1422088
1422088
عمان اليوم

السلطان قابوس رسّخ منهج التفكير العلمي ودعا إلى متابعة مستجدات العلم والمعرفة بذهن متَّقد

21 يناير 2020
21 يناير 2020

وفّر بيئة حاضنة ومحفزة للباحثين والمبتكرين لتحقيق التميّز البحثي في مجالات ذات أهمية وطنية -

تقرير : مُزنة بنت خميس الفهدية -

«لَطالَما أكدنا على أهمية العلم والمعرفة وضرورة متابعة مستجداتهما بكافة السبل المتاحة بذهن متّقد على أساس من التدبر والتجربة، لأخذ الصالح المفيد وترك ما لا طائل من ورائه، بل إننا نسعى إلى تحفيز الهمم للإضافة الجيدة في هذا المجال، فمهما اجتهد المجتهدون يبقى ما وصلوا إليه شيئًا يسيرًا أمام بحر العلم الواسع. وما تأكيدنا على العلم النافع إلا إدراك منا بأنه هو المنطلق الصحيح لكسب المعارف ونيل الخبرات والمهارات، بما يمكّن هذه الأجيال والأجيال القادمة من الإسهام إسهامًا فاعلًا في خدمة وطنها ومجتمعها، وتلبية متطلبات التنمية على بصيرة وهدى. لذلك أولينا التعليم عناية تامة، فأنشأنا المؤسسات الحكومية التي تعنى بجوانب التعليم والبحث العلمي، وفتحنا المجال أمام القطاع الخاص، بل شجعناه وقدمنا له التسهيلات المناسبة والدعم المادي والمعنوي في هذا الشأن ليعمل القطاعان في إطار المشاركة الهادفة إلى تقديم أفضل المستويات التعليمية لأبنائنا وبناتنا وفق معايير الجودة العالمية» .

هذا ما قاله جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- في كلمة أبوية كريمة وجهها إلى أبنائه طـلبة وطـالبات جامعة السلطان قابوس في ديسمبر 2011م.

وفي الوقت الذي رعت فيه حكومة جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور، أضخم نقلة كمية ونوعية في مجال التعليم، بكل مراحله، دشنها طيّب الله ثراه، فور انطلاق مسيرة النهضة المباركة، وعلى نحو يستوعب ويواكب التطورات المتلاحقة في هذا المجال من حولنا من ناحية، وتمكين أبنائنا وبناتنا من الانطلاق حسب ما تمكنهم قدراتهم، للوصول إلى أعلى الدرجات، وتشجيعهم والأخذ بأيديهم من ناحية ثانية، فإن العناية بالبحث العلمي، وتشجيع أبنائنا وبناتنا، بمختلف السبل الممكنة، على السير في هذا المجال، سواء عبر البعثات العديدة والمستمرة إلى أفضل الجامعات في العالم، أو من خلال جهود مجلس البحث العلمي وتطوير قدرات البحث في جامعة السلطان قابوس بمراكزها البحثية، وفي الجامعات الأخرى، التي احتلت مساحة كبيرة من الاهتمام لدى المقام السامي، ولدى مجلس البحث العلمي ومختلف الجهات والمؤسسات المعنية، انطلاقا من أن البحث العلمي هو أفضل الطرق لتحقيق مزيد من التنمية المستدامة، والتغلب على أية مشكلات أو صعوبات قد تظهر في مجال أو قطاع آخر من قطاعات الاقتصاد الوطني .

ومثّل إنشاء مجلس البحث العلمي في عام 2005م نقلة مهمة في تاريخ التنمية العمانية على مختلف الأصعدة العلمية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فالبحث العلمي في الوقت الحاضر يعد إحدى الركائز المهمة التي تعتمد عليها دول العالم جميعا للنهوض بمجتمعاتها والرقي بشعوبها، ففضلا عن دوره في تنمية القدرات البشرية فإنه يعد محورا أساسيا في حفز الهمم للإبداع والابتكار وفي بناء الصناعات وتطويرها، كما أنه يعد مساهما أساسيا في الدخول إلى عالم الاقتصاد المبني على المعرفة.

