1422602
1422602
إشراقات

القانون الدولي للمياه بحاجة إلى مزيد من الحيادية حتى يطبق بشكل صارم

23 يناير 2020
23 يناير 2020

الإسلام حث على المحافظة على الماء وتوفير موارده لكافة المجتمعات -

قراءة - ســالم الحسيني -

قدّم أ.د عبدالحي أبرو أستاذ ورئيس قسم الشريعة، كلــية الشـريعـة والقـانون بالجامعة الإسلامية العالمية - إسـلام آبـاد في ندوة تطور العلوم الفقهية التي أقيمت مؤخرًا بالعاصمة مسقط ورقة بحثية تحت عنوان: الفهم الدولي لفقه الماء في الإسلام»، لخصها في ثلاثة مطالب: المطلب الأول: نبذة عن الفقه الدولي للمياه، والمطلب الثاني: كيف يعالج الفقه الإسلامي هذه المواضيع، والمطلب الثالث: الفهم الدولي للمياه في نظر الفقه الإسلامي، ذكر تحت المطلب الأول الأهمية القصوى للماء في استمرار الحياة البشرية واستقرارها وتنميتها، مشيرًا إلى بعض القوانين والاتفاقيات الدولية فيما يتعلق بالسيادة البحرية، وهي على قسمين: مياه إقليمية ومياه دولية. فالمياه الإقليمية هي: مناطق مياه البحار والمحيطات التي تمتلك دولة ما حق السيادة عليها، وتتضمن هذه الحقوق: التحكم في الصيد، والملاحة، والشحن البحري، علاوة على استثمار المصادر البحرية، واستغلال الثروات المائية الطبيعية الموجودة فيها. وتتضمن المياه الإقليمية لبلد ما: مياهه الداخلية وبحاره الإقليمية. وتتضمن المياه الداخلية: البحيرات، والأنهار والمياه التي تشتمل عليها المناطق الساحلية والخلجان. ويقع البحر الإقليمي لبلد ما وراء شاطئه، أو وراء حدود مياهه الداخلية. أما المياه الدولية: فهي مناطق المحيطات التي تقع خارج سلطة أي دولة، وتبدأ بشكل عام بعد 200 ميل بحري يساوي الميل البحري حوالي 1.9 كلم”، من سواحل الدول المتاخمة للمحيطات، موضحًا انه في القانون الدولي، تعتبر أعالي البحار مفتوحة أمام أي دولة للصيد، والسفر، والبحث، وجميع الدول لها حقوق متساوية في أعالي البحار، ويجب أن تحترم كل منها حقوق الدُّول الأخرى. ويسمح القانون الدولي أثناء الحرب، للدول المحايدة، أن تواصل التجارة مع الدول الأخرى المحايدة، ومع الدول المتحاربة. ومع ذلك ففي مثل هذه الأوقات، يفترض ألاّ تنقل سفن الدول المحايدة التّجارة المحظورة في الحرب، (البضائع غير القانونية)، وتقرر الدول المتحاربة، المواد التي تعتبرها مهربات حرب، مشيرًا إلى في ورقته إلى أن هناك جدل طويل بين الدول حول قانون البحر. فبين عامي 1986 و1982م، أصدرت الأمم المتحدة قوانين البحر، التي قد ترضي جميع الدول وقد أدى هذا العمل إلى إقرار اتفاقية قانون البحر عام 1982م. وقد وقعت أكثر من مائة من الدول الأعضاء في منظومة الأمم المتحدة على الاتفاقية. وتُعطي هذه الاتفاقية الدول الحقوق القصرية في التنقيب عن النفط، والغاز حتى مسافة 350 ميلاً بحريًا (665 كم) من الشاطئ، والصيد في حدود 200 ميل بحري، (380كم) من سواحلها، وفي حدود هاتين المائتي ميلٍ بحريّ، والتي تسمى المنطقة الاقتصادية الخالصة، يكون لجميع الدول حقوق أعالي البحار الخاصة بالملاحة، والطيران، ولكن تتحكم الدول الساحلية في جميع المصادر الاقتصادية في هذه المنطقة. وتتفق معظم الدول، على عدم اعتبار حق التعدين جزءًا من الحرية البحرية، ولكن يمكن أن ينشأ هذا الحق، بمقتضى نصوص معاهدة. ولهذا لم تصبح الاتفاقية سارية إلا في عام 1994م.

