1421543
1421543
عمان اليوم

جلالة السلطان قابوس عمل على تعزيز الفكر الإداري والمؤسسي في سياق تنمية شاملة هدفها الإنسان

20 يناير 2020
20 يناير 2020

توظيف العمق التاريخي لبناء قيم أكثر حداثة فيما يتعلق بالمؤسسات -

عمان: ركز الفكر الإداري للنهضة العمانية منذ البداية على إنجاز نموذج يقوم على المؤسسية والكفاءة بعيدا عن أي محسوبية، ومن ثم جاء الاهتمام بالإدارة وربطها بالمؤسسية كأحد تجليات هذا الفكر في بناء الدولة الحديثة، حيث اعتنت السلطنة ببناء المؤسسات في كافة القطاعات وتدريب وتأهيل الكادر الوطني للتعامل مع التقنيات الحديثة واستخدامها في أداء دوره الإداري، وبذلك اتصف الأداء المؤسسي في السلطنة بالعلمية والمنهجية والنظر بعين الاعتبار لأهل الخبرة.

ومنذ بداية تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ مقاليد الحكم في البلاد عمل على تهيئة الظروف السياسية والمجتمعية المساهمة في بناء الدولة العصرية المؤسسية، عبر التعليم ونشره وتعزيز القيم الثقافية والإدارية في سياق تنمية شاملة هدفها الأسمى هو الإنسان العماني.

واتسم العمل الإداري في فكر النهضة بالتوليف ما بين القيم الإدارية الحديثة في الغرب والنظام الاجتماعي للمجتمع، وقيم الإسلام السمحة، فعملت السلطنة على تطبيق الإدارة المحلية وتطويرها بأسلوب يتفق مع منهجها الحديث، حيث عرفت نظام المحافظات والولايات منذ القدم وقد شهد هذا النظام تطورا متلاحقا عبر مراحل التاريخ العماني وتقدم المجتمع في مختلف مجالات الحياة.

وقام الفكر الإداري والمؤسسي على دعامة التخطيط والبرمجة فمنذ انطلاقة النهضة المباركة كان التخطيط هو الأداة الرئيسية لبناء الدولة، واستلزم ذلك وضع الاستراتيجيات والنظر البعيد إلى المستقبل. وكانت خطب جلالته ـ رحمه الله ـ السامية ولقاءاته مع المواطنين في الجولات السامية في ولايات السلطنة داعمة لكيفية بناء مجتمع يقوم على التفكير العلمي والدراسة المنهجية والتخطيط في بناء الأفكار والبحث عن تنفيذها في الواقع، حيث تواترت الدعوة إلى الانفتاح على العصر والتقنيات الجديدة والرؤية الأكثر وضوحا لتلمس دروب الحضارة الإنسانية الحديثة بما فيها من إيجابيات لتطوير المؤسسات العمانية وشحذ كفاءتها في خدمة المجتمع.

رؤى وومضات

وتضمن فكر النهضة رؤى واضحة في النظر إلى الإدارة باعتبارها شأنًا إنسانيًا ونظاما اجتماعيا وقيمة حضارية، تتعزز بالالتزام والإرادة. وهنا يمكن الانتباه للتقاطع الواضح بين القيم العمانية الأصيلة والمتوارث من التقاليد وبين المعاني الإدارية الحديثة، حيث قامت الإدارة في السلطنة على توظيف العمق التاريخي في بناء قيم إنسانية أكثر حداثة فيما يتعلق بالمؤسسات، وهو ما عكس الخصوصية العمانية في هذا الشأن إلى جانب التوافق مع متطلبات التطور الفكري والتحديات المعاصرة في مجال تقديم الخدمات والإنتاج، كما أدى التركيز على التنمية الاجتماعية من خلال توظيف بعض الأفكار المتوارثة كالمشورة الاجتماعية الأهلية إلى إنتاج مفاهيم تعضد المشاركة المجتمعية في صناعة واتخاذ القرارات المحلية وفق مرتكزات وتوجهات استراتيجية التنمية المستدامة بشكل عام.