استراتيجية وطنية

وفي إطار المهام المسندة إلى المجلس، فقد حرص على إعداد استراتيجية وطنية تحدد مسار البحث العلمي والتطوير بالسلطنة وتربطه مع مسار خطط التنمية الشاملة التي تنفذها الحكومة من أجل الرقي بالإنسان العماني، وتتمثل المهمة التي تمت صياغتها للبحث العلمي في تأسيس منظومة إبداعية تستجيب للمتطلبات المحلية والتوجهات العالمية، وتعزز الانسجام الاجتماعي، وتقود إلى الابتكار والتميز العلمي، أما المحاور الرئيسية للاستراتيجية، فتتمثل في بناء وامتلاك سعة بحثية واسعة، وتحقيق تميز بحثي في مجالات منتقاة ذات أهمية وطنية، وتأسيس البيئة المحفزة للبحث العلمي، إلى جانب نقل المعرفة، واكتساب القيمة من البحوث العلمية.

وتتضمن استراتيجية البحث العلمي ثلاث مراحل للتنفيذ، حيث تهدف المرحلة الأولى منها إلى بناء السعة البحثية من خلال تحسين الوضع القائم لرفع الإنتاجية والكفاءة وتقديم الحلول السريعة للمعوقات التي تواجه الباحثين وتوفير التمويل للمقترحات البحثية التي تتلاءم مع احتياجات السلطنة. أما المرحلة الثانية فتهدف إلى بناء القدرات الوطنية في المجالات ذات الأولوية للسلطنة بما في ذلك الكوادر المؤهلة والبنية الأساسية الداعمة للبحث والتطوير والابتكار. وفي المرحلة الثالثة فالهدف هو تحقيق الريادة في البحث والتطوير في بعض المجالات التي للسلطنة أفضلية فيها تمكنها من ذلك، ولذلك فإن استراتيجية البحث العلمي تحوي مجموعة متكاملة من البرامج التي تم وضعها وتحديدها بدقة وعناية لتحقيق الأهداف التي سبق الإشارة إليها.

من جانب آخر، تتضمن الاستراتيجية الوطنية للابتكار التي يعمل المجلس بالتعاون مع كافة الجهات المعنية على إعدادها على أربع ركائز أساسية، وهي: ركيزة التعاون والتواصل، وركيزة الرأسمال البشري، وركيزة حقوق الملكية الفكرية، وركيزة التنوع الاقتصادي التي ستترجم إلى برامج عمل داعمة للابتكار بعد اعتمادها.

وتم تصميم موقع مجلس البحث العلمي الإلكتروني ليتمكن الباحث والمطلع من خلاله أن يتعرف إلى البرامج البحثية والأنشطة العلمية التي ينفذها المجلس، وأن يشارك فيها ويتفاعل معها بكل يسر وسهولة، كما يوفر الموقع البيانات والمعلومات المتعلقة بالبحث العلمي والابتكار لجميع شرائح المجتمع وفئاته من باحثين ومثقفين ومهتمين وطلاب. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتضمن الموقع نظاما إلكترونيا لتقديم المقترحات البحثية تم من خلاله ربط مجلس البحث العلمي بجميع المؤسسات البحثية لتيسير التعامل مع هذه المؤسسات ومع الباحثين العاملين فيها، ويساهم هذا النظام إلى حد بعيد في بناء قاعدة بيانات لجميع الباحثين العاملين في السلطنة حسب تخصصاتهم الدقيقة والمؤسسات التي يعملون فيها بالإضافة إلى تشجيع التعاون البحثي. ويتضمن الموقع كذلك البرامج التوعوية التي ينفذها المجلس ضمن برنامج نشر الوعي بحيث تصبح متاحة لجميع فئات المجتمع وبالأخص لأبنائنا الطلاب في المدارس مما يمكنهم من الاطلاع وبناء المعرفة والوعي بالبحث العلمي والابتكار ويسهل لهم التواصل مع المجلس، للوصول إلى ما كان يصبو إليه جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه-.

