Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ: تكلفة الخطأ ثقيلة

14 يناير 2020
14 يناير 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

بنيت حياتنا على تجربة الخطأ والصواب، وكما يقال في المثال: «حقل تجارب» فإن صلحت المحاولة الأولى كان بها، وإلا لنجرب محاولة أخرى، ويذهب العمر أحيانا؛ بين فكي الكماشة هذه، وبقدر ما مهم هذا الصواب الذي توصلنا به بالصدفة، يكون في المقابل، الخطأ ثقيل، وندفع مقابله، ثمنًا باهظًا؛ مع أنه خطأ، ولعلنا نواسي أنفسنا عندما نعيش معها حوار «منولوجيا» حيث نعزيها بـ«خطأ غير مقصود» وهكذا نستمرئ محاولاتنا المتكررة، «لعل غدا لناظره قريب».

هذه إشكالية إنسانية بامتياز، ولا مخرج منها، ولعل الكائنات الأخرى تشاركنا في جزئيات منها، ولكنها -سبحان الله- لا تجازف لتعيش تجربة الخطأ والصواب، بل تسلك مسالك أخرى مجنبة نفسها مسألة السقوط في عمق الخطأ؛ لأنه -كما نعرف- «تكلفته ثقيلة» ولعلنا نرى دائما أسراب النمل التي تتخذ مسارا طويلا، وهي حاملة غذاءها عبر مسافة بعيدة، ولكنها كلما اصطدمت بصخرة كبيرة، أو أي جسم كبير، فإنها لا تحاول اقتحامه، وإنما تبحث لها عن طريق آخر أكثر أمانا، يبعدها عن الاصطدام المباشر بهذا الجسم، أو ذاك، مجنبة نفسها الوقوع في مصيدة الخطأ الأكبر، فتدفع -ربما- حياتها ثمنا لذلك، وتواصل مسيرها الآمن.

اليوم غيره بالأمس؛ حيث تتضح الرؤية أكثر، وذلك من خلال وسائل عدة، من أمثلتها «دراسة الجدوى» وهذا المصطلح؛ يقينًا ليس معنيًا به الجانب الاقتصادي الصرف، وإنما يمكن اعتماده كأسلوب حياة نطبقه في كافة شؤون حياتنا اليومية، لا استثني من ذلك موضوعًا دون آخر، وإنما كل مواضيعنا في الحياة تستلزم تطبيق هذا المفهوم «دراسة الجدوى» وذلك تجنبًا للوقوع في مطب تكلفة الخطأ الثقيلة؛ لأنه -وكما يقول المفكر الإيطالي ميكافيلي-: «المنتصر أصدقاؤه كثيرون، أما المهزوم فأصدقاؤه حقيقيون» وحتى لا نحرج أنفسنا في الوقوع بين هؤلاء الأصدقاء الـ«كثيرين» والـ«حقيقيين» يمكن أن نجنب أنفسنا، ونعيش مأموني الجانب، لا لنا ولا علينا، وبذلك «نسلم ويسلمون».

يقال: «ما خاب من استشار» ولكن حتى هذه الاستشارة تحتاج إلى عناية دقيقة في الاختيار، فقاعدة «لا تعرف صديقك من عدوك» مسألة قائمة في كل العصور، ومن قالها لم يقلها من فراغ، بل اكتوى بتجربتها الصادمة، فالناس يتهاوون مع المنتصر في لحظة انتصاره، ولكن نفس هذا المنتصر يتباعد نفس الناس عنه في لحظة هزيمته، والتأريخ مليء بالحوادث والمواقف من هذا النوع، وكثيرنا أيضًا من مر بمثلها طوال سني حياته، وربما من أقرب الناس إليه في بعض الأحيان، والمسألة لا ترتبط بالغريب البعيد، لتكون هناك قناعة أن الغريب هو من يخذلك، وهناك إشارات نزلت في القرآن الكريم تشير إلى ذلك بصريح العبارة، وإن ارتبطت بمناسبتها، ولكن ينظر إليها وفق القاعدة المعروفة: «بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب».

اليوم هناك ما يسمى بالتخطيط، سواء التخطيط المرحلي أم التخطيط الاستراتيجي، ويتضمن هذا التخطيط برامج قصيرة الأجل، وبرامج طويلة الأجل، وبقدر ما هو مربوط التخطيط بالمؤسسات، نظرا لضخامة الدور والأعمال التي تقوم بها، فإن هذا التخطيط أيضًا معني بالفرد في شأنه الخاص، ولا يعذر الفرد أيًّا كان، من أن يتحرر من التزامات هذا التخطيط، وما يمليه عليه من واجب المسؤولية، لتنفيذ كافة اشتغالاته في حياته الخاصة، فالفرد -في المقابل- لا يكون مسؤولا عن نفسه فقط، فهو أمام مسؤولية كبيرة تتمثل في أفراد أسرته الكثر، وكما هي المسؤولية دائما أن ينأى بأسرته عن أي مسلك يمكن أن يتعثروا في عمق الممارسات الخاطئة بحكم صغر تجربة الحياة، فالخبرة معول عليها كثيرًا في تقويم الممارسات، والتقليل من الأخطاء.