وأدى ارتقاء النظام الإداري المؤسسي في السلطنة من النمط التقليدي الورقي إلى دخول عصر الحكومة الإلكترونية بما يعنيه ذلك من اختصار للوقت والجهد والمال. وقد حققت السلطنة معدلات إيجابية ملموسة في هذا الإطار، الأمر الذي مكنها من فتح الأفق لعمل مؤسسي أكثر دقة وكفاءة، يستفيد بأقصى ما يمكن مما يطرحه العصر من إيجابيات ووسائل ووسائط تعزز خدمة الأداء والتوجه نحو الحياة الأفضل.

تعزيز الحوكمة

إن مفهوم الحوكمة والمجتمع الرقمي الذي تعمل السلطنة على تأكيده في سياسة المستقبل وإدارته مؤسسيا يقوم الوعي به على أبعد من مجرد الحكومة الإلكترونية، إذ أنه يعكس صورة المجتمع ككل من حيث التقدم واستيعاب وتكامل التقنيات الرقمية في المنزل والعمل والتعليم والترفيه وغيرها من الأنشطة.

وتعد الحكومة الإلكترونية عنصرا من عناصر المجتمع إلا أنه من المهم عدم معادلتها مع المجتمع الرقمي، على الرغم من ارتباطهما ارتباطا وثيقاً، وأحياناً تداخلهما معاً إلى حد كبير حيث يحتاج كل منهما للآخر في تحقيق النتائج، كما أن إجراءات الحكومة لترويج أحدهما لها أثر على الآخر.

إن خطط المجتمع الرقمي تشمل البنية الأساسية والإجراءات التنظيمية التي تؤثر بشكل مباشر على اقتصاديات البلاد وعلى السكان مثل التعليم والإطار التنظيمي وتطوير قطاع تقنية المعلومات والاتصالات. أما الحكومة الإلكترونية فتتضمن خططها القنوات والمنافذ الإلكترونية المتعددة لتوفير الخدمات، والتشييد المشترك للهيكل الحكومي الإلكتروني عبر الوحدات الحكومية المختلفة.

وبالرغم من أن الحكومة الإلكترونية مكمل طبيعي لتطوير المجتمع الرقمي، إلا أن تطوير مستوى الخدمات النابع من مبادرات الحكومة الإلكترونية يمكن أن يفيد وبشكل كبير مجتمعًا تقليديًا بتوفير تفاعل وتعامل فعال وكفء بين الحكومة والمواطنين، وفي الوقت نفسه يتيح لاستثمارات الحكومة الإلكترونية أن تساعد المجتمع الرقمي، وعلى سبيل المثال يمكن تشجيع الشركات الخاصة الصغرى والمتوسطة الحجم على التعامل والتفاعل مع الحكومة إلكترونياً فيما يخص أعمالها ومتطلباتها الإدارية.

طريق تكاملي

ومنذ بزوغ الألفية الثالثة قام الفكر الإداري عموما على ضرورة تغيير الاقتصاديات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم وتحويل الأسلوب الذي تستخدمه الحكومات في تنفيذ أعمالها وخدمة مواطنيها. حيث يتحدد وضع دولةٍ ما في العالم تبعاً للفعالية التي تواجه بها الفرص التي يوفرها الانتقال إلى مجتمع رقمي والتحديات التي يفرضها هذا الانتقال.

وسعت السلطنة لدخول هذا العصر بقوة لتدمج المؤسسات المحلية مع بعضها ومع الإطار الشبكي الدولي وقد تم ذلك اليوم بوجه ذي كفاءة مستمرة، ويتضح ذلك في الشبكات التي تديرها الوزارات وتنجز عبرها العديد من الخدمات كما في شرطة عمان السلطانية على سبيل المثال. كذلك يبدو الأثر الجلي والملموس في الخدمات المصرفية والمالية التي تتكامل مع العالم بشكل عام. غير أن هذا الانتقال الشامل لن يتحقق إلا عن طريق تكاملي، لأن كافة العناصر متصلة فيما بينها. وبناء على ذلك تصبح البنية الأساسية لأكثر الحكومات الإلكترونية تقدماً ذات قيمة ضعيفة إذا لم يملك المواطنون المهارات اللازمة أو الدافع الاقتصادي للحصول على الخدمات إلكترونيا، بينما يتسبب عدم كفاية دعم التشريعات للمعاملات الإلكترونية في عدم استخدام البنية الأساسية للسداد الإلكتروني، حيث تعتمد معاملات الدفع الإلكتروني على الحماية التي توفرها هذه التشريعات في المقام الأول، وهي المسائل التي تتم مراعاتها والعمل لأجلها لنقل العمل والمؤسسية والكفاءة الإدارية في سياق الدولة الكلي إلى مرحلة عصر المعرفة والتقنية.

