1423354
1423354
المنوعات

السلطنة نموذج مشرف في حماية البيئة وحفظ الموارد الطبيعية

23 يناير 2020
23 يناير 2020

توجت جهودها بجائزة دولية تحمل اسم السلطان قابوس -

منذ فجر النهضة المباركة اهتمت السلطنة بالحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، وانطلق هذا الاهتمام من البيئة المحلية ليشمل موضوع البيئة العالمية. وفي خطاب المغفور له ـ بإذن الله ـ السلطان قابوس بن سعيد الذي قدمه في الثالث من يونيو سنة 1990 أمام مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة الذي عقد في «ريو دي جانيرو» بالبرازيل، والذي عرف بقمة الأرض، تجسدت رؤية السلطنة تجاه حماية البيئة من منظور عام بالتأكيد على أن «الحفاظ على البيئة مسؤولية جماعية لا تحدها الحدود السياسية للدول ... وعلى الإنسان أينما كان، أن يساهم في الحفاظ على البيئة، وأن يتصالح معها، وأن يتعامل معها بعقلانية، وأن ينتبه للمسببات الكثيرة للتلوث، سواء طبيعية وبيولوجية، أو صناعية وكيميائية وفيزيائية».

وبذلك وضعت السلطنة مسؤولية حماية البيئة على الإنسانية جمعاء، فحتى لو صانت دولة معينة حدودها البيئية فلا شك أنها ستتأثر بالدول الأخرى إذا حدث خلل ما، كما هو الأمر في قضية الأوزون وارتفاع درجة حرارة الأرض وتهديدات الأسلحة النووية وغيرها، إذ تشكل في النهاية أثرا جمعيا لن تختص خطورته ببيئة معينة.

وترجع المشاركة العمانية في الاهتمام الدولي بالبيئة إلى فجر مبكر؛ ففي الخامس من يونيو عام 1972 شاركت السلطنة في أول مؤتمر عالمي للبيئة بمدينة استوكهولم بالسويد، تحت رعاية هيئة الأمم المتحدة. واستمرت في حمل الاهتمام بالبيئة إلى مصاف متقدم تكلل بإنشاء وزارة مختصة بالبيئة والشؤون المناخية. وكما أخذت السلطنة بزمام المبادرة والريادة في حماية البيئة على أرضها والحفاظ على مواردها الطبيعية فقد مدّت جسور التعاون والعمل المشترك مع جميع الهيئات والمنظمات العاملة في هذا المجال وعلى كافة الأصعدة الإقليمية والعربية والدولية.

وحرص الرؤية العمانية دائما على جذب الاهتمام الدولي وشعوب العالم إلى أهمية حماية البيئة على كوكب الأرض وصون موارده الطبيعية، ومنح القضايا البيئية طابعا إنسانيا من خلال تمكين المجتمعات المحلية من أن تصبح عوامل نشطة لتحقيق التنمية العادلة المستدامة، والقيام بدور إيجابي في تغيير المواقف تجاه القضايا البيئية وتعزيز مجالات الشراكة والتعاون بين الشعوب في هذا المجال.

ولم يكن اهتمام السلطنة بالبيئة العالمية مجرد شعارات، فقد قدمت القدوة الحسنة في الاهتمام بهذا الموضوع محليًا من خلال العناية الكبيرة بالبيئة العمانية وتطويرها بحيث أصبحت السلطنة نموذجا مشرفًا في هذا المجال، وهو ما يراه ويلمسه الزائرون للسلطنة فعليا كبيئة نظيفة وموارد مصانة وقدرة على التكيف مع مفاهيم الاستدامة الحديثة.

استراتيجية وطنية

وأعدت السلطنة استراتيجية وطنية لحماية البيئة العمانية تتلازم مع خطط التنمية كما أعدت استراتيجية وطنية وخطة عمل للتنوع الأحيائي بتنميته وإدارته بصورة مستدامة وبما يكفل اقتسام منافعه بصورة عادلة لجميع السكان، حيث أصبح العمل البيئي بالسلطنة من السمات المميزة للتنمية العمانية من خلال إدخال الاعتبارات البيئية في خطط التنمية الوطنية الخمسية التي انطلقت السلطنة في تنفيذها منذ عام 1975، وحددت المبادئ الأولية لربط التنمية بضرورة المحافظة على البيئة وحماية مواردها وأنظمتها من التلوث أو الاستنزاف، كما تضمنت الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني التي مثلت استراتيجية التنمية حتى عام 2020م، المرتكزات الأساسية لإدارة الموارد الطبيعية المتجددة وغير المتجددة بصورة مستدامة، ودعما لهذا التوجه نصت المادة (12) من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني (101 /‏ 96) على التزام السلطنة بالمحافظة على البيئة وحمايتها ومنع التلوث.

