المنوعات

التغير المناخي يهدّد الآثار الأفغانية المتهالكة

10 يناير 2020
10 يناير 2020

باميان (أفغانستان)، (أ ف ب) : بعد تعرّضها لعدد كبير من تفجيرات الإسلاميين المتشددين وعمليات السرقة المتكررة، تواجه الكنوز الأثرية في ولاية باميان في أفغانستان تهديدا جديدا وقد يكون أكثر خطورة وهو تغير المناخ.

تحتضن جبال هندوكش وادي باميان الخلّاب، الذي يضمّ شبكة كهوف تحتوي على معابد وأديرة ولوحات بوذية تعود إلى قرون خلت، وتعرّضت خلال حكم طالبان في العام 2001 لحملات مُمنهجة أدّت إلى هدم الكثير من التماثيل البوذية القديمة.

ويضمّ الوادي أيضاً، قلعة شهر غلغله التي تعود إلى زمن طريق الحرير التاريخي وحصن شهر ضحاك في الشرق.

حالياً، تعدّ هذه العمارة التاريخية عرضة للتدمير، وفقا للخبراء، بسبب موجات من جفاف تليها أمطار غزيرة ومواسم تشهد ذوبان ثلوج أطول من المعتاد. وهو ما حذّر منه المسؤولون الأفغان في تقرير صادر عن الأمم المتّحدة في العام 2016، يشير إلى أن «هذه الهياكل قد تنهار وتعاني من تآكل شديد» بسبب عوامل مرتبطة مباشرة بالتغيّر المناخي.

يقول فيليب ماركيز، مدير بعثة الآثار الفرنسية في أفغانستان لوكالة فرانس برس «عمليّات التآكل تتسارع بشدّة، بحيث باتت الأمطار والرياح أكثر تدميرا، وهو ما ينطوي على تأثيرات حادّة على المواقع».

ويشرح ماركيز الذي استكشف هذه المنطقة وعمل فيها لعقود عدّة بأن «أفغانستان هشّة للغاية من الناحية الجيولوجية، لا سيما بعد تقلّص الغطاء النباتي بشكل كبير» نتيجة إزالة الغابات.

وهو ما توافق عليه شركة «إيكونيم» الفرنسية للتصوير، مؤكّدة أن «حصن شهر ضحاك هشّ للغاية» نتيجة تآكله خلال السنوات الثلاثين الماضية.

يقول باقي غلامي (21 عاماً) من سايخاند شمال بايمان «لطالما كان التغيّر المناخي واقعة حقيقية على المقيمين التعامل معها»، ويضيف وهو ينظر إلى المساحات الفارغة التي كانت تضمّ سابقاً تمثالين لبوذا «المناخ يتغيّر. لقد أصبح الصيف أكثر حرّاً والشتاء أشدّ برداً».

تعود القطع الأثرية في هذه المنطقة إلى ما قبل وصول الإسلام، أي إلى ديانة مختلفة، إلا أن المقيمين الذين تحدّثت إليهم وكالة فرانس برس يدافعون بفخر عن تاريخ المنطقة باعتباره تاريخهم الخاص.

من الكهوف الفارغة، يمكن للزوّار رؤية المركز الثقافي الذي بدأ بناؤه في العام 2015 لكن لم تنتهِ أعماله بعد، ويهدف إلى تعريف الزوّار بالحاجات الطارئة للحفاظ على تراث المنطقة.

يقول مدير قسم الآثار في جامعة باميان، علي رضا مشفق (26 عاما) إنه «لا فائدة من رؤية الناس لهذه المواقع من دون تقديم أي معلومة لهم»، مبديا امتعاضه من ضعف التمويل الذي يُقصي العديد من الأشخاص عن المعرفة، بمن فيهم تلاميذه الذين يعانون نقصا في الوصول إلى الكتب.

ويقرّ عالم الآثار بأن «عمليات التآكل تزداد»، إلا أنه مقتنع بأن الخطر الحقيقي يأتي من «الأثر البشري على الموقع»، ولا سيّما من سارقي الآثار المنتشرين في أفغانستان.

حالياً، تخضع قلعة شهر غلغله وغيرها من المواقع الرئيسية للحراسة لحمايتها من عمليات مماثلة.

بعد إزالة الألغام، شهدت المنطقة تدفّق آلاف الزوّار خلال السنوات الأخيرة، إلا أن هذا الأمر لم يغيّر الكثير من الواقع على الأرض.

يقول مشفق «علينا أن نبدأ بتدريب السكّان المحلّيين حول كيفية المحافظة على الموقع وعدم تدميره، لا سيّما أن بعضهم يعمدون إلى تربية المواشي وتخزين الأعلاف في هذه المواقع التاريخية».

على مرمى حجر من كهف بوذا العظيم، يقول أمان الله (37 عاما) بأنه انتقل مع عائلته إلى أحد هذه الكهوف حيث بنى منزلا من الخردة والصفائح البلاستيكية.

وليس أمان الله الوحيد. فالكثير من الأسر الفقيرة بنت مأوى لها بالقرب من القطع الأثرية والهياكل القديمة.

ويتابع أمان الله «تعيش 18 أسرة حالياً هنا، لم يكن لدينا خيار آخر. ولكن قد ننتقل من هنا إذ توفر لنا البديل».

لكن بالنسبة لماركيز «لا يأتي التهديد الأكبر من السكّان المحلّيين أو السارقين الذين يتعدّون على المواقع، لأن الأضرار الناجمة عنهم هي أقل بكثير من الدمار الذي يسبّبه التآكل».

في الواقع، تبلغ كلفة تخفيف آثار التآكل والتغيّر المناخي مليارات الدولارات، إلّا أن الدولة الأفغانية التي مزّقتها الحرب لديها قدرة محدودة على تحمّل هذا العبء، خصوصا وأن مبادرة التكيّف العالمي التي أطلقتها جامعة نوتردام في الولايات المتحدة، تصنّف أفغانستان في المرتبة 173 من بين 181 بلدان لناحية قدرتها على مواجهة التغيّر المناخي والتكيّف معه.