Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ :24 ساعة .. الزمن المتاح

24 يناير 2020
24 يناير 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

دورة زمنية ثابتة؛ تبدأ من الدقيقة الـ «الصفر» وتنتهي بالرقم (12) وما بين الزمنين (24) ساعة، زمن متاح لكل اشتغالاتنا في هذه الحياة، فتقدمنا وتأخرنا لا يخرجان عن هذه الفترة الزمنية التي نتعامل معها بكل بساطة، وبكل تعقيد، وبكل فوضوية، خاصة عندما يصل الأمر إلى القناعة التي تذهب وفق التعبير الدارج «خلنا نضيع الوقت شوية» فأي وقت هذا الذي تضيعه أيها الجميل، وهو محسوب عليك بالدقة المتناهية، توزن بـ «مثقال ذرة» وأي عقل مكتمل الرشاد الذي يرى في تضييع الوقت نوعا من التسلية؟ تلك هي الورقة الخاسرة من سجل أعمارنا القصير أصلا.

يتفاوت الناس؛ وهذه من حكمة الله في خلقه؛ في الإنجازين المادي والمعنوي، فالبعض يتبوأ المكانة الرفيعة في أشياء، وآخر يكون في المنازل الوضيعة في ذات الأشياء، الأول يقول: «ليس الفتى من يقول: كان أبي؛ بل الفتى من يقول: ها أنا ذا» والثاني يلعن الدنيا ومن فيها، ويحمل ظروف الحياة المختلفة كل انهزاماته، وكل إخفاقاته، ولا يستبعد أنه يصل إلى قناعة بأنه «محسود» من آخرين، لا يريدون له أن يتقدم خطوة، وكلا الفردين يعيشان في ذات المساحة الزمنية (24) ساعة، وهو الزمن المتاح.

يقال: «لا تقل أبدا لا أملك الوقت الكافي،، فجميع العظماء كان وقتهم ٢٤ ساعة» والسؤال؛ هل مطلوب منا أن نعمل طوال الـ (24) ساعة؟ فالمعنى ليس بتجريديته الصرفة، وإنما يذهب المعنى إلى استحضار القيمة الزمنية التي تتضمنها الـ (24) ساعة في الزمن المتاح، لذلك تجد أن هناك أناس بيدهم ورقة وقلم، يؤرخون زمن البداية والنهاية في كل شيء، ويضعون تواريخ محددة لكل شيء، بل ويذهبون إلى أكثر من ذلك عندما يحاسبون أنفسهم حسابا عسيرا إن هم أخلوا بطرف المعادلة (البداية والنهاية) لهذه الفترة الزمنية الحرجة، بل ويؤمنون أشد الإيمان بأنه لا بد أن يكون هناك تواريخ انتهاء، ومتى حل تاريخ الانتهاء لأمر ما، فلا فائدة من محاولة استحضاره، لأن الزمن وضعه خارج الصلاحية التي وضعت له يوم التأسيس.

(24) ساعة؛ هذا الزمن المتاح لنا، قصر العمل فيه، أو استهلكه بالكامل، تلك هي المعادلة الصعبة التي ينجح فيها من ينجح، ويرسب فيها من يرسب، ولا زيادة على ذلك، ومن يخاطر إلى أكثر من ذلك، فتبقى هي مجازفة غير مضمونة، ولذلك قيل: «الوقت كالسيف؛ إن لم تقطعه قطعك» ونعود من جديد إلى نفس المعادلة الصعبة، في التطبيق، وفي ضمان النتائج، وأتصور من هنا يأتي توثيق الاتفاقات بين الناس، في مختلف المعاملات، والمشروطة دائما بالتوثيق الرسمي، وهو التوثيق المخول باتخاذ كل الإجراءات القانونية في حالة عدم تقيد أي طرف من الأطراف بما اتفق عليه، في الزمن المحدد، والذي يتخذ من الـ(24) ساعة؛ الزمن المتاح للبداية والانطلاق.

كم مرة في اليوم نكرر عبارة «(24) ساعة» كم مرة نستحضرها عملا جادا، كم مرة نرى فيها الكثير مما نود عمله، كم مرة ندرك أن أي خطأ في دورتها الزمنية ندفع مقابله ثمنا باهظا، كم نعي حقيقة الأشياء من حولنا على أنها مرتبطة بديمومة الزمن المتاح فيها، كم نعيث في الأرض فسادا، ظانين أن الوقت لا يزال طويلا، وبإمكاننا تعويض ما فات، كم عايشناه فترات عصيبة في الفقد؛ حيث تطول، وفي السرور حيث تقصر «وحزن في ساعة الموت؛ آلاف سروره في ساعة الميلاد» كما قال أبو العلاء المعري.

مهما كانت مكاسبنا الزمنية طوال سنوات حيواتنا، لن نستطيع أن نعوض خسائر أزمان منسلة من بين أيدينا، مهما كانت استحكاماتنا وتبصرنا، وتعقلنا، يظل الزمن أبدا ورقة خاسرة، ولذلك نعيشه امتحانا خاسرا؛ إلا اليسير اليسير.