني بذلك أنه مهّد بقاعدة معرفية موضّحة ومُجلِّية لما سيتناوله في المباحث التابعة لكل فصل حسب ما يقتضيه السياق. فكان منطقيا أن يتناول في هذا التمهيد أسس نظرية النّحو الوظيفي وركائزها، مع ملاحظة أنه لأول مرة أدرج اسمين في توضيح النظرية في حين اقتصر على اسم واحد في النظرية التوليدية التحويلية تشومسكي، واسم واحد كذلك في عرضه للمحاولات التوليدية التحويلية الشمولية (عبد القادر الفاسي الفهري). أما في تمهيده للفصل الثالث؛ فقد زاوج في حديثه عن النظرية الوظيفية بين باحثيْن هما: سيمون دك بصفته منظّرا، وأحمد المتوكل بكونه مطبّقا لهذه النّظرية في النّحو العربي. والطريف في هذا التقسيم، أن الفصل الثالث والأخير الذي زاوج الباحث في تمهيده بين باحثين اثنين اقتصرتْ فيه المباحث على اثنين بدل ثلاثة كما كان متّبعا في الفصليْن الأول والثاني ولا أدري سبب هذا التعدد. وقد وزع محاور هذا الفصل على مبحثيْن ـ كما سبق ـ تناول في الأول «الدراسات الوظيفية عند أحمد المتوكل قدّم فيه الباحث تحليل (المتوكل) لمعطيات التراث النّحوي العربي مقارنة بمعطيات النّحو الوظيفي. عمد في الثاني إلى تقييم وتقويم الظواهر التي عرض لها في المبحث الأول والمتعلقة بالدراسات الوظيفية في الدرس النّحو العربي الحديث. وختم الباحث بحثة بخاتمة عرض فيها لأهمّ النتائج التي توصّل إليها، وهي نتائج أهنئ الباحث عليها، وتعكس عصاميته والجهد المبذول في هذا البحث.

ويؤكد الأستاذ الدكتور عبد المجيد بنجلالي بقوله: لا أتردّد في القول: إنّ مسعود الحديدي ضمن لنفسه في هذا البحث درجة الحُجيّة، وأصبح ذا شخصيّة فكريّة قويّة، فضلا عن أنّ النتائج التي انتهى إليها في بحثه اتّسمت بالموضوعية والإنصاف، وتشكّل إطارا علميّا ومنهجيّا يتميز بالدقة والرصانة.