وقد كانت فاعلية المشاركة في بناء عمان الحديثة عاملًا أساسيًا في فكر النهضة، وهو عامل يقوم في جوهره على الإنسان، فالمؤسسية في نهاية الأمر هي فعل تشاركي يساهم فيه الجميع قبل أن تتحول إلى ملامح أو ملموسات تتجلى في الآليات ودواليب العمل أو المخترعات الإنسانية المتغيرة.

قدسية تراب الوطن

وتتوضح أسس المشاركة في الرؤية العمانية على مبدأ قدسية تراب الوطن، ومحبته، وأنه لا تفاوت إلا بمقدار حب هذه «الأرض/‏‏‏الأم» والعمل لأجلها بـ «تقديس» الأمل، كما أكد على ذلك جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله ـ وبناء على هذه الرؤية اتخذ عنصر المشاركة في الدولة العمانية الحديثة طريقه نحو الواقع عبر مجموعة من التطبيقات التي تم السير عليها تدريجيا لمراعاة اعتبارات تأسيس الدولة و«تخليق» المجتمع وإعادة تشكيله وفق منظومات الدولة العصرية وكذلك وفق خطة استشرافية منذ البداية يمكن تمثل ملامحها في النقاط التالية:

- الطموح: أي أنها خطة لا تعرف الركون للراهن ولا تعترف بأن المتحقق كبير، فالشعور بالرضا يكون بحجم المأمول وليس المتحقق، والسعي نحو ذلك المأمول سعيا حثيثا ومدروسا.

- استهداف الإنسان باعتباره صانع التنمية.

- الإسعاد والإعداد: ليعطي الإنسان بلاده أحسن ما عنده من إنتاج.

- التنمية الاجتماعية: تتصدر أولوية الاهتمامات بحيث تتسع الدائرة من الإنسان كفرد إلى المجتمع كجسم متكامل تشاركي.

- الوصول إلى مصاف الأمم المتقدمة: وهي غاية الخطة البعيدة.

- التعاون بين الحكومة والشعب، وبين فئات الشعب كمرتكز أساسي للخطة.

- تهيئة الفرد للاستيعاب والإبداع للمساهمة في إيجابيات المجتمع بمعناه الواسع.

وهذه الخطة التي وصفها جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله ـ بـ «التحدي» في السنة الرابعة من توليه الحكم، تبرز معالمها فيما قاله عن معركة البناء والتنمية والتطور: «لقد كانت خطتنا في هذا المجال طموحة، تستهدف الإنسان العماني وتعويضه ما فات وكان عمادها في تنفيذها الإنسان فالإنسان هو صانع التنمية، فيجب أن يكون هدفها إسعاده، وإعداده، ليعطي بلاده أحسن ما عنده من إنتاج. ومن هنا كان اهتمامنا بالتنمية الاجتماعية، فانطلقنا بادئ بدء نعلم ونقدم العلاج، ونوفر الغذاء والسكن، من أجل الإنسان العماني، رصيدنا الأساسي في معاركنا المختلفة في سبيل عمان، والبلوغ مصاف الأمم المتقدمة. وقد كنا والحمد لله على مستوى المرحلة الصعبة التي مرت، وتعاونا حكومة وشعبا حتى وصلنا ببلادنا إلى درجة من التطور الاجتماعي، جعلتنا قادرين على الاستيعاب والإبداع، وبالتالي المساهمة الفعلية في إيجابيات المجتمع بمعناه الواسع».

وهكذا قام فكر الإدارة والانتقال عبر المراحل وفق رؤية شاملة وتكاملية لا ينفصل فيها الإنسان عن المجتمع ولا الدولة عن الحكومة ولا القضايا الاقتصادية عن الاجتماعية، وهذا التكامل هو ما يعني المؤسسية في أوسع مجالاتها، وهي تتماهى مع عصر الحكومات الإلكترونية والتقنيات والمعارف.