وأوضح من خلال ورقته البحثية ما يسمى بالمياه المشتركة، ويعني هذا أن تتقاسم دولتان أو أكثر المياه السطحية كالأنهار والبحيرات والأحواض المائية أو المياه الجوفية المخزونة في جوف الأرض، وهذه الأمور ينظمها القانون والاتفاقات الدولية للمياه، والتي تشتمل على كثير من القوانين والمفاهيم والأحكام والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وأبرزت ورقته البحثية رأي الفقه الإسلامي بالنسبة للمفهوم الدولي للمياه وأحكامها، وأكد أن النصوص الشرعية أولت الأهمية البالغة للماء، وقد وردت عشرات النصوص ذلك، ولم يجعل الإسلام مفهوم الماء خاصا بمياه الشرب، بل نبه إلى أصل جنس الماء وهو السائل، فقال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ)، وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) وقال سبحانه: (خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ)، وجعل نعمة الماء من أهم وأولى النعم التي تفضل الله بها على عباده، فقال جل شأنه: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُون، أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ)، وقال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ)، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تعرضت بدقة إلى جوانب متعددة لموضوع الماء في الإسلام، مما يدل على الأهمية القصوى التي يحملها هذا الموضوع في الفكر الإسلامي.

وأضاف: إن الفقه الإسلامي تناول المياه من زوايا متعددة ومختلفة لخصها في النقاط التالية:

النقطة الأولى: سعي الإسلام إلى توفير مصادر المياه للناس.. فقد حث الإسلام على أن يكون الماء متناولا للجميع، وذلك بالبحث عن الموارد المائية وتوفيرها والحفاظ عليها، ومن ذلك: ما ثبت في قصر بئر رومة بالمدينة المنورة، وكانت مملوكة ليهودي خاصة له، وأنه لشح المياه فيها اشتراها عثمان رضي الله وأوقف سبيلها على الجميع، ومن ذلك أيضا: مشروعية الاستسقاء ولها أحكام وصلاة ودعاء، وهذا مذكور بالتفصيل في كتب الفقه، وله أدعية مأثورة. وأيضا: النهي عن الإسراف في استعمال الماء حتى في الوضوء والغسل، ومن ذلك ما ورد في صفة وضوئه وغسله عليه الصلاة والسلام أنه كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ومعروف أن المد مقدار ما في جمع اليدين، وهذه كمية قليلة جدا من الماء، وكان بذلك يسبغ الوضوء، فانظر إلى هذه الحيطة والحذر من الإسراف في الماء وإهداره، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (رضي الله عنهما) «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ قَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ». وكذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة التي دخلت النار في هرة (لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)، فعدم توفير السقي أو ماء السقي للهرة كان سببا في دخول النار، فإذا كان عدم توفير الماء للحيوان سببًا في دخول النار، وتوفيره له سببا لدخول الجنة، فما بالك بالإنسان والمجتمعات البشرية.

وأشار إلى أن الإسلام ربط المجتمع بالماء مباشرة في الحياة اليومية عبر أحكام الطهارات، وأحكام المياه وآدابها، إذ أن أول أبواب الفقه في كتاب الطهارات باب أحكام المياه، ويترتب على ذلك أولى عبادة في الإسلام وهي الصلاة، ولا صلاة بدون طهارة، والأصل في الماء الطهارة، فيجب الاعتناء بهذا المصدر حتى يتمكن المجتمع من أداء أعظم شعيرة في الإسلام. كما تطرق إلى أحكام ملكية الماء في الإسلام، مبينًا أن الماء من الأهمية بمكان، حيث إن الماء بحد ذاته غير مملوك لأحد معين إلا في حالات خاصة، مستشهدا بالقاعدة القائلة: الأصل في الماء إباحة تملكه للجميع، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الناس شركاء في ثلاثة: الماء، والكلأ، والنار)، ومن هنا فإن الماء هو حق طبيعي لكل الناس وليس يمنع عنهم، هذا هو الأصل، وهو ما نبه إليه الإمام الشافعي- رحمه الله- في كتابه الأم حيث قال: (كل ماء ببادية يزيد في عينٍ، أو بئرٍ، أو نهرٍ؛ بلغ مالكه منه حاجته لنفسه وماشيته، وزرع إن كان له؛ فليسَ له منع فضله عن حاجته من أحد يشرب أو يسقي ذا روح خاصة دون الزرع.

