أفكار وآراء

جرف إسرائيل المتهاوي.. جرائم لا تسقط بالتقادم

05 يناير 2020
05 يناير 2020

رشا عبد الوهاب -

بعد أكثر من 102 عام على وعد بلفور، وحوالي 71 عاما على نكبة فلسطين، تشهد القضية الفلسطينية بوادر انتصار جديد على الكيان الإسرائيلي، بعد القنبلة القانونية التي هزته بإعلان المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في ارتكابها جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة بداية من 2014.

ويعتبر الإسرائيليون قرار المحكمة أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث، حيث يمكن أن يجد بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزراء دفاع الاحتلال السابقين والحاليين أنفسهم في قفص المحكمة في لاهاي متهمين بارتكاب جرائم حرب خلال سنوات قليلة من الآن.

وفي 22 مايو 2018، تلقت المحكمة الجنائية الدولية إحالة من حكومة دولة فلسطين بخصوص الحالة في فلسطين منذ يونيو 2014 عملا بالمادتين 13(أ) و14 من نظام روما الأساسي، وذلك لإجراء تحقيق في الجرائم المرتكبة في الماضي والحاضر والتي سترتكب في المستقبل من قبل الاحتلال.

ومنذ بدء عملها في منتصف 2002، فقد أطلقت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات تخص 12 قضية أغلبها في دول إفريقيا، كما أدانت 44 شخصا. وكان توماس لوبانجا دييلو، وهو زعيم ميلشيا «اتحاد الوطنيين الكونجوليين» في جمهورية الكونجو الديمقراطية، أول متهم يواجه السجن بتهمة ارتكاب جريمة حرب، في حكم تاريخي للمحكمة الجنائية الدولية، ومقرها لاهاي. وتوالت الأحكام التاريخية ضد المجرمين الدوليين، إلا أن الإعلان الأبرز، والذي يخص العرب كان في 20 ديسمبر الماضي عندما أعلنت فاتو بنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية عن قناعتها بوجود أساس منطقي للبدء بتحقيق حول الوضع داخل الأراضي المحتلة. وقضت بنسودا الخمس سنوات الماضية في مراجعة الدليل الأولي كجزء من التحقيق التمهيدي في الحرب على غزة عام 2014، والمستوطنات الإسرائيلية، ومؤخرا، قتل وإصابة المتظاهرين الفلسطينيين بالقرب من حدود غزة خلال مظاهرات مسيرات العودة التي تطالب بفك الحصار الإسرائيلي على القطاع.

وأشارت إلى أنه قبل إطلاق التحقيق رسميا، فإنها سوف تطلب من «الدائرة التمهيدية» التابعة للمحكمة تأكيد أن الأراضي التي قد تمارس المحكمة اختصاصها تشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. ومن جانبه، قال مايكل لينك المقرر الخاص لوضع حقوق الإنسان داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 إن المحاسبة ما زالت حتى الآن مفقودة عبر 52 عاما من الاحتلال. وعلى الرغم من تبني المجتمع الدولي لمئات القرارات الصادرة من الأمم المتحدة، والتي تدين الأشكال المختلفة للاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية، نادرا ما كان لهذه الانتقادات أو الإدانات عواقب. وقال لينك إنه «في عالم يزعم إخلاصه لحقوق الإنسان وقواعد النظام العالمي، فمن الحيوي للمجتمع الدولي الدفاع عن قرار مدعية المحكمة الجنائية من أجل التقدم في التحقيق والتماس حكم إيجابي من الدائرة التمهيدية بشأن مسألة المناطق المطلوب التحقيق فيها» بحيث تشمل الضفة وغزة والقدس الشرقية.

نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تم تبنيه في العاصمة الإيطالية في 17 يوليو 1998، ودخل حيز التنفيذ في الأول من يوليو 2002، حيث أصبحت 123 دولة جزءا من النظام الذي يحدد وظائف المحكمة ونظامها القضائي ونطاق صلاحياتها.

تقوم أسس المحاكمة على أربع جرائم دولية أساسية: الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، وقد تكون إسرائيل متهمة بها جميعا. وقالت بنسودا إن انضمام فلسطين إلى معاهدة روما في بداية 2015 يعتبر كافيا لدولة من أجل نقل المحاكمة الجنائية على أراضيها إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وفي تقريرها المكون من 112 صفحة، قالت المدعية إن هناك قاعدة منطقية للاعتقاد بارتكاب جرائم حرب من قبل كل من الجيش الإسرائيلي وحركة حماس وجماعات مسلحة فلسطينية أخرى. بداية، وفي إطار عملية «الجرف الصامد»، وهي الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، هناك ثلاث اتهامات: شن ما لا يقل ثلاث هجمات غير متناسبة بشكل متعمد، والثانية القتل العمد وإحداث إصابات خطيرة عن عمد، والثالثة، تعمد مهاجمة أفراد أو مؤسسات الصليب الأحمر. وفي سياق مناقشة عملية الجرف الصامد، لاحظت المدعية أن الجيش الإسرائيلي فتح تحقيقات في ارتكاب جنوده مخالفات إلا أنه لم يتم البت فيها حتى هذه اللحظة، وهو ما دعا بنسودا إلى القول إنها سوف تواصل مراجعة حجم ونطاق الإجراءات التي اتخذها الجيش الإسرائيلي ذات الصلة بالمخالفات التي ارتكبها جنوده.