دعم الابتكار الصناعي

تأسس برنامج دعم الابتكار الصناعي لمساعدة مشاريع قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العمانية وتعزيز كفاءتها واستدامتها، ويعد برنامج دعم الابتكار الصناعي ضمن جوهر التزام مجلس البحث العلمي لدعم الأنشطة المبتكرة في السلطنة، وتتضمن أهداف برنامج دعم الابتكار الصناعي الأخرى حل المشاكل الصناعية التي تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العمانية، وإيجاد بيئة متعاونة بين الصناعات، والمؤسسات الأكاديمية والجهات الحكومية، وبناء القدرات في مجال الابتكار الصناعي ومعالجة حقوق الملكية الفكرية مع المشاريع الممولة ذات الصلة، وبدأ برنامج دعم الابتكار الصناعي كواحد من المشاريع الأولى لمحور الابتكار بالتعاون مع الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذي تمخض عنه تشكيل مركز الابتكار الصناعي، الذي يعمل بالتعاون مع برامج ابتكارية أخرى على ضمان التنفيذ الفعال والمتزامن للأنشطة المشتركة. أما برنامج مساعدة الابتكار في التعليم فوضع لغرس المهارات القيادية في قطاع التعليم العام والقدرات البحثية لدى الطلبة العمانيين، يهدف برنامج مساعدة الابتكار في التعليم إلى توفير بيئات تعليم فعّالة ومبتكرة للمعلمين والطلبة على حدٍ سواء، وتتضمن الأهداف الأخرى للبرنامج دعم السياسات التعليمية التي تركز على المفاهيم المبتكرة والبحوث إلى جانب احتضان المبادرات الطلابية المبتكرة بطبيعتها، مما يساهم في دعم جهود التنمية في القطاعين العام والخاص في السلطنة على المدى الطويل.

ويسعى برنامج مساعدة الابتكار في التعليم أيضا إلى إنشاء حاضنات المدارس المبتكرة، التي تقوم بدورها بتقديم الدعم لأصحاب الأفكار المبتكرة مع الخدمات والأدوات اللازمة، فضلاً عن تدريب وتعليم الطلاب على مهارات ومفاهيم الابتكار بشكل عام، إلى جانب تشجيع المعلمين على العمل بجعل صفوفهم الدراسية البيئة المفضلة للابتكار.

الجائزة الوطنية للبحث العلمي

وفي هذا الإطار فإن الجائزة الوطنية للبحث العلمي، التي ينظمها ويشرف عليها مجلس البحث العلمي، تعد واحدة من أهم أدوات تشجيع المنافسة العلمية بين الباحثين العمانيين، وإعطاء دفعة للمجيدين منهم، وإتاحة الفرصة كذلك للباحثين، بفئاتهم المختلفة، للتقدم بأفكارهم وبحوثهم العلمية، مع تشجيع ربطها، أو اهتمامها على الأقل بمرحلة التنمية الوطنية التي يمر بها المجتمع، وتوظيف البحث العلمي لدعم جهود التنمية. ويظلُّ العمل مُتواصلا على قَدَم وساق من أجل وَضْع عُمان على خريطة الاقتصاد المعرفي والتكنولوجي في المنطقة والعالم؛ بعدة سبل أهمها: الاستثمار في المؤسسات التكنولوجية الناشئة، وجذب هذه النوعية من المشاريع الواعدة لإطلاق عملياتها في السلطنة من أجل تعزيز الاقتصاد، وتنمية قطاع تقنية المعلومات، فضلاً عن إتاحة الفرصة أمام شبابنا للعمل في هذه المجالات ذات القيمة المضافة العالية. لذلك؛ تعمل مُؤسَّسات الدولة على تشجيع المبتكرين وتحفيزهم، لكن في المقابل يتعيَّن كذلك على القطاع الخاص أنْ يُسهم بقوة في دعم وتمويل هذه المشروعات، وتبني الأفكار الابتكارية البنّاءة.

مجمع الابتكار

يعد مجمع الابتكار مسقط أحد أبرز مبادرات مجلس البحث العلمي لتطوير البحوث العلمية والتشجيع على الابتكار، بهدف تفعيل الربط بين القطاع الأكاديمي والخاص وبين مختلف شرائح المجتمع المحلي والعالمي، ويسعى لتوفير بيئة حاضنة ومحفزة للباحثين والمبتكرين ورواد الأعمال، من خلال تقديم الدعم المناسب وتوفير كافة الاحتياجات، التي ستُسهم في المقابل في تنمية القوى البشرية وتزيد دافعيتهم نحو البحث العلمي، فضلا عن رفع مشاركتهم في استغلال المعارف وتطوير الأفكار والمنتجات القائمة على البحوث العلمية، وتحويلها إلى ناتج محلي قائم على البحث العلمي والابتكار، مما سيؤدي إلى تعزيز جهود الحكومة في تنويع الاقتصاد.