وليس لغيره أن يسقي منه زرعاً ولا شجراً؛ إلا أن يتطوعَ بذلك مالكُ الماء. والله أعلم). وأوضح أ.د عبدالحـي أبرو أن الدولة في الفقه الإسلامي ملتزمة بما توقع عليها من معاهدات واتفاقيات مع الدول الأخرى بما في ذلك الحدود البحرية ومجالات استثمار وتداول المياه والأنهار وكيفية ذلك بما يضمن المصلحة العامة، وأن ذلك من اختصاصات الدولة والإمام في الفقه الإسلامي، ويجب على الرعية طاعته في ذلك. وقد استنتج من خلال عرضه السابق بين مفهوم الفقه الدولي والفقه الإسلامي فيما يتعلق بشؤون المياه، أن: الفقه الإسلامي سابق على الفقه الدولي فيما يتعلق بالمياه، إذ أن التشريع الإسلامي وجد قبل أربعة عشر قرنا، بينما الفقه الدولي الحديث من منتجات العصر الحاضر. كما أن المفهوم والتصور العام للفقه الدولي موافق للفهم الفقهي الإسلامي فيما يخص المياه بصورة عامة، وكأن الفقه الدولي الحديث في هذا الجانب متأثر بالنظريات الفقهية المائية التي توجد متفرقة في كتب الفقه الإسلامي. وأيضا يتفق الفقه الدولي مع الفقه الإسلامي بالأهمية القصوى لهذا الموضوع الحيوي في حياة البشر على وجه الأرض. كما يتفق الفقه الدولي مع الفقه الإسلامي بضرورة ووجوب تأمين مصادر المياه الصالحة للشرب والاستعمال للمجتمعات البشرية بما يكفي حاجات تلك المجتمعات، وبحث كافة السبل والبرامج والأنشطة ذات العلاقة ودعمها وتفعيلها. ويتفق الفقه الدولي مع الفقه الإسلامي أيضا في وجوب تأمين مصادر المياه اللازمة للحيوانات إضافة إلى البشر، وأن ذلك من حقوق الحياة على هذا الكوكب، موضحا أن الفقه الإسلامي عن الفقه الدولي في هذا المجال بإن اتباع كافة هذه الأحكام يترتب عليها الثواب الأخروي كما سبق في قصة بئر رومة، ويترتب على النقيض من ذلك العقاب الأخروي كما سبق في قصة صاحبة الهرة، وكما ثبت من النهي عن إفساد الماء الراكد بالتبول فيه، فيتميز الفقه الإسلامي فيما يختص بأحكام المياه أنه يحمل صبغة دينية وأخروية إضافة إلى النظرة الطبيعية، بخلاف الفقه الدولي الذي يعتمد فقط على الضرورة الإنسانية. مشيرا إلى أن ما يتصل بهذا المبدأ أن الذي يتميز به الفقه الإسلامي عن الفقه الدولي أن بعض الدول لم توقع على بعض الاتفاقيات المهمة حول المياه وذلك لأجل مصالحها الخاصة، بينما الفقه الإسلامي يعمم نظرته على الجميع ويراعي المبدأ الإنساني أصالة، وبالتالي فالقانون الدولي بحاجة إلى مزيد من الصرامة والحيادية حتى يطبق على الجميع بشكل صارم، ولا يسمح لثغرات يتلاعب بها بعض الدول لأغراض خاصة وتطبق على الدول الفقيرة مثلا.