كما أن إسرائيل متهمة بارتكاب جرائم حرب عبر دعم وتشجيع حركة المستوطنات. ووفقا لنظام روما الأساسي، فإن «نقل القوة المحتلة، بشكل مباشر أو غير مباشر أجزاء من سكانها المدنيين إلى مقاطعة محتلة يعتبر جريمة حرب». ثالثا، فقد قالت بنسودا إن التحقيق ربما يتضمن جرائم ارتكبتها قوات الجيش الإسرائيلي باستخدام وسائل فتاكة وغير فتاكة لمنع مسيرات العودة الفلسطينية التي بدأت في مارس 2018. ومن المقرر منح «الدائرة التمهيدية»، التي تتكون من ثلاثة قضاة، 120 يوما لإصدار حكمها لتحديد مهام اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. ورد المدعي العام الإسرائيلي أفيحاي ماندلبليت على ذلك برأي قانوني في 34 صفحة شرح فيه أنه مقتنع بأن المحكمة الجنائية تفتقر إلى الاختصاص في القضية لأنه، وعلى حد زعمه، «لا توجد دولة فلسطينية ذات سيادة يمكنها أن تفوض المحكمة حول أراضيها أو مواطنيها». ولكن المدعية ردت في تقريرها على هذه النقطة تحديدا، وبشكل استباقي لما يمكن أن يدور في ذهن الإسرائيليين، بالقول إنه عملا بقرار الجمعية العام للأمم المتحدة رقم 67/‏‏19، والذي تم تبنيه في 29 نوفمبر 2012، تولت فلسطين وضع «دولة مراقب» غير عضو في الأمم المتحدة، وهو ما أتاح لها الانضمام إلى المعاهدات الدولية مثل نظام روما الأساسي، لتصبح الدولة رقم 123 التي تنضم إليه. وكانت إسرائيل قد صوتت ضد نظام روما الأساسي، لكنها وقعت عليه لفترة قصيرة، وفي 2002، أبلغت إسرائيل الأمين العام للأمم المتحدة أنها لن ترغب في أن تكون جزءا من نظام روما، وبهذا تملصت من أي التزامات قانونية حياله.

وكانت محكمة العدل الدولية قد أكدت أن بناء إسرائيل لجدار في الضفة الغربية، والذي ينحرف عن «الخط الأخضر» أو حدود ما قبل 1967، يمنع ممارسة الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره. كما شدد مجلس حقوق الإنسان على ضرورة انسحاب الاحتلال من الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية. وجرائم الاحتلال لا تعد ولا تحصى، فقد ذكرت هيومان رايتس ووتش أن الجيش الإسرائيلي قتل خلال الفترة من 30 مارس إلى 19 نوفمبر الماضيين حوالي 189 متظاهرا فلسطينيا وأصاب 5800 آخرين باستخدام الذخيرة الحية.

أما بالنسبة للمستوطنات الإسرائيلية أو «المغتصبات» كما يسميها الفلسطينيون، فقد وصل عدد المستوطنين إلى حوالي 800 ألف في الضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان السورية المحتلة. وفيما يخص مسيرات العودة، التي خرجت في الذكرى 42 ليوم الأرض الفلسطيني في 30 مارس 2018، فقد اتهم محققو الأمم المتحدة القوات الإسرائيلية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية باستهداف المدنيين العزل، بمن فيهم الأطفال، الذين لم يشكلوا أي تهديد. ومنذ عملية «الجرف الصامد» التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، سقط أكثر من ألفي قتيل و10 آلاف مصاب فلسطيني. ومع تحرك المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة إسرائيل وقادتها ومحاسبتهم على جرائمهم، فقد أصبح من حق كل فلسطيني تقديم دلائل وبراهين وإثباتات على جرائم الاحتلال، حتى حركة حماس أكدت أنها مستعدة للتعاون مع محكمة لاهاي. وربما تكون هذه البداية للوحدة والمصالحة بين الفلسطينيين، وهو ما يمهد الطريق لفضح ممارسات الاحتلال ومحاسبته على جرائمه في حق الشعب الفلسطيني.