صحافة

القدس: بصمات السلطان قابوس

17 يناير 2020
17 يناير 2020

في زاوية أقلام وآراء كتب خير الله خير الله مقالاً بعنوان: بصمات قابوس، جاء فيه: قلائل الزعماء في المنطقة العربية الذين تركوا بلدانا قابلة للحياة والتطور من جهة وأن تكون على تماس مع كلّ ما هو حضاري في هذا العالم من جهة أخرى.

ترك السلطان قابوس الذي صعد إلى العرش في العام 1970 وتوفّي قبل أيّام بصماته الإيجابية. ترك بلدا حديثا وآمنا ومستقرّا قابلا للحياة يمتلك مؤسسات قويّة وبنية أساسية متطورة. ترك دولة حقيقية. أمام هذه الدولة تحديات كثيرة، لكنّها تبقى دولة بكلّ معنى الكلمة وليس جهازا أمنيا وشعارات لا تمتّ إلى الواقع بصلة. تدل على ذلك السلاسة التي تمت بها عملية انتقال العرش من السلطان قابوس إلى ابن عمّه السلطان هيثم بن طارق الذي اختاره السلطان الراحل بنفسه ليكون خليفته.

لعلّ الصفات الأهمّ التي تمتع بها السلطان قابوس -طيب الله ثراه - هي الجرأة والحكمة والتسامح وبعد النظر في الوقت ذاته. لم تكن لديه عقدة الأجنبي. فعندما كانت عدن تحت الحكم البريطاني حتّى العام 1967، كان يتوقّف فيها كي ينتقل إلى لندن بحرا لمتابعة الدراسة. كان يقول إنّ طموحه أن تصبح مسقط مثل عدن في يوم من الأيّام. أين مسقط اليوم وأين عدن منها؟.

في السنوات الخمسين، بين 1970 و2020، التي كان فيها قابوس سلطانا لعُمان، شهد البلد ثورة حقيقية على كلّ صعيد. كانت ثورة بالمعنى الإيجابي للكلمة. هناك الآن بلد يمتلك كلّ مقوّمات الحياة، في حين لم يكن يوجد سابقا سوى مدرستين وطريقين معبّدين في مسقط كلّها. تجلّت الحكمة التي يتحلّى بها السلطان قابوس باكرا عندما استطاع التعاطي مع الوضع في محافظة ظفار.

كان واضحا أنّ ما يجري في ظفار كان جزءا من الحرب الباردة التي تخللتها محاولة من الاتحاد السوفييتي لإيجاد موطئ قدم أكبر في شبه الجزيرة العربية، بما يتعدّى حدود اليمن الجنوبي الذي صار دولة مستقلّة منذ العام 1967. لم يلجأ السلطان قابوس إلى الانتقام على العكس من ذلك، اعتمد سياسة تقوم على الاستيعاب والعفو.

في موازاة العفو، أنشأ السلطان قوات عسكرية شبه نظامية تحت إشراف الحكومة سماها قوات الفرق الوطنية.

ضم الى هذه الفرق الجميع، ترافق ذلك مع إطلاق السلطان الراحل ورشة عمرانية في ظفار مستعيناً بخبراء ومهندسين من عدة دول.

سمح الوضع الداخلي للسلطان قابوس بأن ينقل جرأته إلى السياسة الخارجية. لذلك كان لافتا موقفه المتحفظ من القطيعة العربية مع مصر بعد زيارة أنور السادات للقدس في خريف العام 1977 ثمّ انعقاد القمّة العربيّة في بغداد في 1978.

لم تقطع السلطنة خيط معاوية مع مصر. اضطر العراق إلى اللجوء إليها من أجل التوسط مع أنور السادات كي تزوده مصر معدات عسكرية كان في أشد الحاجة إليها في مرحلة ما بعد اندلاع الحرب مع إيران في العام 1980. لم يؤد ذلك إلى تغيّر في العلاقات العُمانية - الإيرانية التي هي من الثوابت في السلطنة. بقيت السلطنة، التي تشارك إيران في الإشراف على مضيق هرمز تؤمن بأن العلاقة معها ليست قضية أشخاص، بل قضية مرتبطة بالجوار الإيراني والجغرافيا. ما يؤكد ذلك الدور الذي لعبته السلطنة في تسهيل التوصل إلى الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني الذي وقع صيف 2015.

يمكن الحديث طويلا عن التميّز العُماني والقدرة على اعتماد سياسات مختلفة داخل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، خصوصا عندما يتعلّق الأمر باليمن.

أدار السلطان قابوس، السلطنة في السنوات العشرين الأولى من عهده بدقّة متناهية واضعا معايير صارمة وخطوطا عريضة كان يشرف على تنفيذها بنفسه.