وشمل اهتمامُ السلطنة بالبيئة وصيانة موارد الأرض الحرصَ على تعزيز الحضور الدولي العماني في كافة المناسبات والمحافل والمؤتمرات الدولية الساعية لتحقيق شراكة الأسرة الدولية ومسؤوليتها في حماية البيئة على كوكب الأرض وصون موارده باعتبارها ضمانًا لاستمرار الحياة على سطح الكوكب، وسبيلًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الساعية لرفاهية شعوب العالم وتقدمها.

وتوج هذا الحضور المتميز باختيار السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله ـ ليكون المتحدث باسم شعوب الأمة العربية في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة الذي عقد في «ريو دي جانيرو بالبرازيل» عام 1992م. وفي ذلك الخطاب أشار ـ رحمه الله ـ إلى الخطر المحدق بالعالم من اهمال الاهتمام بصيانة البيئة وما ينتج عن ذلك من كوارث، وكيف أن الحروب والصراعات تخصم من رصيد الأمان البيئي.

وقال ـ رحمه الله ـ : «على كوكبنا الأرضي هذا، قد أهملنا كثيرا مسألة المحافظة على البيئة وموارد الطبيعة بغياب التنسيق الجماعي، بل ذهبنا في الاتجاه المعاكس في تسابق عجيب بحثا عن الرفاهية والتقدم الصناعي دون مراعاة للتوازن المفترض بين التنمية والبيئة ودون احتساب للآثار الوخيمة لهذا التقدم الصناعي على غلافنا الجوي وطبقات الأوزون ومياه الأنهار والبحار وانقراض الحياة والغابات وتلوث التربة الخصبة، واذا ما استمر الحال على هذا النحو فإن البشرية قد تشهد نوعا من الانتحار الجماعي».

كما دعا ـ رحمه الله ـ إلى حل الكثير من الإشكاليات في هذا مجال البيئة مشيرًا إلى أنه: «على كثير من الشعوب أن تحد من التكاثر العشوائي وتحافظ على ما تبقى لها من مراع ومياه، بعيدا عن مؤثرات التصحر والجفاف، كما ندعو العالم الصناعي الى وقف هذا التزاحم التكنولوجي والتسابق نحوه وأن يعمل على تضييق الفجوة الواسعة في الاقتصاد العالمي، بينه والدول النامية، من أجل المحافظة على التوازن المطلوب بين التنمية والمنشودة والحفاظ على بيئة نقية».

ولفت السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ إلى جهود السلطنة في هذا الخصوص قائلًا: «إننا في سلطنة عُمان باهتمامنا الشخصي وبتوجيهاتنا الدائمة لحكومتنا وبالتنسيق القائم مع الدول المحيطة بنا، نبذل جهودا صادقة للحفاظ على بيئتنا ومياهنا الإقليمية بعيدا عن التلوث والضوضاء». مشيرا إلى ما شهدته منطقة الخليج والشرق الأوسط من «كوارث بيئية مؤسفة ومؤلمة نتيجة صراعاتها، وما لم يتم تسوية المشاكل الاقليمية بصورة سليمة فان الجهود المبذولة للحفاظ على البيئة والاستمرار في التنمية الرشيدة تبقى معرضة للهدر».

كما وجه ـ رحمه الله ـ رسالة أخيرة حول ما أسماه بـ «الانفراج العالمي وتوجهه الايجابي إلى تسوية بؤر الخطر» مؤكدًا أنه يتحقق عبر التضافر «بغض النظر عن الأيديولوجيات لمعالجة كافة قضايا التنمية والبيئة بروح من الوفاق والمحبة والسلام من أجل حياة صحية نقية لنا ولأجيالنا القادمة».

جائزة السلطان قابوس للبيئة

وفي ظل هذا الاهتمام السامي بالبيئة أطلقت السلطنة عام 1989جائزة السلطان قابوس لصون البيئة، وهي أول جائزة عربية يتم منحها على المستوى العالمي في مجال حماية البيئة، وقوبلت هذه المبادرة بموافقة وترحيب من منظمة اليونسكو. وتمنح الجائزة كل عامين من خلال برنامج (الإنسان والمحيط الحيوي) في اليونسكو اعترافاً وتقديراً للمساهمات المتميزة من الأفراد والمجموعات والمؤسسات والمنظمات في مجال حماية البيئة بما يتوافق مع سياسة اليونسكو وبرامجها في هذا المجال.

ويقوم مكتب مجلس التنسيق الدولي لبرنامج (الإنسان والمحيط الحيوي) باختيار الفائزين بالجائزة، دون الأخذ في الاعتبار الجنسية أو الأصل العرقي أو الجنس أو اللغة أو المهنة أو العقيدة الدينية أو المعتقدات السياسية للفرد أو الأفراد المرشحين لنيل الجائزة. وتمنح الجائزة مرة واحدة فقط لأي فرد أو مجموعة أو مؤسسة أو منظمة وفق الإسهام البارز في إدارة أو حماية البيئة وبصفة خاصة في مجالات البحوث المتعلقة بالبيئة والموارد الطبيعية والتدريب والتعليم البيئي وتطوير التوعية البيئية وتعزيز أنشطتها وأيضاً إنشاء إدارة المناطق المحمية.

وكانت الجائزة قد أُعلنت مع زيارة السلطان قابوس إلى مقر اليونسكو في باريس في الأول من يونيو 1989 حيث وجه ـ رحمه الله ـ كلمة قال فيها: « تقديراً منا لدور اليونسكو في تكثيف الجهود العلمية وحفزها للمشاركة الفعالة في إسعاد البشرية فإنه يسرنا أن نقدم هدية مالية للمنظمة يخصص ريعها السنوي ليكون جائزة لمن يسهم من العلماء والمعاهد والمؤسسات بجهد بارز للحفاظ على البيئة».

وتعبر الجائزة عن منظور السلطنة لأهمية مشاركة الأسرة البشرية من شعوب وحكومات في سبيل تحقيق أمن وسلامة البيئة على كوكب الأرض كما تعتبر تثميناً واعترافاً بالجهود والإسهامات البارزة في حماية البيئة، وخاصة أن برنامج الإنسان والمحيط الحيوي باليونسكو هو الذي يتولى الترشيح لنيل هذه الجائزة، باعتباره برنامجًا علميا وحكوميا ودوليا يتولى الإشراف على المشروعات والأنشطة البيئية على مستوى الدول الاعضاء فيه، وتوفير المعلومات وأسس الادارة العلمية لكافة الموضوعات والجوانب البيئية، والبرنامج بحكم توجهاته وأهدافه يستطيع القيام بتقييم المرشحين لنيل الجائزة بشكل علمي دقيق وخاصة أن لديه لجنة وطنية في كل دولة من الدول الأعضاء تتولى التنسيق مع جهات الاختصاص المسؤولة عن البيئة بالدولة في كافة القضايا والموضوعات المتصلة بها.

ومنحت «جائزة السلطان قابوس لصون البيئة» لأول مرة في عام 1991م لمركز الدراسات والبحوث المكسيكية، وعبر دوراتها إلى اليوم تنوع المشاركون بين أفراد ومنظمات من مختلف قارات العالم. ونظراً لجهود السلطنة في مجال حماية البيئة والتقدير الدولي الواسع لتلك الجهود تم اختيارها من بين الدول العشر الأكثر اهتماما وعناية بالبيئة على المستوى الدولي.

قضية المناخ

وفي اطار اهتمامها بالبيئة محليًا وعالميًا أبدت السلطنة اهتمامًا كبيرًا بقضية المناخ التي تحتل أولوية خاصة في سياساتها البيئية، فقد كانت من أوائل الدول التي وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ خلال انعقاد مؤتمر قمة الأرض بالبرازيل عام 1992 وصادقت عليها بموجب المرسوم السلطاني السامي رقم (119 /‏ 94) كما صادقت على البروتوكول بموجب المرسوم السلطاني رقم (107 /‏ 2004).

ووفاء بالتزاماتها تجاه هذه الأطر الدولية قامت السلطنة، خلال الفترة من 1992 وحتى عام 1995 بتنفيذ مشروع رصد انبعاثات غازات الدفيئة بالتعاون مع برنامج الولايات المتحدة الأمريكية للدراسات الخاصة بتغير المناخ، كما أجرت دراسة متخصصة عن تلوث الهواء وتغير المناخ في السلطنة، وأعدت القوائم الوطنية لحصر انبعاثات غازات الدفيئة للسنوات 1990 و1998 باستخدام منهجيات الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ.

وتؤكد الخطوات الداخلية التي قطعتها السلطنة في الاهتمام بالبيئة منذ عام 1970 على تطور ملموس ومتصاعد حيث اتخذت عشرات الاجراءات وتمت مراعاة الاعتبارات البيئية في جميع مراحل التنمية والتخطيط، وقد أنشئ مجلس حماية البيئة ومكافحة التلوث عام 1979م كما أنشئت وزارة البيئة في عام 1984 لتقوم بتنفيذ الخطة الوطنية والقومية بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية والجهات الأخرى مما كان له الأثر البارز في حماية البيئة العمانية والحفاظ على مكتسباتها الطبيعية. وفي هذا الإطار أيضًا صدرت عشرات القوانين والأنظمة واللوائح التي تحافظ على البيئة وتحميها من كافة المخاطر إلى جانب الاهتمام بإنشاء المحميات الطبيعية في البلاد وتوفير كافة أشكال الدعم لها كي تقوم بدورها في التوازن البيئي، وشمل الاهتمام كافة الموارد البيئية من نبات وحيوان ومناخ وطبيعة جغرافية متنوعة.